عندما بزغ فجر المدارس الخاصة كنظام مواز، كانت محدودة العدد لا يلتحق بها إلا أصحاب المجاميع الضعيفة التى عجزت عن إلحاقهم بالمدارس الحكومية وبخاصة الثانوية العامة، ومع إدراك البعض ربحية هذا النظام، إنتشرت المدارس الخاصة أملًا فى تقديم تعليم أكثر تميزًا، وواكب ذلك تدن تدريجى فى الخدمات التى تقدمها المؤسسات التعليمية الحكومية، ثم تطور التعليم الموازى بمدارس دولية وشهادات أجنبية لينزوى ملتحقوها بعيدًا عن النسق التعليمى والثقافى العام، واستمرارًا لمفهوم التربح من المتعلم (درس مقابل مال) بزغ نجم «السناتر»، وأصبحت بما تعنيه كلمة «سنتر» مركزاً أساسياً للتعليم الموازى بديلاً عن صور التعليم الأخري، ولتستأثر بما يربو على خمسة مليارات جنيه سنويًا يهبها المصريون للسناتر، ورضينا بدفع أموال مقابل تجميع أبنائنا بالمئات فى قاعات نجوم الفيزياء وأساطير الكيمياء وعباقرة الرياضيات، وجهابزة اللغة العربية، فإذا حاول المسئولون تقنين وتهذيب الصورة وتشجيع الطالب على العودة إلى المدرسة ليأخذ مادته العلمية من المدرس الذى يختاره هو رفضنا الفكرة وأفشلناها، وإذا حاولوا محاربة «السناتر» وغلقها ثرنا عليهم وأقصيناهم، وهكذا تأصل مفهوم «السناتر» بصورة مزمنة لتنقلب الصورة، وتصبح المدارس الحكومية بأنواعها تعليمًا موازيًا يقتصر نشاطها على إجراء الاختبارات خاصة فى المرحلة الثانوية، ومن ثم تصدير أجيال «سناتر» إلى الجامعة بمجاميع وهمية عالية ليتخرجوا، وقد أدمنوا «السناتر» والملخصات فى تعليمهم الجامعى وقبل الجامعى ليعيد أبناؤهم الكرة نفسها، فإذا جاء وزير آخر بنظام وفكر إصلاحى جديد بادره البعض بالرفض والتشكيك وإثارة البلبلة المجتمعية، وتقضى المصلحة العامة تفعيل بعض النقاط الجوهرية كما يلي: أولا: تأكيد الإجماع الرسمى والمجتمعى على تردى الوضع التعليمى وحتمية وأده، اليوم قبل الغد. ثانيا: ألا ننقسم إلى (مع وضد)، وحذف عبارة (أنا مع و لكن........) فكلنا (مع) العلاج وإن ساء طعمه وجهل المستخدم مكوناته وميكانيكية عمله. ثالثا: أن ظهور عقبات وسلبيات فى التطبيق فى السنة الأولى لا تعنى الارتداد للخلف أو التأجيل. رابعا: أن يضع الجميع أنفسهم فى خندق واحد مع الوزير، وبخاصة أعضاء لجنة التعليم بمجلس النواب التى يجب أن تأخذ مبادرة «مد يد العون»، فليس كل ما يطلبه بعض العامة وذوى الأصوات العالية إعلاميًا صوابا، وينبغى برلمانيًا المطالبة بتلبيته. خامسا: أن تعطى أولوية لمعالجة مشكلات البنية التحتية واللوجستية فى السنة الأولى من المرحلة الثانوية، حتى لو لزم الأمر تدخل بعض الوزارات الناجزة والأجهزة الرقابية نظرا لحساسيتها، وتجذر (بتشديد الذال) نظام «السناتر» فى فكر طلاب هذه السنة وأسرهم، خاصة أن الكثيرين منهم يعايشون وهم الربط بين الدرجات التراكمية فى الثانوية وشروط الإلتحاق بالجامعة. سادسا: ألا يستخدم الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعى كوسلية لنشر البلبلة والانقسام المجتمعي. سابعا: أن ينشط الإعلام فى توضيح المعالم الرئيسية للنظام الجديد من مصادر موثوقة (أعضاء الفريق القائم بالعمل) فوقت الوزير أثمن من إضاعته فى تكرار الرد على البرامج بقدر ما هو مطالب بالتمعن فى تفاصيل التطبيق. ثامنا: أن تبدأ وزارة التعليم العالى فى أقرب وقت ممكن فى توضيح نظامها الجديد للقبول بالجامعات وهو بيت القصيد والشغل الشاغل للأسرة المصرية. د. محمد حسين محمد حسين أستاذ بجامعة طنطا