بحضور 400 طفل.. «أوقاف القليوبية» تدشن لقاء الجمعة بمسجد في بنها    بشري سارة للموظفين .. 4 أيام إجازة رسمية | اعرف موعدها    413 مدرسة تعليم صناعي تقدم خدمات صيانة ومنتجات وموبيليات بأسعار تنافسية    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    الخشت: تخصص الصيدلة وعلم الأدوية بجامعة القاهرة أصبح ال 64 عالميًا    جولد بيليون: الذهب يتجاهل السياسية النقدية الأمريكية ويتحرك قرب مستوى 2400 دولار    توريد 984 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    «آمنة»: الانتهاء من مشروع تطوير منطقة أعلى مفيض ترعة نجع حمادي بسوهاج    المشاط تعقد لقاءات مع مؤسسات التمويل الدولية خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين    فصل الكهرباء عن مناطق بالغردقة ومرسى علم.. اعرف المواعيد والأماكن    لتبادل العلاقات الثنائية.. وزير الخارجية يزور تركيا غدا    أسقطوا الطعام وليس القنابل.. احتجاجات أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب    دوري أبطال أوروبا.. حامل لقب أول نسخة وآخر المتوجين ب «ذات الأذنين»    دوري أبطال إفريقيا| محمد شوقي يطمئن على ترتيبات مباراة مازيمبي    أسطورة ليفربول: الاحتفاظ بصلاح سيكون صعبًا وفان دايك سيبقى    الداخلية تداهم بؤرتين وتضبط 36 كيلو مخدرات قيمتها 16 مليون جنيه    ضبط مسئول محل لبيع المأكولات لحيازته كمية كبيرة من المواد الغذائية مجهولة المصدر    برنامج MEPEP لتطوير مهارات القوى العاملة يشارك في معرض EDUTECH 2024    احذر الرادار.. رصد 8500 سيارة تجاوزت السرعة خلال 24 ساعة    وصول جثمان الفنان صلاح السعدني إلى مسجد الشرطة لصلاة الجنازة    إقبال جماهيري على جناح مصر في بينالي فينيسيا للفنون 2024    الأوقاف: افتتاح 8 مساجد في الجمعة الثانية من شوال.. تفاصيل    ل3 أسباب.. خطيب المسجد النبوي: الله كرم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم    دار الإفتاء توضح مسبعات الجمعة    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    إصابة شخصين إثر حادث تصادم 3 سيارات فى شارع التسعين بمنطقة التجمع    تشكيل فرانكفورت المتوقع لمواجهة أوجسبورج في الدوري الألماني.. موقف مرموش    1490 طنا.. وصول القافلة السادسة من مساعدات التحالف الوطني لأهالي غزة (صور)    إسعاد يونس تنعى الفنان صلاح السعدني بصورة من كواليس «فوزية البرجوازية»    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    تعرف على أبرز مخرجات لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطنى    موعد ومكان عزاء الفنان صلاح السعدني    اعتماد جداول امتحانات نهاية العام الدراسي في الوادي الجديد    وزير التنمية المحلية يعلن بدء المرحلة الثالثة والأخيرة لإزالة التعديات على أراضي الدولة ضمن الموجة ال22    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    تمريض القناة تناقش ابتكارات الذكاء الاصطناعي    شهدها البابا تواضروس، تفاصيل وثيقة الكنيسة للتوعية بمخاطر زواج الأقارب    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    وضع حجر أساس مشروع موقف إقليمي جديد بمدينة المنيا الجديدة    إيرادات السينما أمس.. شقو في المقدمة وأسود ملون يتذيل القائمة    مارتينيز: حصلت على بطاقة صفراء ثانية بسبب سمعتي السيئة.. ولا أفهم القواعد    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين يوم الأحد بنظام ال"أون لاين" من المنزل    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    فتح ممر إنساني نهاية إبريل.. إعلام عبري: عملية رفح محسومة والسؤال عن توقيتها    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    غداء اليوم.. طريقة تحضير كفتة الدجاج المشوية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    السفير نبيل فهمي: مصر ركيزة أساسية لأمريكا وأوروبا في ظل اشتعال الصراع بالمنطقة    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتطرف كائن مبرمج يُقصى الآخر ويهتم بالمظاهر
