استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام مدينة رام الله    شرطة لوس أنجلوس تعتقل عددا من طلاب جامعة جنوب كاليفورنيا المؤيدين لفلسطين    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    مواعيد مباريات اليوم الخميس 25- 4- 2024 في دوري روشن السعودي    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الأرصاد تعلن موعد انكسار الموجة الحارة وتكشف عن سقوط أمطار اليوم على عدة مناطق (فيديو)    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    هذه الأنشطة لا تخضع لمواعيد الغلق في التوقيت الصيفي 2024    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    يحيى السنوار يشغل المتظاهرين أمام منزل نتنياهو.. ماذا حدث؟    تعديل موعد مباراة الزمالك وشبيبة سكيكدة الجزائري في بطولة أفريقيا لكرة اليد    طلاب مدرسة أمريكية يتهمون الإدارة بفرض رقابة على الأنشطة المؤيدة للفلسطينيين    توقعات ميتا المخيبة للآمال تضغط على سعر أسهمها    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بالمنيا.. صور    سيارة تتراجع 210 آلاف جنيه مرة واحدة.. تعرف عليها    مستشار الأمن القومي الأمريكي: روسيا تطور قمرا صناعيا يحمل جهازا نوويا    واشنطن تعلن التصدي لصاروخ حوثي يستهدف على الأرجح سفينة ترفع العلم الأمريكي    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" المثيرة للجدل برقم خيالي في مزاد    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زاهى حواس
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 05 - 2018

أصبح رمزًا لحضارة سبعة آلاف عام.. تنطقه زاهى وتتعثر فى اسم الأب «حواس» أم «حوراس» أو «حور محب» لحبه الشديد لكل ما يمت للفراعنة بصلة، وكأنه عنوان لبردية فرعونية فك طلاسمها هيرودوت شخصيًا لشخصية ابن النيل القادم من قرية العبيدية فى دمياط ليقضى عمرًا تعدى السبعين هاويًا منقبًا مكتشفًا عالمًا للآثار تتبدى هوية المومياء بين أصابعه بعدما يفك عنها لفائف كتانها الهندسية ويحل ذراعيها المتقابلتين فوق صدرها إذا ما كانت من الأسرة المالكة لتهمس له بأسرارها بعدما لم يعد بينهما أستار ولا حُجب، فيستدير العالِم للعَالم مترجمًا لغة الأجداد التى أجادها ويحاضر بها
فى كافة ربوع الأرض ليستقبله سكان ربوع الأرض بحفاوة لها العجب وكأنه حامل مفاتيح الأهرامات، وحبيب لكيلوباترا ما بين أنطونيو وقيصر، وحفيد مينا موحد القطرين، وشقيق ذهبى التاريخ توت عنخ آمون، حتى أن الكاتب الصحفى الدكتور سعيد اللاوندى المقيم بباريس يشهد بأنه رافقه ذات مرة ليُلقى محاضرة فى القاعة التى تقع أسفل الهرم الزجاجى الكائن بساحة متحف اللوفر ليُفاجأ بأن الفرنسيين من عشاق مصر القديمة يهرعون نحو حواس يريدون تقبيل يديه وقدميه، وينظرون نحوه بإعجاب وخشوع لتمتلئ قاعة المحاضرة عن آخرها ويقف فى الطرقات المؤدية إليها وعلى النوافذ أضعاف من حضر...

