بعيدا عن أنظمة الحكم الملكية والإمبراطورية ونظام الإمارة, تنقسم أنظمة الحكم في العالم إلي ثلاثة أنواع رئيسية هي النظام البرلماني, والنظام الرئاسي, والنظام المختلط أو شبه الرئاسي. , وكل نظام تجسده دولة ما بشكل ناجح, فالنظام البرلماني تمثله بريطانيا, والرئاسي الولاياتالمتحدة, والمختلط فرنسا, وهناك أيضا ديمقراطيات ناجحة تطبق أحد هذه الأنظمة مع لمسة خاصة يحددها دستورها لتتناسب مع ظروفها, ومن خلال هذا الملف سنستعرض أنظمة الحكم الرئيسية وتطبيقاتها ومميزاتها وعيوبها لنكون أكثر تحديدا ومعرفة لاختياراتنا ونحن نكتب دستورنا اختلفت السبل والهدف واحد.. فاختلاف الأنظمة الحاكمة وتنوعها حول العالم إنما يعكس وجهات النظر المختلفة, وفي بعض الأحيان المتضاربة في الوصول إلي الهدف الأسمي للبشرية.. ألا وهو الديمقراطية. ولذلك سعت الولاياتالمتحدة منذ نشأتها ومن خلال إعلان دستور عام1787 إلي بذل كل جهد ممكن لوضع تصور شامل لشكل الحكم الديمقراطي الذي يضمن سيطرة الشعب علي السلطة عبر العصور. وحقيقة أنها كانت دولة جديدة آنذاك, لا تتمتع بتاريخ سياسي أو اجتماعي, منحها مساحة من الحرية ساعدها في ابتكار نظام حكم فريد يختلف كلية عن الأنظمة التي كان متعارفا عليها في ذلك الوقت. فالنظام الأمريكي والذي يمثل النظام الرئاسي يشمل ثلاث سلطات رئيسية تتساوي في الأهمية, وهي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. ولكل منهما اختصاصات محددة, علي أن تكمل هذه السلطات بعضها بعضا.. والأهم من ذلك أن كل سلطة منهما تلعب دور الرقيب القاسي علي السلطتين الأخريين من خلال نظام الضوابط والتوازنات. وبالطبع لهذا النظام الفريد الكثير من الخصائص التي تجعله أقرب ما يكون إلي الحلم الأمريكي.. ولكن يبدو أن هذا الحلم لم يكتب له يوما الكمال. أهم ما يميز نظام الحكم الأمريكي هو المساواة في القوة بين السلطات الثلاث, بحيث لا يكون لإحداها الأفضلية علي الأخري. ونظرا لأن الولاياتالمتحدة تتكون من51 ولاية تتمتع كل منها بطبيعة مختلفة, فكان لابد لكل منها أيضا أن تخضع لحكومة ومجالس محلية منفصلة قادرة علي إدارة الأمور من منطلق واقع وطبيعة المنطقة, علي أن تخضع هذه الحكومات المحلية لحكومة فيدرالية تضع الخطوط العريضة لسياسة البلاد ككل. وذلك في إطار الحرص علي حماية حقوق وحرية الفرد في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة. أما الهدف من وضع نظام الضوابط والتوازنات فهو منح كل سلطة حق مراقبة الأخري, لتعمل كل منهما كضامن للشفافية والمصداقية. فالسلطة التشريعية لها حق إصدار القوانين, ولها الحق في نقض الفيتو الرئاسي بشرط موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس. كما أن من حقها إقرار التعيينات الرئاسية والمعاهدات, وإقالة الرئيس عن طريق محاكمة أمام الكونجرس. أما بالنسبة لرقابة السلطة التشريعية علي القضائية, فللكونجرس حق إقرار تعيين القضاة وإقالتهم عن طريق المحاكمة أمام الكونجرس, إلي جانب تشكيل المحاكم الابتدائية. وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية, فهي الجهة المسئولة عن تنفيذ القوانين وتتمثل في الرئيس ووزرائه المعينين. ومن حق الرئيس الاعتراض أو الفيتو علي أي قرار, ودعوة الكونجرس لعقد جلسات استثنائية وطرح أي مشروع قانون جديد. كما أن من حقة تعيين قضاة المحكمة العليا والقضاة الفيدراليين. وبالنسبة للسلطة القضائية, فبمجرد تعيين قاض مدي الحياة لا يخضع لسيطرة الكونجرس, يكون من حقه الحكم بعدم دستورية تحركات السلطة التنفيذية وعدم دستورية قرارات السلطة التشريعية. وقد نجح هذا النظام إلي حد كبير في خلق أقوي دولة في العالم, وإن كان قد عاني بعض القصور ولكنه سرعان ما نجح في معالجتها وتفاديها مثل فضيحة ووترجيت التي هزت الولاياتالمتحدة في السبعينيات من القرن الماضي والتي انتهت بإقالة الرئيس ريتشارد نيكسون عام1974 أول رئيس أمريكي يستقيل من منصبه وإدانة43 شخصا, من بينهم عدد كبير من كبار المسئولين في إدارته. ولكن يبدو أن هذا النظام السياسي المحكم لم يوفر الحماية اللازمة للديمقراطية, فعلي مدي القرون شابه الكثير من التلاعبات والفساد الذي انعكس بشكل سلبي علي المجتمع ككل. فمع حالة الازدهار الاقتصادي التي شهدتها الولاياتالمتحدة خلال العقود الأخيرة, توحشت الشركات وأصبحت أكثر جشعا وبحثا عن السلطة وتكونت جماعات ضغط سياسية نجحت في فرض سيطرتها ونفوذها علي السلطتين التشريعية والتنفيذية علي حد سواء. الأمر الذي أفسد الحياة السياسية الأمريكية, خاصة بعد أن تغلغل نفوذ رأس المال وأصبح عنصرا محركا في الحكم الأمريكي علي حساب رجل الشارع. ولم يقتصر الأمر علي جماعات الضغط وحرصها علي خدمة مصالحها بغض النظر عن المصلحة الجماعية للمجتمع الأمريكي. ولكن نظام الانتخابات الأمريكية يفتح الباب هو الآخر لأسوأ أشكال الفساد في العالم, فالتبرعات الانتخابية التي يتلقاها أي رئيس خلال حملته الانتخابية تقلل من حياده بعد فوزه بالمنصب في المستقبل. فهو بلا أدني شك مدين لدافعي التبرعات, بغض النظر عن محاولات الرؤساء الأمريكيين إنكار هذه الحقيقة علي مر التاريخ. إن الديمقراطية حلم صعب المنال.. خاصة أن الفساد حقيقة كونية وجزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية, ولكن عند البحث عن نظام جديد للحكم تجتمع كل العقول والخبرات للبحث عن النظام الأقل سوءا والذي يضمن أكبر قدر ممكن من المساواة بين المواطنين لعله يحقق المعادلة المستحيلة.