د.شاكر عبد الحميد: الغرب أصل الإرهاب

الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ «علم نفس الإبداع» بأكاديمية الفنون، وله أكثر من 25 كتابا في النقد الأدبي والتشكيلي، وعشرة مترجمة. وعشرات البحوث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة. وأبرز من تناول الأسس النفسية للإبداع الأدبي، ومن أهم كتبه، «الطفولة والإبداع« (خمسة أجزاء)، والفن وتطور الثقافة الإنسانية، والتفسير النفسي للتطرف والإرهاب، والخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضي، والغرابة المفهوم وتجلياته في الأدب، والحلم والرمز والأسطورة، والأدب والجنون، والفكاهة والضحك، والحلم والكيمياء والكتابة عن عالم الشاعر محمد عفيفي مطر ». ونال عدة جوائز كبرى آخرها الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2017، وجائزة الشيخ زايد للكتاب2012، و جائزة شومان للعلماء العرب الشبان في العلوم الإنسانية، وجائزة الدولة للتفوُّق في العلوم الاجتماعية، وتولى وزارة الثقافة في 2011 ستة أشهر فقط، وقبلها أمانة المجلس الأعلى للثقافة، وسبقها عمادة المعهد العالي للنقد الفني، ونائب رئيس الأكاديمية، وعمل بعدة جامعات خليجية في عمان والبحرين، وتناول ظاهرة الإرهاب في أكثر من كتاب، تأصيلا، وتحليلا، ليلفت الأنظار إلى ذلك الخطر الداهم الذي يهدد الحضارة الإنسانية كلها، لافتا إلى أن الإرهاب ليس وقفا على الإسلام ولا المسلمين فحسب، بل خلص إلى أن الغرب هو راعي الإرهاب الأول وصانعه وأنه موجود بشكل عام لدى كل العقائد سماوية كانت أو أرضية.
د.شاكر عبد الحميد فى حواره مع الأهرام

- أطللت في آخر كتبك «الحلم والكيمياء والكتابة» على عالم الشاعر الكبير الراحل «محمد عفيفى مطر»، وهو شاعر ثرىّ، وغامض على نحو ما، فهل يمنح الكتاب القارئ العادي مفاتيح لفهم أشعاره؟
الكتاب محاولة، ولا أعتقد أنه وحده يعد كافيا لفض المغاليق أو الأسرار أو الجوانب الغامضة عند مطر، وما قدمته هو بعض المفاتيح لعوالمه الخاصة، الصمت أو الكيمياء أو الأحلام أو الأشباح.

كيف فهمت عالم عفيفي وبيئته الريفية «رملة الأنجب» في المنوفية، وهي مختلفة عن بيئتك الريفية في الصعيد «ديروط الشريف» في أسيوط؟
ليست البيئة فقط، لكن نوع التربية أيضا، والبيئة مهمة، وهو استطاع تجسيد كل ملامح طفولته، ومن أثّرُوا فيه فى أثناء مرحلتي الكُتّاب والمدرسة، ومن خلال قراءاته، والدته التي كانت تصوب له آيات القرآن الكريم، وتساعده على حفظ بعض أشعار شوقي. ولغة عفيفي مطر متفردة، وجملته الشعرية محكمة، لكن الغموض يكتنف معانيه، ورموزه كثيفة، وإذا تأملنا مثلا قصيدته «جسدان .. وثالثهما» سنجدها جميلة، وغامضة، لكنها قريبة وسهلة، فهو يقول:
زمن السبي بعيد
هل ترين المخمل الصوفي والنقشَ
بلادٌ حمرةٌ ساطعةٌ خضرةُ
نخلٍ ونساءٍ يتعرين طواويس دمٍ
شمس دنانيرٍ تقاطرن السماوات
تهدمن استداراتٍ على السُرّة والأكتاف
ويقول أيضا:
الليل استناراتٌ تشظين من الشفرة
زهو القتلةِ»
كيف أكسب مطر مفرداته هذا العمق الفلسفي اللافت؟ وكيف استطعت أن تقدم للقارئ العادي هذا البعد؟
مطر كان شديد النهم للقراءة في الثقافة عامة، والفلسفة خاصة، وقرأ كثيرا في التراث اليوناني القديم المرتبط بالفلاسفة الطبيعيين، ما قبل سقراط، وهؤلاء كان مبدأهم الأساسي هو فكرة أصل الوجود من العناصر الأربعة، التي تحولت في التراث الفلسفي إلى عناصر «نظرية الفيض»، وهذه النظرية عند «أفلوطين» أثرت على «نظرية الإشراق» عند «ابن عربي» و«السهروردي»، وعفيفي ابن هذا التراث كله. أضف إلى ذلك أنه امتلك الخيال الحيوي، والخيال الحركي مرتبط بشكل أو بآخر بالعناصر الأربعة، فاستطاع أن يحول قراءاته إلى حالات متجددة كأنها تعيش بيننا. كل هذا التراث يتحول إلى أشجار وغابات وحالات حب، وشمس تشرق، وأنهار تجرى وعواصف تقوم. إذن عندنا شاعر لا يكتفي بالقراءة لكنه يمزج بين خبراته ومعايشته الناس وقراءاته وخياله وطموحاته.. إلخ.
