حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكمن فى المنطقة الوسطى بين الأبيض والأسود
محمد سلماوي: الحياة كلها رماديات
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 06 - 2018

* إذا تمعنت الصيغة التى كتبت بها الثورة فى رواية «أجنحة الفراشة» ستجد قدرا من التمنى فما ليس فى الواقع يحققه الأديب بالخيال وهى رواية عن الواقع الذى كنا نعيشه فى تلك المرحلة وتطور الأحداث أدى إلى الانفجار
* قال نجيب محفوظ اخترت سلماوى لتسلم جائزة نوبل لأنه خير ممثل لشباب الكُتّاب فأحببت أن أمد يدى بالجائزة لهذا الجيل ولأن سلماوى يمتلك ما يؤهله للوقوف أمام الملوك ورؤساء الدول فى هذه المحافل ويشرفنا
* لم أنتم أبدا للنظام ولا كنت ضمن رجاله ولا عضوا فى الحزب الحاكم وهذا معروف للجميع لكن عندما تكون خبرتى مطلوبة فى موضوع اليونسكو أشارك فورا من أجل مصر

محمد سلماوى فى أثناء حواره مع الأهرام

من يقترب فقط يرى الحقيقة! ومن يكتفى بالنظر من بعيد، فلن يرى غير التهويمات السماعية، التى يحبها البعض، ويبنى عليها، وهى لا تشفى غُلّة من يطلبون الحقيقة.
ومن يرد أن يتعرف على شخصية الأديب «محمد سلماوى»، وأفكاره، فعليه مناقشته مباشرة، بل ومخالفته، ومناوشته، لأنه فى الحقيقة يمتلك سعة الأفق، ورحابة إنسانية مايكفى لصناعة حوار إيجابى مثل هذا الذى بين أيديكم، بل تدقيق كل المعلومات، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، بمحبة، وطيب خاطر.
وكنت أتصوره عن بُعد، وبمنطق الاستسهال، أنه ابن النظام كليّاً، بل ربما توهمت أنه مبعوثه الرسمى إلى الوسط الثقافي، لترسيخ وتوسيع مفهوم «الحظيرة» «إياه»، لكن التعامل، والود الصافىّ والدردشة الصريحة تكفلت بتصحيح أى التباسات، وتوضيح الحقائق، وتأكيد أنه مبدع مهموم بقضايا وطنه، ولا يتردد فى اتخاذ مواقف شجاعة، بل ومحفوفة بالمخاطر، إذا كان الخيار بين الشعب والنظام، كما تَبَدَيَ جلياً فى تأييده لثورة يناير، قبل أن تنجلى الأمور، وفى الوقت ذاته يتمتع بقدر مشروع، وملحوظ، من الإحساس بذاته، وهذا حق لكل المبدعين، وأصحاب المسئوليات الفاعلين، والخبرات الثقافية المفيدة مثله.
أصدقكم القول، أننى بِتُّ من المعجبين بهذا الكاتب الجاد، الدءوب، بعدما رأيت «مشهد الغابة كاملا من أعلي» على حد وصفه هو وتخليت تماما عن ظنِّى الخاطئ بأنه يمكن فهم الأمور «بتمعن شجرة واحدة». فاعتنقت المرونة الإنسانية، وأحببت فكرة التصحيح المتجدد، تجنباً لزَلَل التعجل المربك.

