يحضُّ الإسلام أتباعه على الاهتمام بأوقات العمر، ويلفتهم إلى اغتنام النفحات الربانية المبثوثة فيها بالعمل الصالح؛ سواء كان عبادة من العبادات أو عملا دنيويًّا يُتقرب من خلاله إلى الله تعالى ويُبتغى به رضوانه، حتى ولو كان ذلك فى أشد الظروف؛ كما فى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت على أحدكم القيامة وفى يده فسيلة –نخلة صغيرة- فليغرسها». والعمر رأس مال الإنسان، خاصة تلك الأوقات الفاضلة والأزمنة المباركة، حيث شهر رمضان؛ شهر مضاعفة الأعمال، والرحمة العامة، والمغفرة الشاملة، وهى منح ربانية يعطيها الله تعالى لمن تحلى بسمات الجد والاجتهاد وترك الكسل والخمول والعيش فى الرغبات والأمنيات. وينبغى أن يزيد المسلم من إحسانه فى الثلث الأخير من هذا الشهر المبارك، ويجتهد لاستدراك ما فاته؛ فقد كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله. وقد فُضِّلَت هذه العشر على سائر أيام العام بوقوع ليلة القدر ضمن زمانها المبارك؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان»، وهى ليلة ساطعة البدر، جليلة القدر، عظيمة الأجر، يعدل ثوابها ما يزيد على ثلاثة وثمانين عامًا، لذا حذر النبى صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن تحريها، منبهًا على عِظَمِ خسارة من لم يغتنم الفضل فيها؛ فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يُحرَم خيرها إلا محروم». كما ينبغى الاستعداد لها باطنًا بالتوبة الصادقة، وتخليص القلب من الشحناء والأحقاد، ويجتمع مع هذا حسن الظاهر بالتطهر والتطيب ولبس أحسن الثياب. وينبغى إحياء تلك الليالى بصنوف العبادات، وصلة الأرحام، وحسن الجيرة، والتوسعة على الأهل والأقارب، وكثرة الذكر، والاعتكاف، والتهجد، والدعاء والتضرع إلى الرءوف سبحانه، خاصة تكرار الدعاء المأثور: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، حتى يغتنم المسلم ثوابها العظيم. وليحرص المسلم على إخراج زكاة الفطر عن نفسه ومن يعول، لأنها زكاة يجب إخراجها على المسلم قبل صلاة عيد الفطر بِمقدار محدد – صاع من غالب قُوتِ البلد- وقد قدرت دار الإفتاء المصرية حدها الأدنى لهذا العام بثلاثة عشر جنيهًا، وإخراجها بالقيمة أولَى لمصلحة الفقير، ولا حرج شرعًا على من عجلها من أول دخول رمضان، كما هو الصحيح عند الشافعية، أو أخرجها فى أى يوم من رمضان حتى صلاة العيد، لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان، والفطر منه، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر. وتؤكد هذه الأعمال المطلوبة فى هذه الأيام العشر على أن الإسلام يغرس فى نفوس أتباعه المعانى الفاضلة التى تجعل الأزمنة والأحوال مناسبات حقيقية لمراجعة صادقة مع الله تعالى ومع النفس، وعوائد متكررة تغذى الرحمة فى القلوب وتقوى صلة الأرحام وتحافظ على وحدة النسيج المجتمعى والوطني.