هل كان سهلا تقديم هذا البعد الفلسفي للقارئ العادي؟
درست الفلسفة على أيدي أساتذة كبار، وهذا سهّل لي التعامل مع شعر مطر.
وما أغرب مكونات عالمه الشعري، وهل استطعت تبسيط رموزه الشعرية؟
الموت وعالم الرعب والأشباح، الموت مرتبط بحياته ومشاهداته وقراءاته، موت الأب والإخوة الصغار، موت الناس، موت الشجر والطبيعة، موت العدل، الآمال..إلخ. هو عاش في بيئة فيها حكايات كثيرة عن الأشباح والموتى الذين يعودون بعد الموت، وهى عوالم غريبة، لكنها قابلة للاقتراب منها وفهمها.. وتجربته بعد ذلك في السجن أثرت فيه بشدة.
لابد أنك تأملت التشكيل البصري لقصيدة عفيفي .. فكيف رأيته؟
بالتأكيد.. مثلا قصائده عن الأحلام، الحلم عنده لوحة بصرية.. يتشكل من عناصر بعضها طبيعية وبعضها مرتبط بكائنات طبيعية، وكائنات غير طبيعية، خرافية، ومرتبط بتحولات الذات. كل هذه الأمور عناصر بصرية لديه، وخارج إطار الأحلام معظم قصائد مطر عبارة عن لوحات.
لك جهود مشهودة في الكتابة عن الموسيقى، والفن التشكيلي، والأدب على أرضية علم نفس الجمال. كيف يمكن للقارئ المستجد أن يتفاعل مع هذه الفنون لأول مرة وينتقل بها إلى مستوى وعي أعمق، وكيف يمكن للقراء قراءة وفهم الأعمال الإبداعية؟.
الفنون حمّالة أوجه قابلة للفهم من زوايا متعددة، ونقدم المدخل السيكولوجي من منظور علم النفس، وندرس الجوانب المرتبطة بالفنون، مثل الانفعالات، والأفكار، والذاكرة، والخيال، والعلاقات بين الفنان والآخرين، والكوميديا، والاكتئاب، والعلاج النفسي، وهذه الجوانب تظهر الفنان بصفته إنسانا، ونحاول فهمه من خلال هذا الإبداع والجمال، ونحاول الاقتراب من الظاهرة، من منظوري الإبداع، والتذوق، وقد حاولت دراسة كثير من الظواهر من منظور الإبداع، في الفن التشكيلي والقصة القصيرة، وعند الأطفال، ودراسة عملية التذوق.
في كتابك الأول «السهم والشهاب» قدمت تفسيرات لرموز الأعمال الإبداعية سهلت للمتلقى فهمها، فما الأدوات العلمية والنقدية لفهم الأعمال الإبداعية؟
نحن نحاول فهم الأدب من منظور علم النفس، وفيه نظريات تنتمي إلي التحليل النفسي، وأخرى تنتمي إلى المنهج السلوكي، وفي الأولى عندنا أفكار فرويد ويونج تحديدا. مع فرويد ندرس اللاشعور الفردي، والكبت، والتسامي، والأحلام، ومع يونج ندرس اللاشعور الجمعي، والأنماط الأولية، والأفكار الأساسية التي يعتقد هو أنها موجودة عند كل البشر، عن الموت والحياة عن الخير والشر، وهذه الثنائيات الموجودة في الأدب والفن وفى حياة البشر عامة، لكنها تتجسد في الإبداع الفني والأدبي، فالفنان يطلع عن طريق الحدس وعن طريق الأحلام على مادة اللاشعور الجمعي ونجدها متجسدة في أعماله.