الكاتب الصحفى محمد سلماوى

الحقيقة أنت شخص محيرُ لكل من يتابعك. فأنت قريب من السلطة لدرجة أن من لا يعرفك يظنك جزء منها، وقريب من الكتاب والمثقفين فتبدو معارضا كبيرا، وتنتج عملا إبداعيا من وقت لآخر كأنك متفرغ للكتابة نسبياً، ولطيف مع عموم الناس، كأنما قضيت أغلب حياتك بين البسطاء، فكيف تفسر هذا، هل هى ديبلوماسية مدروسة وتحرك حذر بين الدوائر، لتستمتع بمميزات كل المستويات بلا خسارات معنوية؟
المسألة ليست استمتاع ولا استفادة، بل أن لا تكون دائما أبيض أو أسود، فهذه آفة الحياة الفكرية والاجتماعية عندنا، فإذا كنت معارضا، فيجب أن أعارض الحكومة على طول الخط مهما فعلت، وإذا كنت معها أؤيدها مهما فعلت، المسألة ليست هكذا، الحقيقة أن الحياة كلها تكمن فى المنطقة الوسطى بين الأبيض والأسود. فالأبيض والأسود تطرف استثنائي، وعلينا إدراك أن الحياة كلها رماديات، وحين أُنتخب رئيسا لاتحاد الكتاب كان يجب أن أكون متمتعا بالقدرة على التعامل مع السلطة السياسية من أجل خدمة من انتخبونى وحماية مصالحهم، لذا طالبت الرئيس مبارك فى أحد الاجتماعات بمنح اتحاد الكتاب خمسة ملايين جنيه كنا بحاجة إليها، وهذا يُحتم عليّ التحرر من رأييّ الشخصى فى مبارك وسياساته لأتحاور معه وأطالبه بحقوق الكتاب، وقد وافق بالفعل فى ذاك الاجتماع على المبلغ، ولم أنس هذا الوعد الحكومى بعد ثورة يناير وطالبت عصام شرف بتنفيذه، باعتبار الحكومة مدينة للاتحاد بخمسة ملايين جنيه، فدفع مليونين، وبقية المبلغ يطالب به من أتى بعدي، فالمسألة هكذا، وأيضا الإنسان يجب ألا يقاطع كل من لا يلتزم بموقفه السياسي، وإلا كانت طفولية ساذجة، والأديب يعلم هذا أكثر من غيره، فالشخصية فى الأدب مستديرة كما يقولون وليست مسطحة، أى لها أبعاد متعددة، وفى الأدب الشخصية التى تمثل الشر أو الخير فقط غير مرسومة جيدا وتنم عن ضعف موهبة كاتبها، فاختلافى مع شخص لا يعنى أن أهاجمه وأحتقره، إنما يعنى أن أرد على موقفه السياسي، وتظل تربطنى به علاقة إنسانية طيبة، وهذا منطقى فى التعامل مع الحياة، لذلك لى علاقات متشعبة مع مختلف الاتجاهات.
لاقت مذكراتك «يوما أو بعض يوم»، ذات العنوان الموحي، المستلهم من القرآن، والمكتوبة بصدق وعذوبة، نجاحا كبيرا، فهل هذا لأنك شخصية عامة، تتمتع بعلاقات واسعة بين أطياف المجتمع، أم لصدق الكتابة الظاهر، أم لحميمية الذكريات العامة والوقائع المشتركة مع المبدعين والمثقفين، أم لثراء السنوات والتجارب التى تناولتها؟
الحقيقة هو كل ما قلته مجتمعا. وأعتقد أن ما يُقرّب أى كتاب للقارئ هو أسلوب الكتابة، فقد تكتب عن أشياء تبدو بسيطة، كالشاعر حين يصف زهرة، لكن لأنه شاعر ويصف الزهرة بعذوبة نُقبِل على القصيدة، وهناك من يتحدث عن أهم الأمور بأسلوب مُنفر يفتقر إلى الجاذبية فلا يقبل عليه أحد، وفى مذكراتي، رغم ما فيها من السياسية والأحداث الكبري، كنت طوال الوقت روائيا، وأكتب سيرة حياة مرت ضمن هذه الأحداث الكبري، وربما غلَّبت الطابع الروائى والأسلوب الحميمي، ولم أتجاهل المشاعر والأحاسيس لمصلحة الأحداث، وربما جمعت هذا كله، إضافة إلى الصور التى أعلم أنها مهمة، وستلقى اهتماما كبيرا، ووضعتها عن قصد لأننا فى عصر الصورة، ودعما للوقائع، مثل صور الاعتقال مثلا، ولقاءاتى بشخصيات كبري، فالصورة توثيق، ووسيلة تواصل عصرية، وفيها جِدَة وإثارة، ومعظمها لم ينشر من قبل.