زاهى حواس زوجته الدكتورة فكرية حواس طبيبة أمراض نساء أنجبت له شريف طبيب الأشعة وكريم خريج الجامعة الأمريكية، وأحدث ألقابه سفيرًا للتراث العالمى بالأمم المتحدة تعود أن يستظل بالمسلات ليجاوزها فى شموخها، ويربت بالود كله على كتف التمثال لأنه يعرف صاحبه وصانعه وأوانه ومكانه ومكانته ونسبه وأهله وآلهته، ويفك طلاسم الحجر وكأنها ألف باء اللغة، ويتجول فى شوارع التاريخ وكأنه ولد بجوار معبد وتعلم أن يحبو فى بهو أعمدته، ولقد منّى نفسه شابًا بالاستحمام فى البحيرة المقدسة ليكتب قصيدة عشقه الفرعونية على سطح الماء فى منظومة قصص الحب الجميلة: نفرتيتى واخناتون، ونفرتارى ورمسيس الثانى، وسينموت وحشتبسوت، وتوت عنخ آمون ونخ إس إن باأتون التى تركت له وردة على التابوت، وكانا يرتديان فردة صندل واحدة دليل الحب:« سأرقد فى بيتى وأتمارض ويزورنى جيرانى.. فإذا ما جاءت حبيبتى معهم ستعرف موطن الداء.. حبيبتى جميلة العينين عندما تصوبهما.. حلوة الشفتين عندما تنطق بهما.. لا تنبس بكلمة فضول.. طويلة العنق ناعمة الثدى.. شعرها أسود لامع. ذراعها تفوق الذهب حلاوة وأصابعها كأنها زهر البشنين.. عظيمة العجز.. نحيلة الخصر.. ساقاها مضيئتان تنمان عن جمال الكيان.. رشيقة الحركة عندما تتبختر على الأرض.. حبيبتى متفردة منقطعة القرين».. وما بين تل الأشمونين فى المنيا وآثار سقارة وجامعات أمريكا ورسالتى الماجستير والدكتوراه عن آثار الجيزة وأبوالهول والأهرامات وسقارة، وتجربة النوم داخل الهرم الحضن الذى يهرع إليه عندما تهاجمه مشكلة شخصية، فيجلس فى قدس الأقداس لساعات مُستغرقًا يُفكر ويقدح الذهن ويستعرض الأبعاد حتى يصل إلى الحل الأمثل.. حواس الذى يجلو التراب والضباب والغياب والسواد والفساد عن اسم الملك المجهول عبر القرون، ويقرأ الغيب بتعويذة الDNA ليعرف على متون العلم أن إخناتون الذى أعلن أول ديانة للتوحيد وعاش فى مدينته الجديدة «أفق آتون» وهى تل العمارنة حاليًا لم يكن شاذًا جنسيًا كما اعتقد غالبية العلماء نظرًا لأن هناك تمثالا يصوّره وطفل جالس على ركبته يُقبله فى فمه، وقالوا إن الملك غير طبيعى بالنسبة للبناء الجسمانى نظرًا لوجود عيوب خلقية نراها بوضوح بتماثيله والتى تظهر خاصة بالجزء السفلى منها، حيث الأرداف الضخمة والبطن الأنثوية، وفى الجزء العلوى أيضًا مظاهر تشير إلى أن هذا الرجل لم يكن سليم البنية، ولكن الأشعة المقطعية أثبتت أن إخناتون كان رجلا طبيعيا لا يوجد لديه أى عيوب خلقية، وليس شاذًا على اعتبار تقبيله لابنه فهى عادة لم تزل موجودة فى جانب من مجتمعنا، أما سبب المظاهر الأنثوية فى التماثيل فهى ترجمة لمفاهيم إخناتون فى الفن التى تتحدث عن أن الإله آتون هو صورة للرجل والمرأة معًا، وبذلك تم وضع انعكاس ذلك الاتجاه السيريالى فى تماثيل الملك تبعًا لفن العمارنة الجديد فى تصوير العائلة الملكية.
