مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2018/2019 ليس مجرد مشروع قانون عادى وليست مجرد موازنة متكررة ولكن لها أهمية خاصة فى ضوء خصوصية الظرف الاقتصادى الراهن وهو ما يجعل من المناقشات الدائرة حولها فى مجلس النواب ذات أولوية قصوى فى الاهتمام وهذه الخصوصية للظروف الاقتصادية الراهنة التى تواجهها الموازنة تتضح فى إشكالية أنه فى الوقت الذى تشير فيه تقارير المؤسسات الاقتصادية الدولية لمؤشرات ايجابية على مستوى الاقتصاد الكلى ومنها على سبيل المثال تغيير تصنيف مصر الائتمانى الذى أعلنته مؤسسة ستاندرد أند بورز الشهر الماضى والذى تم فيه رفع مستوى تصنيف مصر من–B إلى B مع نظرة مستقبلية مستقرة بما يعنى تحسن قدرة الاقتصاد المصرى على سداد التزاماته... هذه الصورة الايجابية على المستوى الكلى لا يقابلها على ما يبدو صورة مماثلة على مستوى المستهلك المصرى الذى يشهد حالة من ارتفاعات الأسعار المتوالية فى معظم القطاعات... والحقيقة أن ارتفاعات الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك هو انعكاس وأثر مباشر لإجراءات الإصلاح الاقتصادى ... لأنه فى الوقت الذى يؤدى فيه تنفيذ هذه الإجراءات إلى تحسن على مستوى المؤشرات الكلية للاقتصاد إلا أنها تؤدى فى نفس الوقت إلى تآكل فى القدرة الشرائية مع ارتفاع معدل التضخم كأثر مباشر وطبيعى ... وهنا تظهر الحلقة المفقودة أو غير المفهومة بالنسبة للكثيرين، فإذا كان ما يحدث أمر طبيعى فإن السؤال المنطقى هو متى يشعر المستهلك بانعكاس الإصلاحات الاقتصادية على مستويات دخله وعلى قدرته الشرائية ... ومتى ينعكس التحسن فى المؤشرات الكلية للدولة المصرية على مستوى معيشة المواطنين..؟؟. الإجابة على هذا التساؤل يضع الموازنة فى اختبار حقيقى أمام ثلاثة تحديات رئيسية:- التحدى الأول:- هو مستقبل الدعم ... فبينما كان توجه الموازنات السابقة يسير فى اتجاه خفض الدعم وخاصة دعم الطاقة، إلا أن الموازنة الراهنة تواجه تحديا معاكسا بارتفاعات أسعار الطاقة العالمية (ارتفاع سعر البترول) مع توقعات باستمرار الارتفاعات مستقبلاً ... لذلك يصبح البحث عن الخروج من هذا المأزق من أهم مهام الموازنة الجديدة خاصة وأن بند دعم الطاقة من البنود الرئيسية الضاغطة على هيكل المصروفات فى الموازنة العامة للدولة. التحدى الثاني:- التوقعات الاجتماعية... حيث يعول الكثيرون على أن يكون لتخطيط الموازنة العامة للعام المالى 2018/2019 دور كبير فى ضبط هيكل توزيع الأعباء المالية لإجراءات الإصلاح الاقتصادى بما تتضمنه الموازنة من خطط برامج حماية اجتماعية سواء مباشرة أو غير مباشرة... التحدى الثالث:- جذب الاستثمارات .. لأن مزيد من الاستثمارات يعنى زيادة فى الدخل وتوفير وظائف بمرتبات مجزية وزيادة فى إنتاج السلع وارتفاع معدل الناتج القومى وارتفاع معدل الصادرات وزيادة موارد العملة الصعبة وتحسن قدرة العملة المحلية فى مواجهة الدولار وهو ما يقود إجمالاً إلى انخفاض معدل الأسعار السائد أو على الأقل تحجيمها فى الحدود المقبولة... لذلك يجب أن تستهدف الموازنة من خلال أدواتها مواجهة هذه التحديات الثلاثة حتى يمكن تحقيق معادلة تخفيف الأعباء وزيادة الدخول فى نقس الوقت مع السيطرة على الأسعار مع الاعتراف أن السبب الرئيسى وراء الارتفاعات هو إجراءات الإصلاح الاقتصادى بعيداً عن ما يروجه البعض عن ان السبب هو جشع التجار او أن الزيادات غير مبررة وبالتالى نكون أمام حالة من الترجمة الواقعية للمؤشرات الكلية فى شكل ارتفاع القدرة الشرائية... أما عن المدى الزمنى المتوقع للوصول إلى هذه المعادلة فمن المؤكد أن ما تبقى من إصلاحات اقتصادية لا يتجاوز فى مداه وأثره ما تم تنفيذه بالفعل ووفقاً للتوقعات فإن ما تبقى انجازه لا يزيد على 20% مما تم تنفيذه وهذا هو ما يجعل من موازنة 2018/2019 موازنة ذات حالة استثنائية لأنها الخطوة قبل الأخيرة للوصول إلى مرحلة التوازن ثم الاستقرار والذى فيه المستهلك يشعر بتحسن فى القوة الشرائية ومستوى المعيشة خاصة إذا ما أقترن ذلك بمزيد من التحفيز الإيجابى لزيادة معدل الاستثمارات المباشرة وهو ما بدأ يظهر مؤخراً فى اهتمام المستثمرين الإقليميين والدوليين بالعديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة فى مصر...