* العلماء: المداومة على الذكر وصلاة الجماعة وعدم الانشغال بالطعام والشراب ثلاثون يوما أو أقل تخرج بعدها إنسانا جديدا، تبيض صفحتك مع الله، تزداد قربا إليه، تعلو درجتك عند خالقك، تخرج بعدها أبيض الصحيفة ناصع السريرة..كيف؟ إنه شهر رمضان، الضيف العزيز الذي يزورنا في العام مرة واحدة، حاملا البشريات وعظيم الحسنات، إن نحن أكرمناه فزنا ونجونا، وإن أهملناه خسرنا وهلكنا. من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام ليله إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، فيه ليلة خير من ألف شهر.. قيامها يمحو خطايا ثلاثين عاما!.. أربعين عاما!.. ستين عاما!.. ليلة واحدة تمحو ذنوب العمر كله، وإن بلغ ألف عام.. إنها ليلة القدر. ولكن كيف نغتنم هذه الفرصة ونستقبل شهر الصيام؟
الدكتور حذيفة المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر، يوضح أن استقبال المسلم لرمضان ليس استقبال الجائع الذي يبحث عن الطعام ولا استقبال المنشغل الذي يريد الراحة، ولا استقبال الغافل الذي يبحث عن اللهو واللعب، إنما يستقبل المسلم رمضان استقبال المستبشر بنعمة الله تعالي المصمم علي أن يبذل كل جهده ليغترف من ثواب رمضان..والنبي صلي الله عليه وسلم ذكر أصحابه ذات مرة بهذه الموقف فقال: “لقد أظلكم شهر كريم مبارك، شهر من تقرب فيه بنافلة كان كمن أدي فريضة فيما سواه...” أوصاهم النبي بأن يستكثروا في رمضان من التسبيح والتحميد وطلب المغفرة والجنة من الله تعالي، والمسلم يعلم أن ثواب رمضان لا حصر له، ففي الحديث القدسي “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به”، فالذي يقدر هدفه ويعرف طريقه مع الله سيستقبل رمضان استقبال المشمر للعبادة المقبل علي الله عز وجل. أما من لا يعرف فضل رمضان وما فيه من الثواب فسينشغل عن العبادة والمراقبة بألوان الطعام والشراب واللهو والملذات حتي إذا ما خرج من رمضان لم يجد لنفسه عملا صالحا. وقد وصف النبي صلي الله عليه وسلم من لم يغفر له في رمضان بالخيبة والخسران.. فعلي المسلم أن يأخذ من رمضان زادا لبقية العام وأن يغتنم رمضان كفارة لذنوبه، فإنه شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. وفي سياق متصل يقول الدكتور إمام رمضان إمام، أستاذ العقيدة المساعد بجامعة الأزهر، إن رمضان اختصه الله عز وجل بفضائل وشمائل ليست لغيره من شهور العام، فيجب أن نتعامل مع هذه الشهر الفضيل علي قدره، بما له من خصوصية، فهو شهر تتضاعف فيه الحسنات وتصفد فيه مردة الشياطين، فأي فرصة أعظم من هذا لنتخلص مما اقترفناه من ذنوب طوال العام، ونزداد قربا لله بعد طول تفريط وتقصير.. وكما أن لرمضان خصوصية في المنزلة عند الله عز وجل، فيجب أيضا إذا أردنا الفوز والنجاة أن تكون لنا وقفة وخصوصية في التعامل مع هذا الشهر العظيم حتي نخرج منه بيض الصحائف مغفورا لنا ما سبق أن اقترفناه طوال العام الماضي بل وسالف الأعوام الماضية، فقال صلي الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”. ولكن كيف يتحقق هذا الغفران..فلكي يتقبلنا الله في رمضان وتعظم درجاتنا فينبغي ونحن نترقب هلال الشهر العظيم أن نشمر عن سواعدنا استعدادا للبذل والإخلاص وطمعا في رحمة الله عز وجل اغتناما لهذه الفرصة العظيمة التي إن أهملناها اليوم فمن يدري: هل سندرك رمضان المقبل أم لا، بل ومن يدري هل سندرك رمضان إلي نهايته هذا العام أم لا.. والاستقبال الأمثل لرمضان يتطلب منا عدة أمور، نجدد بها العهد مع الله طمعا في عفوه ورجائه. أول هذه الأمور إعلان التوبة إلي الله عز وجل ومعاهدة الله تعالي علي الإقلاع عما اعتدناه من ذنوب وخطايا، صغيرها وكبيرها، سرها وعلانيتها.. وكل منا أعلم بنفسه، فإذا اردنا النجاة علينا أن نكون صادقين في توبتنا..والتوبة إلي الله تقتضي رد المظالم إلي أهلها، فمن منا ليست عليه مظالم سواء مادية أو معنوية، لقد آن الأوان أن نتخلص من تلك المظالم ونتحلل منها. والاستقبال الأمثل لرمضان يقتضي منا أيضا التصالح مع العباد الذين صارت بيننا وبينهم قطيعة وهجر، لاسيما الأقارب والجيران والزملاء والأنساب، فكيف يأتي رمضان عليك وبينك وبين زوجك أو أخيك أو جارك أو زميلك في العمل خصومة، كيف ترجو عفو الله وأنت تخالف تعاليم شرعه؟ أوليس رسول الإسلام العظيم الذي نهي عن ذلك فقال «لا يجوز لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث»؟. وهو القائل أيضا «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»! ولتعظيم الاستفادة بشهر الصيام عليك بتنظيم أوقاتك في رمضان بين المداومة علي مجالس العلم وحلقات الذكر ومدارسة كتاب الله. وهذا بالطبع مع المحافظة علي صلوات الجماعة والنوافل وقيام الليل، والمداومة علي ورد ثابت من القرآن، يزيد يوما بعد يوم ولا ينقص حتي لا تفتر همتك. مع الإكثار من الصدقات وأعمال الخير وتكافل الفقراء والضعفاء في رمضان، فرمضان شهر الجود والكرم، وكان النبي صلي الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان. ولا تشغلنا العبادة عن قضاء حوائج الناس والإصلاح بين متخاصميهم أو من بينهم نزاع، فهذا العمل له عظيم الدرجات عند الله عز وجل. فليس الأجر مقصورا علي الصيام والصلاة فقط ، بل كل عمل خير يقصد به وجه الله هو عبادة. والصيام الصحيح يقتضي الامتناع عن الغيبة والنميمة فهي تأكل الحسنات وتوغر الصدور وتفسد العلاقات بين الناس.كما يجب الحرص علي عدم تضييع الوقت في الحديث عما لا يفيد، أو مشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات غير الهادفة أو التي تحتوي علي ألفاظ أومشاهد تتنافي مع أخلاقيات الصيام.