وبمناسبة استقبال المتحف المصرى الكبير الجديد من بعد إطفاء حريق واجهته بلا خسائر تُذكر آخر العجلات الحربية الست الخاصة بالفرعون الذهبى توت عنخ آمون والتى كانت معروضة بالمتحف الحربى بالقلعة منذ إعارتها له فى عام 1987 والتزام الوزارة بالجدول الزمنى المحدد للافتتاح الجزئى للمتحف الذى سيشمل عرض مجموعة آثار توت عنخ آمون الكاملة، حيث تم نقل خمسة آلاف قطعة حتى الآن من إجمالى 43257 قطعة أثرية تم نقلها، وكانت العجلات الست قد عُثر عليها داخل مقبرة الملك الذهبى على يد عالم الآثار الانجليزى هوارد كارتر عام 1922.. الملك توت الذى جاءت نتائج الحمض الريبى النووى DNA التى أجريت على موميائه على مدى 18 شهرًا لتخرج النتائج حاسمة حول أسباب وفاته شابًا (19 عاما) بتأكيد إصابته بمرض الملاريا التى صاحبت تكوينه الجسدى الضعيف بشكل عام، كما اتضح أن الملك كان يُعانى من قدم كسيحة تعود إلى نخر فى العظام، وتضررت نفس الساق من حادث قبل الوفاة بما يُفسر وجود تسعة عشر عكازًا فى مقبرته، وهنا يؤكد د. زاهى «قمت بنفسى بفتح الفاترينة التى تقع أمام حجرة القناع الذهبى لتوت عنخ آمون ووجدت عصا تدل حالتها على أن الملك استعملها فى حياته، بل هناك نص هيروغليفى للملك يقول فيه إنه صنع هذه العصا بنفسه، الأمر الذى قد يشير إلى أنه كان فى احتياج شديد للتوكؤ عليها للسير».. وقد أكدت التحاليل أن توت عنخ آمون ابن الفرعون إخناتون، وأن الملكة (تى) هى جدته، وبالتالى تم استبعاد فرضية أن يكون ابن الملك امنحتب الثالث والملكة تى كما اعتقد كثيرون من قبل، وأكد د. حواس أن الفتحة العميقة فى جمجمة الملك لم تكن نتيجة إصابة مباشرة ببلطة حديدية كما كان يُعتقد، وإنما بسبب أن الكهنة قد قاموا بها لادخال مواد التحنيط إلى الجمجمة، ونفى حواس أن يكون الملك توت مخنثًا هو أو أبوه كما ردد البعض، وأن اسم أم الملك الذهبى يظل حتى الآن فى عداد المجهول، ويوضح الدكتور زاهى حواس أنه فى نوفمبر 1925 أى بعد مرور ثلاثة أعوام من تاريخ الكشف عن مقبرة توت كشف هيوارد كارتر فى حجرة دفن الملك وجود جنينين محنطين داخل تابوتين صغيرين، فقام ومعه العَالِم الإنجليزى (دوجلاس ديرى) الذى كان يعمل فى نفس الوقت أستاذًا بكلية طب فؤاد الأول (القاهرة حاليًا) بعمل دراسات على الجنينين متوصلا إلى أن الأكبر مات فى عُمر سبعة أشهر والثانى لم يتجاوز الخمسة أشهر..
وإذا ما كان د. زاهى قد شارك فى افتتاح استراحة كارتر فى البر الغربى لمدينة الأقصر بعد ترميمها ليشارك فى الاحتفالية ابن وابنة أخ كارتر وابن اللورد كارنارفون ممول بعثة كارتر وزوجته حيث تكلفت الترميمات ما يقرب من مليونين ومائة ألف جنيه، ليتم تأجير الاستراحة لمدة ثلاثة أيام فى السنة منها يوم 4 نوفمبر تاريخ كشف المقبرة الذهبية بمبلغ 20 ألف دولار والليلتان التاليتان ب10 آلاف دولار، ويتولى فندق 5 نجوم إدارتها، إلا أنه يحمل انتقادات شديدة يوجهها إلى مكتشف المقبرة سواء كان فى إصراره على أن المقبرة تم نهبها من قبل وأنها غير سليمة، وذلك لكى يتسنى له واللورد كارنارفون (ممول الحفائر) اقتسام كنوز الملك توت مع الحكومة المصرية وفق قواعد القانون المصرى فى ذلك الوقت حال اكتشاف مقبرة غير سليمة، كذلك فإنه ينتقده بشدة على ذلك العنف الواضح الفاضح الذى استخدمه مع مومياء الملك الصغير لانتزاع القناع الذهبى والتمائم الذهبية والنفيسة من على جسده، الأمر الذى أدى إلى تقطيع مومياء الملك إلى ثلاثة عشر جزءا.. ويترك الملك الصغير انطباعًا حميميًا لدى حواس الذى وجد فى أسنانه ما يشبه مومياء أجداده مثل الملك (تحتمس الثالث) ومن هنا كانت بداية دراسته لهذا الملك الشاب الذى قام بكتابة خمسة كتب عنه إلى جانب العديد من المقالات..
و..لأننى بدورى غاوية تنقيب وبالذات فى أمور الملك توت الصغير فقد وقع فى يدى كتاب صادر عام 2005 «توت عنخ آمون مؤامرة الخروج حقيقة أعظم لغز أثرى» من تأليف (أندرو كولينز) و(كريس أوجيلفى هيرالد) ترجمة رفعت السعيد على الصادر عن دار العلوم للنشر والتوزيع، حيث يبدأ الكتاب فى توثيق قصة السير هوارد كارتر واللورد كارنارفون الإنجليزيان اللذان قررا أن يكتشفان كشفًا أثريًا مدويًا فى وادى الملوك بالأقصر حيث قرر اللورد تمويل المشروع بينما تولى كارتر التنقيب ليستمر العمل على مدى خمس سنوات كاملة يكتشفا بعدها المقبرة ليفتحاها سرًا ليستكشفا محتوياتها قبل أن تفوح أخبارها فى كل الأوساط لتكون الحدث العالمى فيما بين 1922 وحتى عام 1924 فهى المقبرة الملكية الأولى التى تم اكتشافها بكامل محتوياتها دون أن يسرق ما بداخلها.. وتلاحقت بعدها الأحداث وتدهورت صحة اللورد كارنارفون بسرعة ليتوفى فى ظروف غامضة عزاها البعض للعنة الفراعنة، والبعض لحالة تسمم أصابته من جراء سموم هواء فتح المقبرة، ثم ما تلا ذلك من إلغاء التصريح وغلق المقبرة وتوقف العمل، وحاول كارتر باستماتة استعادة التصريح دون جدوى وحاول عبثًا اللجوء لسعد زغلول لإقناع الحكومة المصرية بالعدول عن قرار إلغاء التصريح، ودخل الأمر ساحات المحاكم، وانخرط كارتر فى نزاع مع وزارة الأشغال ومصلحة الآثار والحكومة المصرية وحاول الوصول للسير اللنبى بلا أى تقدم ملموس، حتى اضطر للجوء إلى القنصلية البريطانية بالقاهرة ومحاولة لقاء القنصل الانجليزى للتدخل فى الأمر، ومن بعد نقاش حاد بينه وبين موظف كبير بالقنصلية البريطانية انفجر كارتر منفعلا بعد أن فقد صبره عندما أخبره المسئول الذى أبدى تعاطفًا مع قضيته أن القنصلية لا تملك ما تفعله أمام قرارات الحكومة المصرية، وأن الأمر فوق قدراتها، لذلك جنَّ جنون كارتر وتملكه الغضب ليهدد مسئول القنصلية بقوله: «إن لم أحصل على ترضية كاملة وحقوق كاملة سأنشر على العالم كله نص بردية وجدتها بالمقبرة والتى تظهر الوقائع الحقيقية لخروج أبناء إسرائيل كما سجلتها الحكومة المصرية القديمة عن الخروج من مصر» ولم يكن أحد ليعلم بما ورد فى واقعة القنصلية إلا بسبب ثرثرة كارتر فيما بعد مع أمريكى يدعى «لى كيديك» صاحب مكتب لتنظيم المحاضرات بأمريكا وهو الذى سَرَّب تلك المعلومات واعتبرها مجرد تهديد أجوف ولا توجد برديات حقيقية تخص هذا الأمر، إلا أن رسالة كارنارفون فى عام 1922 لصديقه عالم البصريات المعروف «آلان جاردنر» كشفت بوضوح عثورهما فى المقبرة على صندوق يحتوى على برديات أنكر كارنارفون وكارتر فيما بعد عثورهم عليها، وكان كارتر نفسه قد أدلى بنفس التصريحات إلى الصحافة عن بداية فتح المقبرة، بل وأرسل كارنرفون لاحقًا برقية إلى جاردنر يطلب فيها موافقته على ترجمة البرديات التى وجدوها فى مقبرة توت عنخ آمون، غير أن تلك البرديات تبخرت فيما بعد وادعى كارتر أنه اتضح لهم لاحقًا أنها ليست برديات وإنما لفائف كتانية كانت تستخدم كملابس تحتية للملك توت عنخ آمون!! ويبقى التساؤل حول ما إذا كان قد تم الاتفاق بين القنصلية وهوارد كارتر فقد أعيد التصريح بعد فترة وجيزة وواصل كارتر العمل بالمقبرة، وصمت كارتر تمامًا عما كان كفيلا بإحداث عاصفة سياسية فى وقت كانت فيه بريطانيا تسعى للاعتراف بحق اليهود فى فلسطين تحت مسمى أرض الميعاد!