وماذا عن عنوان «يوما أو بعض يوم» الموحى والمستوحى من القرآن؟
لم أكن راضيا عن تسمية الكتاب «أوراقي، أو سيرتى الذاتية، أو مذكراتي، أو أوراق العمر»، فكلها مستهلكة، وظللت أبحث عن بديل فترة طويلة، وبحثت فى القرآن كما بحثت فى الكتب وأشياء كثيرة إلى أن عثرت على ضالتى فى هذه الآية على عدة مستويات، أولا التواضع لأنه سمة غالبة فى الكتاب كله،
وعلى المستوى الشخصى أين أنت من التواضع؟
يجب ألا نخلط بين التواضع وعِزّة النفس والثقة، فإحدى آفات السيرة الذاتية العربية عدم التواضع، فبعض الناس يعيدون صياغة حياتهم بالكامل، ويعيدون صياغة التاريخ وحقائقه، كأن صاحب السيرة لابد أن يكون أول زملائه فى المدرسة، وأنا قلت إننى كنت بليدا، وأحضرت شهاداتى فى المدرسة، وكُتب عليها أن لديّ إمكانات كبيرة لكنى لا أستخدمها، وتفاديت عيوبا جوهرية مثل عدم الصراحة، وعدم التوثيق، لأنى واحد من مليارات البشر، ومهما كان فى سيرتى مزايا أو إنجازات وهى فيها بالفعل، لكنى فى النهاية لست مُنّزلاً، وربما أحس بعض من كتبوا عنها بأسلوب السرد، والسخرية من الذات أحيانا للتخلص من الجدية المصطنعة، لذا وجدت أن هذه الآية تترجم حياتى التى يخيل لى أنها عظيمة، واستمرت 70 سنة، أجرى وأكدح، لكنها فى النهاية «يوما أو بعض يوم»، وحقق لى العنوان الغرض المنشود. أمّا عن الصدق فقد رويت ماليّ وما علي، ورويت أشياء لامنى عليها بعض الناس، وتصورى فى سن المراهقة أننى ملحد، واكتشافى الحقيقة لاحقا. وأعرف أننى لم أكتب رواية، بل سيرة ذاتية فيها تجاربى فى الحياة بأسلوب أدبى عذب، ومع هذا وجدت من يتصيد بعض الأشياء ليهاجمها. أضف إلى هذا كله عنصر التوثيق، فقبل أن أكون صحفيا حافظت دائما على أوراقي، فتاريخنا مجموعة أوراق، وكثيرا ما ذكرتنى بحادثة أو مرحلة نسيتها، أو مشاعر أغفلتها.
والتوثيق هذا يدفعنا لسؤالك عن ملابسات اختيار «نجيب محفوظ» لك للذهاب إلى نوبل؟
كثيرون تمنوا تمثيل نجيب محفوظ فى استلام جائزة نوبل، وأكثرهم هاجمونى وهاجموا محفوظ نفسه، وأحد الصحفيين كتب أن اختيار محفوظ لسلماوى ليس نهائيا، وأن رئاسة الجمهورية ستتدخل لاختيار شخصا آخر يمثل مصر ، رغم أن الجائزة شخصية، ولجنة نوبل حريصة جدا على الطابع الشخصي، ورفضت أن يتسلمها السفير المصرى نيابة عن محفوظ، وقالت لمحفوظ من تختاره أنت هو الذى نقبله، وليس ممثل الدولة، وقررت أن أعفى محفوظ من الحرج وكان فوق الثمانين، وعنده فرحة كبيرة، فلماذا نفسدها عليه بالضغوط. فكتبت له خطابا قلت فيه أنت اخترتنى وهذا شرف عظيم لى لن يستطيع أحد أخذه مني، أما تذكرة السفر التى يختلفون عليها فاسمح لى أن أعيدها، وذهبت إليه فى مكتبه مكان توفيق الحكيم، وكان عنده زميلنا فتحى العشري، وحسين الحبروك، ويحيى تاضروس معد برنامج حكاوى القهاوي، فلم أتمكن من إعطائه الخطاب، فجلست معهم، وقبل أن أنصرف أخبرته بأننى تركت له خطابا ليقرأه لاحقا، فسألني: فيه إيه الخطاب.. افتحه واقرأه، فقلت خطاب شخصي، فقال: لا يوجد أحد غريب، فاعتذرت له عن قراءته، فطلب من فتحى العشرى أن يقرأه، ثم قال: أنت تتخلى عني؟. فقلت: كيف أتخلى عنك وأنت شرفتني، لكنى لا أريد أن أسبب لك حرجا، فقال: إحراج مع من؟ فقلت: مع رئاسة الجمهورية، فقال: من قال ذلك؟ قلت: نشروا أن الرئيس سيختار بنفسه، فقال: الرئيس من حقه أن يختار من يراه، لكننى اخترت. فتأمل التواضع، والثقة بالنفس، والتمسك بالرأى والحسم والهدوء والبساطة فى هذا الموقف، لم يفعل مثل البعض، وقال لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يختار أو يفرض، وأنا متمسك بهذا الحق، ولم يقل من يختاره رئيس الجمهورية على العين والرأس، بل تمسك برأيه بأسلوب مهذب، وهذا درس أخذته من تلك الواقعة.
