تمر البلاد بظروف اقتصادية صعبة نتيجة لتطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي يتضمن زيادات في اسعار بعض السلع والخدمات وتحميل المواطنين اعباء اقتصادية تشكل عبئا على اغلبية الشعب من ذوي الدخول الثابتة والضعيفة وقد دأبت الحكومات المتعاقبة على النظر الى الاصلاح الاقتصادي من منظور زيادة اسعار السلع والخدمات على جميع المواطنين بدرجة ثابتة لا تميز بين غني وفقير ولا ترى منظورا آخر لهذا الاصلاح مثل تحميل الاغنياء اعباء اكثر من تلك التي يتحملها الفقراء.. كما ان هذه الحكومات دأبت على مفاجأة المواطنين بزيادة اسعار السلع والخدمات دون طرحها للمناقشة للتعرف على موقف المواطنين منها ومحاولة ايجاد توافق بينها وبين المواطنين في هذه الزيادات. وما تمر به مصر في هذه الايام لا يختلف كثيرا عن التجارب الماضية وقد ان الاوان لمراجعة السياسات واساليب العمل في تنفيذها بحيث نتجنب اخطاء الماضي ومخاطره. ونشير الى نموذج واحد في كيفية مراجعة اساليب العمل ونموذج آخر في كيفية مراجعة السياسات الاقتصادية لكي نجنب البلاد ما يمكن ان يحدث من مخاطر نتيجة للأساليب المتبعة سابقا. ففيما يتعلق بأساليب العمل امامنا مثال واضح لمفاجأة المواطنين بزيادة الاسعار دون التمهيد والمناقشة المسبقة عندما فوجئ المواطنون الذين يستخدمون مترو الانفاق بزيادة كبيرة في الاسعار ترتبت عليها انفعالات شديدة واحتكاكات بينهم وبين الامن وهو ما كنا في غنى عنه لو طرح الامر قبل التنفيذ على الرأي العام وتقديم الحقائق المتعلقة بهذا التطور والضرورات التي دفعت لذلك وإجراء مناقشات مجتمعية لتحقيق التوافق الوطني، حول الاجراءات التي ستتخذ وحجم الاعباء الجديدة على المواطنين وهو ما يجب ان نحرص عليه مستقبلا حتى نتجنب ما حدث او ما يمكن ان يكون اخطر منه, فلا توجد ادوات لقياس الرأي العام وسيكولوجية الجماهير وقياس ما يمكن ان يترتب على اي اجراء جديد من تصرفات. هذه القضية الاولى التي يجب ان تراجع فيها الاجهزة المختصة اسلوبها في التعامل مع المواطنين فيما يتصل بأي اعباء جديدة تفرض عليهم. اما القضية الثانية التي تحتاج بالفعل الى مراجعة حقيقية، فهي ان تفرض الحكومة الاعباء على المواطنين بعدالة بحيث يتحمل الاغنياء اكثر من الفقراء، والغريب في الامر ان صندوق النقد الدولي، الذي اعتمد برنامج الاصلاح الاقتصادي نصح الحكومة بان يتحمل الاغنياء اعباء اكثر من الفقراء والأهم من ذلك ان كبار رجال الاعمال في مصر طرحوا هذا الرأي نفسه فمنذ بضع سنوات ومع تزايد حجم المشكلة الاقتصادية اعلن الاستاذ محمد فريد خميس رئيس اتحاد جمعيات رجال الاعمال برنامجا للخروج من الازمة الاقتصادية باسم الاتحاد يحقق العدالة الاجتماعية في توزيع الاعباء على المواطنين وبحيث لا تمس تلك الحلول المواطن البسيط وذوي الدخل المحدود ويتضمن هذا البرنامج 7 خطوات للخروج من الازمة، قام بنشر بعضها في اعلان مدفوع الاجر في جريدة «الاهرام».. الخطوة الاولى هي الاخذ بمبدأ الضريبة التصاعدية فتزيد الى نسبة 25% على الدخول التي تزيد علي 5 ملايين جنيه في العام ثم 30% على الدخول التي تزيد علي 30 مليون جنيه سنويا لمدة ثلاث سنوات باعتبارها مساهمة في بناء البنية الاساسية في مصر، والخطوة الثانية هي التزام الحكومة والقوات المسلحة والشرطة ان تستخدم المنتج المصري، والخطوة الثالثة ان تتم معاملة رجال الصناعة في مصر على قدم المساواة مع المستثمرين الأجانب.. اما الخطوة الرابعة فهي منع استيراد كل السلع التي لها مثيل مصري وكذلك السلع الكمالية، والخطوة الخامسة هي تحصيل المتأخرات الضريبية والتعامل مع التهرب الضريبي بحزم والتطبيق السريع للقانون على المتهربين، والخطوة السادسة هي استخدام الضبط في التهرب الجمركي، خاصة ان حجما كبيرا من اموال مصر مهدرة من خلال التهرب الجمركي مطالبا بفرض رسوم جمركية على الصناعات العادية وكذلك المواد البتروكيماوية، أما الخطوة السابعة والأخيرة فهي ترشيد الانفاق الحكومي لمدة 3 سنوات. ومن الواضح ان هذا البرنامج يحقق قدرا كبيرا من التوافق الوطني، لانه يراعي توزيع الاعباء على المواطنين حسب قدراتهم الاقتصادية وامكاناتهم.. لقد آن الاوان ان تتخلى الحكومات المصرية عن نهجها الثابت في مواجهة المشاكل الاقتصادية من خلال الرفع المستمر لاسعار السلع والخدمات والضرائب غير المباشرة التي يتحمل عبئها كل المواطنين بقدر واحد بصرف النظر عن التفاوت في دخولهم وان تتجه الى زيادة ايراداتها من خلال سياسة الضرائب التصاعدية التي يتحمل عبئها كل مواطن بقدر دخله فهذه هي العدالة الحقيقية التي آن الاوان ان تكون احد الاسس لاخراج مصر من ازمتها الاقتصادية وتجنبها اي مخاطر محتملة. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر