استعرضنا فى الأسبوع الماضى جزءا من كتاب فتاوى رمضانية معاصرة للدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، ونستكمل هذا الأسبوع الكتاب وفتاوى الدكتور سالم عبدالجليل فى ليلة القدر وهل هى ثابتة فى كل عام ولماذا لم يحددها لنا الرسول وكيف تكون زكاة الفطر وعلى من تجب وصلاة العيد وصيام الست من شوال وأحكامها. • ليلة القدر لم سميت ليلة القدر بهذا الاسم؟ وهل هى ثابتة فى كل عام؟ ليلة القدر هى أفضل ليالى الدهر، والعمل الصالح فيها خير من العمل الصالح فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وهى الليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم، وتنزل فيها الملائكة والروح الأمين.. فتزدحم الأرض بهم وتضييق، وهذا من أسباب تسميتها بهذا الاسم فيصبح القدر بمعنى الضيق، ومنه قول الله تعالى: «فقدر عليه رزقه» أى: ضيق، وقيل من التقدير، لأنه تقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العالم كلها، وقيل القدر: الشرف، وعظم الشأن من قولك: رجل له قدر، لأنها تكسب من أحياها قدرا عظيما لم يكن له قبل، وترده عظيما عند الله تعالى، وقيل: سميت بذلك لأن كل العمل فيها له قدر، وقيل: لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر، على رسول ذى قدر، لأمة ذات قدر، وقيل: لأنه ينزل فيها ملائكة ذات قدر، وقيل: لأنه قدر فيها الرحمة على المؤمنين. ويندب إحياء ليلة القدر بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، لما ورد عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم «كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر»، وأن يكثر من الدعاء لحديثها.. أيضا قال: قلت: «يا رسول الله أرأيت إن علمت أى ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولى: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».. وهى خاصة بالأمة المحمدية ولم تكن فى الأمم السابقة، لما روى عن مالك بن أنس: أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذى بلغ غيرهم فى طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر، ولما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بنى إسرائيل لبس السلاح فى سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله عز وجل: «إنا أنزلناه فى ليلة القدر..». وأخفيت ليلة القدر حتى يجتهد المسلم فى الليالى العشر الأخيرة من رمضان، وخاصة الوترية منها، وتلتمس هذه الليلة فى العشر الأواخر من رمضان، وبالذات فى الليالى الوترية حيث تدور فيها من غير ثبات عند ليلة واحدة، فمن اجتهد العشر أدركها يقينا. • زكاة الفطر ما المقصود بزكاة الفطر؟ وعلى من تجب؟ زكاة الفطر هى الزكاة التى تجب فى رمضان على كل فرد من المسلمين صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، لما روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. وشرعت زكاة الفطر فى شعبان، من السنة الثانية من الهجرة لتكون طهرة للصائم، مما عسى أن يكون وقع فيه، من اللغو والرفث، ولتكون عونا للفقراء والمعوزين، روى أبو داود وابن ماجة والدارقطنى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم، من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات. وتجب على الحر المسلم المالك ما يزيد عن قوته وقوت عياله يوما وليلة، ويخرجها المسلم عن نفسه وعمن يعولهم، أو من تلزمه نفقتهم حتى يخرجها عن المولود الذى يولد قبل فجر يوم العيد. ما مقدار زكاة الفطر؟ وهل تخرج قيمة أم لابد من إخراجها حبا؟ أما مقدارها فيخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم عن كل واحد صاعا من القمح أو الشعير أو التمر أو الزبيب، أو الأرز أو الذرة أو نحو ذلك مما يعتبر قوتا. ويوضح الشيخ دكتور سالم عبدالجليل قيمة الصاع فيقول: يقدر الصاع بحوالى 2 أو 3 كيلو جرامات ولذلك تجد اختلاف الفقهاء فى القيمة، بين من يوجب على الفرد «2» كيلو وبين من يوجب عليه 3 كيلو، وهناك سبب آخر للاختلاف وهو فى نوعية غالب قوت البلد، هو التمر أو القمح أو الأرز أو الزبيب؟.. ويؤكد فضيلته: وجوز الإمام أبو حنيفة إخراج القيمة، ويراعى فى ذلك مصلحة الفقير، ويحدد أهل العلم هذه القيمة كل عام بناء على أسعار السلع ويصدر به مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء فتوى سنوية يحددون فيها الحد الأدنى، ويترك لكل إنسان الاجتهاد فى إخراج المزيد حسب حاله.. ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، وتخرج هذه الزكاة للفقراء والمساكين. • صلاة العيد ما حكم صلاة العيد؟ وما القول فى تكبيرات العيد؟ صلاة العيد سنة، لما روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان لأهل الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى. ويبدأ وقت صلاة العيد عند ارتفاع الشمس قدر رمح، بعد شروق الشمس بحوالى عشرين دقيقة، وهو وقت صلاة الضحى، ويستحب تأخيرها قليلا بالنسبة لعيد الفطر، وذلك انتظارا لمن انشغل بإخراج زكاة الفطر، ويمتد وقتها إلى قبيل صلاة الظهر. كما يستحب للمسلم أن يكبر الله فى عيد الفطر من بعد صلاة الفجر وحتى يصعد الخطيب المنبر، وفى عيد الأضحى يكبر من فجر يوم عرفة إلى عصر ثالث أيام التشريق، وهو ما يسميه الناس رابع أيام العيد، وذلك بعد أداء الصلوات المفروضة. وصيغة التكبير واسعة لا يجوز الاختلاف فيما بيننا بسببها، وكل ما اعتاده الناس فى التكبير لا بأس به. والصيغة التى اعتاد عليها الناس فى مساجدنا أجازها الفقهاء عبر العصور، وأساس هذه الصيغة ما جاء فى كتاب الأم للإمام الشافعى أنه سئل: كيف التكبير؟ فقال- رحمه الله تعالى: والتكبير كما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة «الله أكبر» فيبدأ الإمام فيقول: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر» حتى يقولها ثلاثا، وإن زاد تكبيرا فحسن وإن زاد فقال: «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا الله أكبر ولا نعبد إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر»، فحسن، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببته. ويستحب للمسلم يوم العيد أن يغتسل ويتعطر ويلبس أفضل الثياب، وذلك قبل خروجه من بيته، ثم يأتى المصلى أو المسجد أو الساحة فيصلى فيها مع إمامه. وصلاة العيد ركعتان جهرا، ولكن بعد تكبيرة الإحرام يكبر الإمام سبع تكبيرات، ثم يقرأ الفاتحة وسورة الأعلى «استحبابا»، وبعد تكبيرة القيام للركعة الثانية يكبر خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام ثم يقرأ الفاتحة وسورة الغاشية «استحبابا». ثم بعد ذلك يخطب الإمام خطبة العيد كخطبة الجمعة، ثم يسن للمسلم بعد انتهاء الصلاة أن ينصرف من طريق غير الذى جاء منه إلى المسجد. وفى عيد الأضحى يسن له أن يذبح شاة ويوزع لحمها على الفقراء والأهل ويأكل هو منها كذلك، ويسن له فى العيدين أن يزور أقاربه وينهى الخصومات ويصلح ذات البين. وينبغى أن ننبه أن العيد هو يوم فرح ومرح ولعب ولهو وذكر الله تعالى، ومن ثم فلا يجوز للمسلم أن يفرح فى مواسم الخير بمعصية الله، فإن الفرح إنما يكون بالذكر والطاعة ولن تكون المعصية تعبيرا عن الفرح والسعادة عند أهل الإيمان. • صيام الست من شوال ما حكم صيام الست من شوال؟ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها». هل يحصل الثواب بنية الست من شوال، ونية القضاء من رمضان؟ ذهب الشافعية إلى أن من يقضى رمضان فى الست من شوال تبرأ ذمته بقضاء هذه الأيام من رمضان، ويحصل له أجر الصوم فى شوال، ولكن مع التأكيد على أنه لا ينوى صيام الست من شوال، وإنما ينوى صيام ما فاته من رمضان فقط، وبوقوع هذا الصوم فى أيام الست يحصل له الأجر، فإن فضل الله واسع، وذلك لأن حديث النبى صلى الله عليه وسلم نصه: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر، وهكذا لم يخبر صلى الله عليه وسلم بأن صيام هذه الأيام بنية مخصوصة لأيام مخصوصة من شوال، وإنما تحدث عن مطلق الاتباع، وهيئة اتباع رمضان بست من شوال حاصلة فيمن نوى صيامهم نافلة، ومن نوى صيامهم قضاء لرمضان. وقد أفتى بذلك العلامة الرملي- رحمه الله- فى إجابة سؤال عن شخص عليه صوم من رمضان وقضاء فى شوال: هل يحصل له قضاء رمضان وثواب ستة أيام من شوال؟ وهل فى ذلك نقل؟ فأجاب: «بأنه يحصل بصومه قضاء رمضان، وإن نوى به غيره، ويحصل له ثواب ستة من شوال، وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين. وبناء عليه يجوز للمرأة المسلمة أن تقضى ما فاتها من صوم رمضان فى شهر شوال، وبذلك تكتفى بصيام قضاء ما فاتها من رمضان عن صيام الأيام الستة، ويحصل لها ثوابها، لكون هذا الصوم قد وقع فى شهر شوال، وذلك لما ذكر، وقياسا على من دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس بنية صلاة الفرض، أو سنة راتبة، فيحصل له ثواب ركعتى تحية المسجد. وأخيرا.. الدين الإسلامى لكل العصور والأزمان وما يراه علماء الدين فى ظل ظروف كل عصر واجتهاداتهم للتيسير على الناس رحمة من عند الله. •