وماذا عن علاقتك العميقة به وحواراتك معه؟
كنت أذهب إليه فى الساعة السادسة من مساء كل سبت، فكان يفتح الباب 6 تماما بنفسه خشية أن أرن الجرس ولا يسمعه، ويفتح الباب فيجدنى أمامه.
كنت تكتب وراءه فكرة مقاله؟
بل كنت أسجل له وعندي500 ساعة تسجيلات بصوته على مدى 12 سنة، أجلس معه أسبوعيا، لساعة ونصف الساعة ونتكلم فى عدة موضوعات، وخلالها نختار موضوعا للمقالة، وأحيانا كان يقول: الأسبوع ده أريد أن أتكلم عن كذا، وأسجل رأيه ثم أكتبه.
كان يتحدث بالعامية وتكتبها بالفصحي؟
نعم.. دردشة. جمعت منها 500 ساعة تسجيلات، قررت أن أهديها لمتحفه الذى لا يأتي!. كانت صداقتنا متينة لتوافق الكيميا بيننا، ولما سئل وقت نوبل لماذا سلماوى بالذات؟ فى حديث مع الصحفى محمد الشاذلى بالمصور، قال: أنا اخترت الأصلح لهذه المهمة، وسلماوى خير ممثل لجيل الشباب من الكتاب، فأحببت أن أمد يدى بالجائزة لهذا الجيل، ثانيا سلماوى يمتلك ما يؤهله أن يقف أمام الملوك ورؤساء الدول فى مثل هذه المحافل ويشرفنا، وامتدت علاقتى به 30 سنة منذ دخولى الأهرام إلى وفاته فى 2006. ودخلنا الأهرام تقريبا فى توقيت واحد، وكنت أقابله وأسلم عليه، حتى توطدت علاقتنا، واختياره لى فى نوبل قربنى منه جدا، فانتقلت فيها من علاقة ودية إلى صداقة حقيقية.
عودة إلى تداعيات «يوما أو بعض يوم».. فهل نجاح الكاتب يضاعف مسئوليته أم يدفعه للتراخي؟
نجاح «يوما أو بعض يوم» كان دفعة قوية لاستكمال مذكراتي، سردت قصة لها بداية ووسط، وانتهت باغتيال السادات، لكنها نصف الحكاية، وما دمنا بصدد سيرة ذاتية سيكون هناك جزء ثان يتعرض لمبارك ومرحلة الثورة، وينتهى بكتابة الدستور، ودورى فى لجنة الخمسين، وعندى حرص شديد وقلق خشية ألا أكمله.
وهل نجاح الجزء الأول يجعلك تتهيب القارئ، خشية نزول المستوى مثلا، أو قلة أهمية الأحداث؟
التهيب أكثر لأن الناس سيقارنون الجزء الثانى بالأول، فلو جاء مثل الأول سيكون تكرارا، ولابد أن يتفوق الجزء الثاني، وإلا لن يباع، وعندى مشاكل كثيرة فى الجزء الثاني، فما دام الكتاب ينتمى للأدب فليس هناك رواية تخلو من قصة حب، والجزء الأول كان فيه قصة اقترانى بزوجتى والمشاكل التى واجهتنا إلى أن استطعنا الزواج، فماذا أفعل فى الجزء الثاني؟ هل هناك قصة حب بعد الزواج؟ مثلا؟. الكتاب الأول أخذ سنة كتابة، وأعتقد الجزء الثانى الذى وصلت فيه للفصل العاشر سيأخذ سنة أيضا تقريبا.