في كلامك عن الغرابة ذكرت مقولة فان جوخ «كلما زاد مقدار القبح والشر في العالم ازدادت رغبتي في الانتقام منه بلوحات براقة».. فهو يقاوم القبح والشر بالفن والإبداع، فهل هما أدوات ناجعة في مقاومة الشر فعلا ؟
بالتأكيد.. مع الفن والإبداع يكون الإحساس بالحياة أكثر، والاستمتاع بها أكبر، وتتأكد رغبة المبدعين في جعل الحياة أفضل لنا جميعا. أضف إلى ذلك أن الفن والإبداع ليسا فقط مصدرا للإمتاع أو مقاومة الشر، بل مصدر للدخل القومي، وتنمية الصناعات الإبداعية أيضا، ومصر طوال عمرها أكبر مصنع إبداع في المنطقة.
في كتابك عن «الغرابة» وصفتها بأنها حالة بين الخيال والواقع.. الحضور والغياب.. ليس هذا فحسب، فقد رصدت تجليات الغرابة بين سكنى الأحياء الراقية وسكنى المقابر، وفوضى الأزياء في الشارع .. فكيف ترى الغرابة في حياتنا؟
ليس للغرابة تعريف واحد، ويمكن القول إنها اجتماع المتناقضات معا.. اجتماع الموت والحياة معا، الأمن والخوف، الأحياء والأموات، الماضي والحاضر معا.. كل هذه المتضادات، ومنها أن تكون حياً في الحاضر وتأتيك أفكار من الماضي تسيطر عليك وتتحكم فيك لحساب الماضي، كالأفكار الإرهابية أو النمطية الجامدة. حين تحس بحالة من الحيرة والشك أو فقدان اليقين، حين تشعر بأن البيت (بمعناه المجازى) بعد أن كان آمنا ومستقرا أصبح موحشا ومثيرا للخوف، وأن أصحابه يشعرون بأنهم غرباء عنه، كما يقال: غريب في وطنه.
وفى الغرابة أيضا رصدت التنافر المعرفي بين الألفة ونقيضها، نتيجة تحول غير المألوف إلى مألوف وتحول الشك البسيط إلى رهبة، فيبدو الخوف المتخيل أكبر من الرعب الحقيقي، مثل إحساس الإنسان بالمكان «المسكون» يكون أعلى من خوفه من الأشباح. فهل يمكن للإنسان العادي التقاط هذه الغرابيات ببساطة. أم يحتاج إلى مستوى ثقافي عال؟
لا.. الأمر لا يحتاج. فعندما تشعر بأنك غير آمن على مستقبلك، وأنك غريب عن الوطن وأنت فيه، وحين تشعر بأن هناك حالة من الشك وفقدان اليقين، والواقع ليس كما ينبغي.. وهذه يشعر بها الإنسان البسيط. ويسميها تناقضات، ويقول مثلا: «لا حول ولا قوة إلا بالله». فكل ما كان أليفا أصبح موحشا، وتحدث الأشياء وكأنها لا تحدث، هذه هي الغرابة.. وليست جديدة، كانت موجودة في الماضي وموجودة الآن، ومتعددة الأبعاد.
وفي كتابك «الخيال» وصفته بأنه كائن عجيب وغريب.. فكيف يكون الخيال عجيبا؟
الخيال أساس الحياة، وأساس الإبداع والفن والتقدم .. وعكسه الجمود والركود والتراجع والنكوص، الخيال معناه تفكير جديد مفيد، لا إبداع في أي مجال بلا خيال، الخيال فيه حرية وانطلاق.. والإبداع تنظيم لصور الخيال، الخيال مرتبط بالبحث عن مسارات جديدة، أي التفكير بشكل جديد، ويكون فرديا ويكون جماعيا ويشكل فارقا كبيرا بين التقدم والتقهقر، وكما هو أساسي في الإبداع فهو أساسي في الفلسفة وفي علم النفس.. وفي التربية وفى التعليم، والتربية عن طريق الإبداع وعلى طريقه. الخيال بالفعل عجيب وغريب .
