أشرنا فى المقال السابق إلى أن المرحلة الماضية قد شهدت مشروعات قومية كبرى وأن هذه المشروعات أصبحت كيانات تعمل فى شكل شركات تتقدم طبيعيا ولم تعد فى حاجة إلى عناية خاصة تستقطع الجهد والفكر والوقت مثلما احتاجت فى مراحل ولادتها الأولى مما يفسح المجال للمشروع القومى الأكبر والأكثر إلحاحا الآن بعد أن استقرت أركان الدولة وهو «التنمية المحلية طريق لجودة الحياة» وذلك انطلاقا من أن جودة حياة المواطن المصرى لن تتحقق إلا من خلال تنمية محلية تعى جيدا أبعاد محاورها الاقتصادية، العمرانية، الخدمية، الاجتماعية، الثقافية والبيئية على مختلف مستوياتها من النجع إلى القرية والمدينة. وبالتالى لو أعطينا هذا المشروع المهم أولوية وتعاملنا معه بنفس الحماس والجدية التى تعاملنا بها مع المشروعات الكبرى فإن وجه الوطن سيتغير إيجابيا بشكل كامل وسريع. إن وزارة التنمية المحلية كى تستطيع تحقيق الهدف الأعظم المتمثل فى جودة الحياة يجب أن تعيد النظر فى أدائها كليا من جميع النواحي. وإذا كان البعض قد أرجع التباطؤ فى أداء المحافظات إلى القانون الذى لم يعط المحافظين سلطات كافية لممارسة اختصاصاتهم فإننى أرى أن فى ذلك اختزالا لما نصبو إليه فى القانون الجديد بدليل أن هناك نجاحات فردية حققها بعض المحافظين فى حين أن جميعهم يحكمهم قانون واحد. نحن نحتاج الآن إلى قانون جديد برؤية جديدة تماما تتوخى مفهوما تنمويا عصريا يدرك ويستلهم روح العصر بفكر مستنير يتلمس الأبعاد التنموية وارتباطها الوثيق بالمخططات العمرانية ذات البعد الاجتماعى الإنسانى واتصالها المباشر بمحاور التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات وقدرتها على التكيف مع كل المعطيات التى تحقق الهدف الأعظم المتمثل فى جودة الحياة مرورا بتمكين المجتمع، كما تشتمل التفاصيل التنفيذية لهذه الرؤية على إعادة البناء الهيكلى لوزارة التنمية المحلية وتحديد أهدافها وطريقة اختيار وتأهيل قيادتها وارتباطهم المباشر بأهداف محددة وفقا للمخطط القومى للتنمية مع إقرار آليات تنفيذية ومجتمعية دقيقة لمتابعة الأداء وتصحيحه من خلال المزايا النسبية لكل محافظة ومدينة وكذلك اعتماد آلية لضخ التمويل الذاتى الناتج عن المشروعات المحلية ذات العائد مع إعادة تدوير المحفظة الاقتصادية لكل محافظة وتوجيه الأصول الاقتصادية المحلية لتمكين المجتمع المحلى بهدف ضمان محلية التنمية للحد من الهجرة الداخلية دون عوائق من أجهزة الرقابة المحاسبية بل بمشاركتها ومعاونتها المباشرة. كل ذلك يؤكد ضرورة التخلص من القواعد الفكرية التى تأسس عليها القانون الحالى كامتداد للحكم المحلى الذى وضعت قواعده فى ستينيات القرن الماضى عند استحداث نظام الحكم المحلى الذى كان فى زمانه ابتكارا واستحداثا وبات الآن مع التغيرات المجتمعية الهائلة وارتفاع سقف الطموحات يعرقل انطلاق التنمية الحقيقية كما أنه اعتمد مضطرا فى بداياته على الانتدابات والنقل من جهات أخرى لبناء الوزارة الناشئة وكانت الرؤية حينها تستهدف «تمكين الدولة إداريا» وهى الصيغة المغايرة تماما لما نستهدفه الآن من «تمكين المجتمع». الأمر يدعو للدراسة المتكاملة وهو ما يمكن حصرها فى ست نقاط هي: أولا: البناء الهيكلى لوزارة التنمية المحلية. ثانيا: اختيار قيادات الوزارة واسلوب تأهيلهم من رئيس الوحدة القروية إلى المحافظ مرورا برئيس المدينة والمركز والسكرتير العام. ثالثا: خطط التنمية المحلية واهدافها القومية على مستوى الدولة وآلية متابعتها مركزيا طبقا لخطة كل محافظة ومزاياها النسبية ودورها فى مخطط التنمية الشاملة للدولة. رابعا: آلية تدبير تمويل ذاتى لا يعتمد بشكل أساسى على التبرعات والمساهمات بل على مشروعات محلية ذات عائد اقتصادى ضمن التدوير والتوجيه للمحفظة الاقتصادية والأصول المحلية لمصلحة تمكين وتنمية المجتمع المحلى تحفيزا للاستقرار وعدم الهجرة الداخلية. خامسا: تفعيل دور المجالس المحلية مع وضع ضوابط الممارسة الموضوعية واشتراط درجة علمية عند الترشح لها رفعا لمستوى الأداء وارتقاء بصورتها المجتمعية. سادسا: الوضع الخاص للعاصمة التى تتعامل مع ما يقرب من ربع سكان الوطن وأهمية النظر إليها على أنها كيان اقتصادى ضخم منتج ومحدد الأهداف حتى أن اقتصادها يمكن أن يقارن باقتصادات دول كما يحدث مع باريس وطوكيو وغيرهما من العواصم الكبري، وبالتالى أهمية صدور قانون خاص بها أو باب كامل فى قانون التنمية المحلية يحدد طريقة إدارتها ومواردها وعلاقاتها بالوزارات الخدمية ومختلف جهات الدولة وكذلك تعديل حدودها الإدارية بما يساعد على نمو أنشطتها ونجاحها اقتصاديا والارتقاء بها كواجهة لمصر. لمزيد من مقالات ◀ د.محمد فتحى البرادعى