فى روايتك اللافتة «أجنحة الفراشة»، التى حاورتك بعدها، تنبأت بشكل واضح، بثورة يناير، وبالملايين الذين نزلوا الشوارع فعلا بعد صدورها بشهور قليلة، فماذا تسميها، أهى «بصيرة مبدع مهموم بوطنه»، أم «رؤية مثقف وصحفى قريب من دوائر صنع القرار»، كان شاهدا على تداعى النظام، أم «مواطن يتلمس أحوال الناس وزفراتهم الحارة»؟
لا.. رؤية المبدع. الصحفى يختلف عن المبدع تماما لأنه يحرص على الآنية، فلا يرى إلا ما أمامه، ولا يستطيع التحدث عن الغيب، فلن يقرأ أحد جريدة تتحدث عن الغيب أو الماضي، أما الأديب فينظر من علٍ ويرى الغابة بأكملها، ويمكنه استشراف الريح المقبلة من بعيد، أو النيران التى بدأت تلتهم جزءا من الغابة، فهناك مثل إنجليزى يقول: «لا تدع نظرتك للشجرة تعميك عن الغابة»، وأنا لم أقصد التنبؤ بشيء بل كنت أكتب.
كنت تتنبأ أم تتمنى؟
إذا تمعنت الصيغة التى كتبت بها الثورة فى رواية «أجنحة الفراشة» ستجد قدرا من التمني، فما ليس فى الواقع يحققه الأديب بالخيال، كتبت رواية عن الواقع الذى كنا نعيشه فى تلك المرحلة، لكن تطور الأحداث أدى إلى الانفجار، لأن الوضع الذى صورته لم يكن ممكنا استمراره إلى مالا نهاية، كان ينطوى على مقومات ودواعى الانفجار.
تصورات الكاتب ليست تنجيما بل قراءة معطيات موجودة؟
قراءة معطيات، ونظرة شاملة، لذا يتنبأ الأدب طوال تاريخه بأشياء كثيرة حتى فى الخيال العلمي، مثل الغواصة والتليفزيون قبل اختراعهما، ومسرحية الجنزير التى كتبتها سنة 95 تنبأت بتفشى الإرهاب الذى حدث بعد ذلك.
وبمناسبة ما يحدث لسوريا ومصر، فى روايتك «الخرز الملون»، استخدمت تكنيكا فريدا من نوعه، خمسة أيام فارقة من الأحداث السياسية والاجتماعية عن الوحدة المصرية السورية، فكيف ترى علاقة التكنيك بالموضوع سلبيا وإيجابيا، وهل استلهمت هذا التكنيك من أعمال غربية؟
التكنيك الذى استخدمته أرجعوه لكونى كاتبا مسرحيا، وقالت عن ذلك د. نهاد صليحة: «سلماوى كتب روايته فى فصول مسرحية».
أعجبك تفسيرها؟
إلى حد كبير، لكن أعجبنى أكثر تحليل خيرى شلبى حين قال عن الرواية إنها استلهام لتكنيك عربى أصيل، فالعرب كانوا يؤرخون بالأيام، وهذا ما جعل طه حسين يسمى روايته «الأيام»، وهى عن حياته، وألف ليلة وليلة عبارة عن أيام وليال، ولكنى كنت أريد أن أُحِكم الرواية، فمن آفات الرواية العربية الاستطراد، بعكس المسرح وهو فن التركيز، فالحكاية الطويلة لابد أن تحكيها فى ساعتين مدة المسرحية، وفى الرواية يمكن أن تكتب ألف بلا مشكلة، فأردت إحكام القالب على أحداثي، فحققت لى فكرة الخمسة أيام الفاصلة ذلك.