كذلك قلت إن المجاز السائد في الأدب هو الخيال.. والفنان الإسباني «جويا» كان يعتقد أن الأحلام تشبه اللوحات واللوحات تشبه الأحلام.. والإنسان عموما عندما يفقد عقله ينتج خياله الوحوش والمستحيلات.. وعندما ينام العقل حرفيا ومجازيا تنطلق فيه بوم وخفافيش وغيلان.. لكن الأدباء والفنانين والنقاد يحولون هذه الوحوش إلى أعمال إبداعية.. كيف يفعل الأديب والفنان هذا؟.
عن طريق الوسيط، أي عن طريق اللغة مثلا، يستخدم الوسيط في كبح جِمَاح هذه الوحوش، وجعلها أقرب إلى الواقعية، أي قابلة لسقف التفهم من القارئ، ولذلك نقول الخيال أساس في الإبداع وكذلك الأحلام. وهناك مدارس تعتمد على الأحلام كالسريالية والرمزية، وهناك نظريات قامت على أساس هذا الموضوع كما عند فرويد ويونج وباشلار وغيرهم، اهتموا بمسألة الخيال والأحلام وجسدوها في كتاباتهم.
وفي كتابك «عن الفكاهة والضحك» قلت إن جوهر الفكاهة هو الخيال المضحك، وتحدثت عن الفكاهة والشخصية، والمجتمع، وفي الأدب والفنون التشكيلية.. فما الذي لفتك إلى أهمية الفكاهة في الإبداع؟
اهتمامي بالفكاهة جزء من اهتمامي بالإبداع والتذوق، لأن الفكاهة إبداع، وفيها كما قلت قدر من الخيال وقدر من الحس الاجتماعي، لأنه لا أحد يقول الفكاهة لنفسه إلا نادرا، وفيها أصالة، ومرونة، وطلاقة، وفيها عناصر إبداعية كثيرة، وهناك من يجيد الفكاهة ومن لا يجيدها، ومن يتذوقها ومن لا يتذوقها، وهناك من يمكنه رسمها ومن يمكنه حكيها بتلقائية، ومن عنده القدرة على تغيير الموقف المتجهم إلى ضاحك أو هزلي ساخر. وكما قيل فالفكاهة جزء أصيل من الشخصية الإنسانية عامة، والشخصية المصرية خاصة.
فبم تفسر إذًنا تراجع الفكاهة والضحك في حياة المصريين الآن؟
الحقيقة لا أستطيع أن أفسر هذا، لأني لم أُجرِ بحثا حول هذا الأمر. فهذا كلام انطباعي، ويمكن أن نقول إنها موجودة في حوارات الناس، ويمكن أن نقول إنها تراجعت بسبب المعاناة والظروف شديدة الصعوبة.
تقول إن الإرهاب يكره البهجة والابتسام والتغيير والإبداع ويعشق الظلام والدماء والتشفي، ويتقافز بين التفجيرات والاغتيالات والجثث والاكتئاب والتحريم والتكفير، ويمتلك المال والسلاح والحجج البالية، من لهذا الوحش.. وكيف يمكن للمجتمعات المتحضرة مواجهته؟ وإيقافه؟
قلنا كثيرا يجب أن تكون هناك استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، صحيح أن القوات المسلحة والشرطة يلعبان دورا مهما، لكن لابد من تنمية اقتصادية،لابد من حل مشكلة البطالة، ولابد أن يؤدى الإعلام دوره، والمنابر الدينية، ولابد من إسهام للمثقفين، يجب تصحيح الأفكار لأن الإرهاب يعتمد على التطرف الفكري. وهذا الأخير ينبني على أساس تربية جامدة، تقسم العالم قسمين: الأنا والآخر، الأنا على حق والآخر على باطل. ولذلك يحول الآخر إلى عدو، يشيطنه..لا بد أن تكون هذه الأفكار واضحة عند الناس. ولابد للحكومات من حشد ضد الإرهاب بالاقتصاد والسياسة والحرية والإبداع، وإقناع الناس بجدوى محاربته.
