فى الوقت الذى تدعى فيه الحكومة حماية الفئات الأقل دخلاً والطبقات الفقيرة فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى نكتشف مفارقات عجيبة تطبقها وزارة المالية تتلخص ضعف حد الإعفاء الضريبى للفقراء والفئات الضعيفة، حيث يحملون الكثير من الضرائب التى تثقل كاهلهم والمفترض أن تظلهم الدولة بشبكة حماية اجتماعية، وبالتالى فإن شبكة الحماية تعد حبراً على ورق والأكثر غرابة هو تصريحات مسئولى المالية بأنه لا نية لإجراء تعديلات على ضرائب الدخل وهو ما يعنى أن يظل الوضع المتناقض فى أن يتحمل الفقراء زيادة ضرائب الدولة، وكذلك تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى فى ظل ارتفاعات كبيرة ومتوالية فى الأسعار وثبات للأجور لتصبح فئة الموظفين فى أزمة. يؤكد الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى أن هناك أزمة حقيقية تواجه الحكومة وهى ارتفاع حجم الديون المحلية واستمرار عجز الموازنة وبدلاً من إيجاد حلول واضحة، فإنها تلجأ إلى الجباية والفئات الأسهل لديها هم الموظفون حيث تكون رواتبهم من الدولة أو لديها قاعدة البيانات الخاصة بهم وفى ظل وجود حد أدنى للأجور 1200 فإن حد الإعفاء الضريبى لا يماثل هذا الحد، وبالتالى فإن هناك خللاً كبيراً لابد للحكومة أن تتداركه، لافتاً إلى أن مخصصات الدين العام أصبحت تمثل دعماً واضحاً لأصحاب الأسهم والسندات وحائزى أذون الخزانة، وهناك تراجع واضح فى قيمة مخصصات الرعاية الاجتماعية التى انخفضت بنسبة 38.2% لتصل إلى نحو 206 مليارات جنيه فى موازنة 2016 /2017، مقابل 333 مليار جنيه فى موازنة 2017/2018. والحديث عن الأعباء الضريبية ومن يتحملها يتطلب أولاً التفرقة بين نوعين من الضرائب، وهما الضرائب المباشرة وهى التى تفرض على الدخل بشكل تصاعدى ومن ثم يتحمل عبئها الفئات الأعلى، أما النوع الثانى فهو الضرائب غير المباشرة وهى التى تفرض على السلع والخدمات كضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية التى تفرض على الواردات، ومن المعلوم أن الفئات الأقل دخلاً هم من يتحملون عبء الضريبة غير المباشرة لأنهم الأكثر استهلاكاً فى المجتمع. وتشير الدكتورة عبلة عبداللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية إلى أن تصريحات مسئولى الحكومة تبين حرص الدولة على حماية المواطنين الأقل دخلاً وعدم تحميلهم أى أعباء ضريبية جديدة، إلا أن ذلك لن يتحقق بسهولة لعدة أسباب وهى أن حد الإعفاء الضريبى هو 600 جنيه شهرياً، فى حين أن الحد الأدنى للمرتب هو 1200 جنيه شهرياً، ومن ثم فإن هذا الإعفاء لا يكفى لتحقيق الغاية المنشودة منه. لأن الضرائب غير المباشرة تشكل 54% من إجمالى الضرائب المتوقع تحصيلها خلال العام المالى 2017/2018 وفقاً للبيان التحليلى لوزارة المالية. وأشارت إلى أن على الرغم من أن وزارة المالية قد وضعت جداول لتوعية المواطن بالسلع المعفاة من ضريبة القيمة المضافة، إلا أن الهدف من هذه الجداول لا يتحقق خصوصاً فى ظل سوق داخلية غير منظمة، وعدم علم المواطن بها، بالإضافة إلى تعقد النظام وتشعبه بسبب استخدام الجداول أساساً. وأكدت احتياج الدولة إلى تعزيز عائداتها الضريبية من خلال زيادة حصتها من الضرائب الرأسمالية، فمن المتوقع أن تشكل الضرائب على الأرباح الرأسمالية 0.6% فقط من إجمالى الضرائب خلال 2017/2018 وفقاً للبيان التحليلى، وهى نسبة ضئيلة للغاية يجب على الدولة السعى لزيادتها، كما يجب أيضاً استغلال الثروة العقارية فى مصر على نحو يعزز الحصيلة الضريبية، حيث تقل نسبة الإيرادات السيادية على التصرفات العقارية عن 0.5% فى حين أنها تمثل 48.7% و35% من إجمالى الإيرادات الفيدرالية المتحصلة داخل أستراليا والولايات المتحدةالأمريكية على التوالى، فضلاً عن أن انخفاض هذه النسبة فى مصر يعنى حرمان الدولة من كافة المتحصلات النقدية المرتبطة بشتى أشكال التصرفات العقارية. كذلك يجب أيضاً أن تسعى الدولة بشتى الطرق إلى تحصيل الضرائب المتأخرة على الشركات ورجال الأعمال، وكذلك تحصيلها من الجهات التى لا تدفع كالنقابات المهنية. وطالبت بضرورة إجراء إصلاح مؤسسى شامل لمصلحة الضرائب، وتزويدها بقواعد بيانات حديثة ونظام إلكترونى متطور، وتفعيل دورها الرقابى لتجنب التهرب الضريبى. كما أن الشريحة الخامسة من النظام الضريبى الحالى تحدد نسبة 22.5% لكل من تجاوز دخله 200 ألف جنيه حتى لو كان ذلك الدخل مليارات سنوياً! وهو غير عادل لأن من يحقق دخلاً 200 ألف جنيه يدفع ضرائب كالذى يحقق مليونًا أو أكثر وهذا أيضاً يخالف الدستور الذى أكد على أهمية أن تكون الضرائب تصاعدية، فى المادة 38: «يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية. لا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون. ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، إلا فى حدود القانون. ويراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر. وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقاً لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبى تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. وتلتزم الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والأحكام فى تحصيل الضرائب. ويحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأى متحصلات سيادية أخرى، وما يودع منها فى الخزانة العامة للدولة. وأداء الضرائب واجب، والتهرب الضريبى جريمة. وبالتالى فلابد للحكومة مراعاة العدالة الضريبية وحماية الفئات الأقل دخلاً بدلاً من تحميلها أعباء الضرائب حتى لا تقع فى كارثة الفقر والجريمة وتصبح هذه الفئات عبئاً ثقيلاً على الدولة بدلاً من أن تكون سواعد داعمة للإصلاح والتنمية.