بذكرك المسرح.. أنت مؤسس مهرجان المسرح التجريبى (1988)، وهو لم يسلم من النقد منذ بداياته، من نقاد وفنانين كبار، ومن الجمهور أيضا، خاصة أنه تزامن مع تراجع دور المسرح التقليدي، وكأن هناك ميلا للتخلى عن فنون القضايا المهمومة بالناس، إلى الفنون النخبوية الغامضة، المستعصية على أفهام غالبية الجمهور؟
المسرح التجريبى كانت فكرة وزير الثقافة فاروق حسني، وبدأ بطلبه مهرجانا للهواة طالما يتراجع المسرح التقليدي، فقلت إن مصر البلد العربى الوحيد الذى ليس له مهرجان للمسرح رغم أنها أم المسرح، فأرى ألا تصنع مسرحا للهواة، وتطورت الفكرة إلى المهرجان التجريبي، ونطّلع على تجارب الآخرين، ونأخذ ما يعجبنا، ونعرف الناس ما يجرى فى العالم. ومن ناحية أخرى قد يُحرك بركة المسرح الراكدة، وكنت وقتها وكيلا لوزارة الثقافة للعلاقات الخارجية، وهذا الاقتراح أخذ منى جهدا كبيرا فى تشكيل لجنة الإشراف على المهرجان، وكان يجب معرفة أى وقت من العام ليست فيه مهرجانات أخري، إضافة لوضع لائحة، وبذلنا جهدا كبيرا ليكون المهرجان العام التالي، لكن فاروق حسنى أصر على أن يكون فى نفس العام، وعبر العلاقات الثقافية الخارجية اتصلت بمسئولين فى الخارج ليرسلوا إلينا فرقا، ووقتها طلبوا أن أكون رئيس المهرجان، فرشحت الفنان سعد أردش لرئاسته وكنت الأمين العام للدورة الأولي، ثم استقلت من وزارة الثقافة ولم أعد مشرفا عليه، وربما نسوا عملى معهم من قبل، فلا أُدعى فى دورات المهرجان.
وأنت رئيس اتحاد الكتاب، كنت قريبا من النظام، ويعتمدون عليك فى مهام كبرى مثل معركة اليونسكو، لكنك انحزت للثورة من لحظاتها الأولى بشكل واضح، فهل كنت واثقا من نجاحها وقوتها، كما تنبأت فى «أجنحة الفراشة»، أم كانت مجازفة لم تتهيب نتائجها؟
لم أكن قريبا من النظام بمعنى الانتماء له. لم أكن عضوا، وكنت قادرا على الاحتفاظ بموقفى المستقل الذى لم يكن سرا أخفيه، وروى لى أ.محمد رشاد أن أحد النقاد الكبار حذره من نشر رواية أجنحة الفراشة لأنها قد تغلق الدار المصرية اللبنانية، لأنها تتحدث عن سقوط النظام لكنه نشرها بشجاعة، وأنا لم أنتم أبدا للنظام ولا كنت محسوبا ضمن رجاله، ولا كنت عضوا فى الحزب الحاكم على الإطلاق، وهذا معروف للجميع، لكن عندما يكون رأيى أو خبرتى مطلوبة فى موضوع اليونسكو أشارك فورا لأنه شئ من أجل مصر وليس لنظام. كما فعل القانونى الكبير الراحل دكتور «وحيد رأفت» مع أنه كان وفديا ومعارضا، وحين طُلب منه المشاركة فى مفاوضات طابا لم يتردد.