في هذا الحشد لمحاربة هذا الوحش، كيف تكون الثقافة رأس الحربة في مواجهة الإرهاب؟
الثقافة مهمة جدا لأنها تقوم بدورها على أساس الوعي، وتغيير الفكر، هناك وعى زائف ووعى صحيح، الوعي الزائف ينبني على أفكار مغلوطة وممارسات خاطئة، ويجب أن نقوم بدورنا على أساس تغيير هذه الأفكار، ولكي نفعل ذلك يجب أن نعرف الجذور الفكرية للإرهاب. وفى الوقت نفسه تكون عندنا بدائل نطرحها، تلعب فيها الثقافة دورها مع الوزارات الأخرى، التربية والتعليم وغيرها.
وترى أنه لابد من تحليل «سرديات العنف المتطرف»، فكيف تتصور النتائج لو تم هذا التحليل؟ وكيف نقضى على تفريخ الإرهاب في القرى وعشوائيات المدن.. وكل منابعه؟
يجب دراسة وتحليل السرديات عن الجنة والنار والعذاب وعن الشهادة، لأنها توضع في غير سياقها، فالشهيد هو الذى يدافع عن وطنه وليس من يدمره، أو يكون عميلا للآخرين ضد وطنه، أو الذي يعتنق أفكارا ليست متفقة مع الواقع ولا مع الحياة ولا مع العصر. وهذه السرديات تتشكل عن طريق البيت أو المدرسة أو المسجد أو الكنيسة، وتؤدى إلى تشكيل صورة ذهنية عن الذات وعن العالم من خلال أفكار وحكايات عنيفة تؤدى إلى تحليل القتل باسم الدين، وفى الوقت نفسه يجرى تجاهل الرسائل التي تحض على الرحمة والتسامح، كالحديث الشريف «الكلمة الطيبة صدقة» أو «تبسمك فى وجه أخيك صدقة».
لماذا العنف أو الإرهاب في المجتمع المسلم رغم سماحة الدين كما تقول؟
لأن هذا المجتمع يعتقد أن الحياة فقط طقوس وشعائر، مرويات وحكايات، والحقيقة أن الإسلام رسالة رحمة ورسالة علم، «اطلبوا العلم ولو في الصين».
هذا يردده الدعاة على المنابر عادة، لكن التطرف ينتشر أيضا؟
صحيح، وتصاحبه رسائل ترهيب وتخويف من الآخر المختلف، المشارك لنا، والآخر المختلف عنا شرقا أو غربا، وتركيز على الماضي باعتباره الفردوس المفقود واجب الاستعادة بالعنف، وكأنه كان موجودا بالفعل، والحقيقة أن التاريخ حافل بالعنف والقتل، ولنتذكر ما حدث للفلاسفة والشعراء وأصحاب الرأي المختلف، ابن حنبل وابن مقلة مثلا وغيرهما.
برأيك كيف يتحول الأنقياء الأسوياء من البشر إلى كائنات ظلامية؟
عن طريق التربية والتعليم، والبرمجة الدينية في البيت والمدرسة والإعلام أيضا، «برمجة المتطرف» بحيث يتحول إلى إنسان آلي، في داخله برنامج أساسه التمركز حول الذات ورفض الاختلاف ورفض الآخر وإقصاؤه، والتمركز حول الماضي وإهمال الحاضر والمستقبل، وأنه لا بدائل، ولا حوار ولا تفاهم مع الآخر.. وأن الغرب كله شر وأن البلاد الإسلامية كلها خير.. ومن أساسه كذلك اتخاذ القدوة المبرمجة أيضا، والمظهرية، الاهتمام بالشكل الخارجي.
هل من أسباب التطرف أن المواطن يرى خيرات بلاده منهوبة؟
الحقيقة أن التطرف ظاهرة متعددة الأبعاد.. من أبعادها «الظلم الاجتماعي»، و«التسلط السياسي»، و«القمع»، و«غياب الحرية» و«غياب العدالة الاجتماعية»، و«الفساد»، عدم مواجهة ومحاسبة الفاسدين واللصوص الذين يسرقون ثروات الوطن. هذا كله يؤدى إلى شعور الناس بالإحباط، ومن يزعم أن الجانب الاقتصادي غير مهم فهو مخطئ، العامل الاقتصادي مهم جدا كما قلت.
رصدت صيحة «شوارتزكوف» قائد القوات العسكرية في «تحرير الكويت»: «عاشت أمي مريم»، وهذه صيحة دينية.. وكيف استخدم الدين لتحقيق المصالح الغربية ونهب الثروات العربية؟
التطرف ليس عند المسلمين وحدهم، ولا في الإسلام الآن وحده، التطرف في الغرب وفى الشرق، موجود عند الهندوس والبوذيين. ونحن نرى ما يحدث من الفظائع، والغرب في تقديري أصل الإرهاب، وقد استخدموا الدين في نهب ثروات الشعوب بداية من الحروب الصليبية حتى الآن، هم ليسوا ملائكة، لكننا للأسف ساعدنا في ترسيخ صورة الإرهاب عن الإسلام بالأعمال المتطرفة سواء في أفغانستان أو باكستان أو مصر، ويلعب الإعلام الغربي الموجه صهيونيا دورا كبيرا في ترسيخ هذه الصورة أيضا.
لك كتاب عن «الأدب والجنون».. وفى تقديمك له قلت إن قضيته هي العلاقة بين الإبداع الفني والمرض العقلي، واستشهدت بمقولة «دريدن»: «المواهب العظيمة قرينة الجنون» في مقابل من نفوا هذه الرؤية وقالوا أساس الإبداع ملكة التنظيم.. كيف نفهم هذا كله؟
هناك كلام كثير عن التشابهات أو العلاقة بين الإبداع والمرض العقلي الذي يسمونه الجنون. والاضطراب العقلي أنواع، منها الفِصام وهو أيضا أنواع، ومنها الاكتئاب، ليس النفسي البسيط بل الذي يصل إلى حالة عقلية، وغيرها من الأمراض. لكن الاضطراب يظهر في تدفق الكلمات وفقدانها للترابط وتحولها إلى أفكار وصور غريبة كأنها إبداعية، لكن حين نفكر في التشابه سنجده ظاهريا لكن الجوهر العميق مختلف، رغم أن هناك أدباء وفنانين أصيبوا بالفصام أو بالمرض العقلي.. ومنهم «سترند برج» و«نيتشه» و«فان جوخ». لكن في أثناء إبداعهم لم يكونوا مصابين بالمرض.
كانت لديهم القابلية؟!
نعم.. والحقيقة أن ظاهرة الإبداع والجنون ظاهرة معقدة، فالإبداع يحتاج إلى نوع من التنظيم العقلي حتى لو كان خفيا، فالأعمال السيريالية مثلا فيها فوضى، لكنها فوضى منظمة «مقصودة»، فالنظام يكون في الإبداع لكنه مفتقد في المرض. أضف إلى ذلك أن الإبداع فيه نوع رغبة في التواصل مع الآخر، ونوع من تأكيد الذات وهذا جانب مهم.
أشرت وقت وضع الكتاب قبل 25 عاما إلى نقص المراجع والمصادر التي تعين على دراسة الظاهرة.. هل تغيرت الرؤية الآن؟
نعم بالتأكيد.. وأنا بصدد طبعة جديدة، وسيكون الموضوع «الإبداع والجنون» وليس الأدب والجنون فقط، وسأتناول فيه الفن التشكيلي والموسيقى.
وفي الكتاب عنوان لافت هو «المرض العقلي.. الخيال والأحلام». فلأي مدى يرتبط الإبداع الأدبي بالسلوك اللاعقلاني؟
أعنى السلوك المرتبط بانفعالات أكثر، الذي فيه نوع من الجموح والشطط والخروج عن المألوف.. أو مظهر من مظاهر عدم التنظيم.. إطلاق الشعر، الملابس الممزقة، إطلاق صيحات عنيفة غير متوقعة، الاعتداء على الآخرين.. كل هذه سلوكيات لا عقلانية.. هذه صورة الشخص المريض، وهى غير الصورة النمطية عن المبدع .. فتم المزج بين الصورتين.. وهذا موجود عبر التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.