وكذا فعلت والإخوان على رأس البلد. أعلنت تحيزك للشعب ضدهم، ولم تكن كفّتهم قد مالت بعد، وكانت مخاطرة واضحة، فهل كنت تعرف بوادر ما قبل الناس، أم أنها بصيرة الكاتب أيضا، أم المواطن المتحيز للحريات مهما كانت النتائج؟
الأقرب هو السبب الأخير، فأفكارى كانت مختلفة تماما معهم، ورأيت الخطر ماثلا أمامى من توليهم السلطة، ولم أكن ضمن الذين صوتوا للإخوان حتى لا يصوتوا لممثل النظام القديم فى انتخابات الرئاسة، فقد قاطعت الانتخابات، لأننى لم أجد فى المرشحين ما كانت تتطلع إليه الثورة والناس، وكرست عمودى اليومى فى المصرى اليوم آنذاك لرصد وتتبع كل ما يفعله الإخوان يوميا، لدرجة أن المصرية اللبنانية نشرت هذه الأعمدة وكأنها يوميات لحكم الإخوان فى كتاب أسميته «مسدس الطلقة الواحدة.. مصر تحت حكم الإخوان». هذا على المستوى الشخصي. أما المستوى النقابى فكان اتحاد الكتاب النقابة الوحيدة التى عقدت جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من رئيس الجمهورية وهو فى السلطة، وهى واقعة غير مسبوقة فى تاريخ مصر.
هل تظن أن لجنة الخمسين حققت طموح الشعب فى الدستور؟
المثقف العضوى لا يستطيع أن ينظر لنفسه ككاتب إذا انسلخ عن قضايا مجتمعه المصيرية أو تجاهلها، فحين يكون هناك دستور جديد يكتب لمصر ، كان لابد أن يكون لأدباء مصر دور فى صياغته، فهل يعقل أن دستور دولة ثقافية كبرى مثل مصر لم تكن فيه كلمة «ثقافة»، وسأظل أفخر بأننى أسهمت فى إدراج باب جديد فى دستور مصر لأول مرة يسمى «المقومات الثقافية»، ونصصنا فيه على أن «الثقافة حق للمواطن، وعلى الدولة أن تكفلها دون تمييز بسبب البعد الجغرافى والقدرة المادية»، فوفق هذا الدستور لا يحق للدولة أن تزعم أنها غير قادرة على توصيل المسرحية أو الفيلم إلى واحة سيوة أو سيناء بحجة بعدهما، وليس من حقها ادعاء أنها غير قادرة على توصيل الكتاب للشخص رقيق الحال، لأنه يتكلف كثيرا لأن هذا غير دستوري، وعلى السياسة ابتداع وسائل لضمان توصيل هذه الخدمة للمواطن، بدعم الدولة له كما تدعم رغيف العيش، لأنه غذاء الروح، وفى حالة العجز عن دعمه تلجأ لوسائل أخرى خارج التفكير التقليدى بأن ترفع الرسوم الجمركية عن كل ما يدخل فى صناعة الكتاب من ورق وأحبار وآلات الطباعة والألوان فكلها مستوردة وبالتالى سينخفض سعر الكتاب ويكون فى متناول الجميع، بدون هذا لا تحدثنى عن مقاومة الإرهاب، فأنت تقاوم جرائم الإرهاب فقط ولكنك لا تقاوم الإرهاب نفسه.
هذه أول مرة تنشر فى «الكرمة» الدار التى يملكها ابنك المثقف المهذب «سيف سلماوي»، فما الذى جعلك تتخلى عن المصرية اللبنانية؟
لأن دار الكرمة هى التى طلبت منى هذا الكتاب تحديدا، وكنت كتبت مقالة بمناسبة 140 سنة على إنشاء الأهرام عن أدباء الدور السادس بالأهرام، فسألنى سيف: لماذا لم تكتب بقية حياتك، أنت كتبت عن حياتك مع هؤلاء الأدباء؟، فقلت: لا أميل لكتابة سيرة ذاتية، ولدت متي، وتزوجت من؟ فقال: لكنك لم تكتب فى مقالك مثل هذا أنت كتبت لتاريخ مصر من خلال حياتك، فلفت نظرى إلى أن حياتى متداخلة جدا بأحداث عامة منها ما أثّر فيّ بشكل مباشر ، ولا يمكن أن أكتب حياتى دون أن أشير إليها، وأحداث أخرى أسهمتُ فيها أنا بشكل مباشر مثل كتابة الدستور، فقلت له سأكتب فقال: سيكون للكرمة، فقلت له أستأذن ناشري، ووافق الأستاذ محمد رشاد فورا حين عرف أنه للكرمة. وقلت أجازف وأنشر معاه.. (نضحك).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.