وربما تكون معرفتك بجوهر شخصية أحدهم أكثر صدقًا وتعبيرًا واكتشافًا من خلال دائرة الأصدقاء المقربين له، ولأنه كان من أقرب أصدقائه إليه كتب صاحب القلم الأدبى الفلسفى أنيس منصور الكثير عن صديقه د. زاهى حواس بأسلوبه المداعب المرح المفحم بالدلالات والتلميحات والتوضيحات ومنها: «د. زاهى هو آخر فراعنة مصر، وقد أحاط نفسه بعدد كبير من الأصدقاء يحبهم ويحبونه ويودهم ويودونه، يسأل عنهم بانتظام وكأنه يتمم عليهم، ولأنه لا يأكل إلا وجبة واحدة فى اليوم ليلا، فهو يدعوهم إلى العشاء كل يوم فى مكان يختاره هو.. كيف؟ هذا شأنه، وبعد أن يفرغ من الضحك ومن العشاء فجأة يقف فيقف الجميع، إنه يريد أن ينام، وهو طفل رضيع إذا نام، يميل رأسه يمينا أو شمالا إلى الأمام، فإذا هو نائم وبمنتهى العمق.. فى الطائرة وفى السيارة أو فى مدخل الهرم أو أى مقبرة».. وحول نظرته للأصدقاء يشرح أنيس منصور «د. زاهى فى لقائه مع الأصدقاء ينظر إليهم على أنهم كهنة موجودون فى كل المؤسسات الإعلامية فى مصر وأمريكا، أما جلساتنا فهى جلسات مجلس وزراء فرعونى، وهو الأعلى صوتا والأكثر ضحكًا، وأوامره هكذا.. غدًا يجئ لك فلان الساعة الثانية وثلاث دقائق.. وبعد أن تتناولا الغداء سمكا وأرزًا أحمر فى مطعم كذا فتفسير هذا الفرمان أنه هو الذى قرر أن نتغدى وهو الذى اختار مكان الغداء!.. فرمان آخر لأحد رؤساء البنوك الساعة الثانية وخمس دقائق يكون فى انتظارك فلان وهو فى حاجة إلى قرض.. ويرد رئيس البنك: ومن الضامن؟ يقول زاهى: بضمانى أنا.. ويتوالى السؤال: وانت بضمان ماذا؟ فيرد زاهى: بضمان الهرم الأكبر الذى لا يقدر بثمن. فيسأله: لابد من تقدير ثمنه.. ثم هل أنت تملك الهرم الأكبر؟ فيرد حواس اعتبر نفسك مستقيل!! ويعقب أنيس منصور: وهكذا عرفنا كيف كان الفراعنة يحكمون مصر!!»..
والناس عادة ما تعود من سفرها بشنطة هدايا أو بالطو صوف انجليزى أو علبتين دواء ناقص فى الأسواق، لكن د. زاهى عاد أخيرًا من واشنطن على نفس الطائرة بتابوت النبيل إيمس أحد نبلاء الأسرة الحادية والعشرين فى مخططه لإعادة الآثار المصرية المسروقة فى أنحاء العالم.. زاهى الأثرى الذى أطلقوا على منطقة الهرم اسم «زاهى لاند» صاحب أهم الاكتشافات الأثرية التى منها مقابر العمال المصريين الذين قاموا ببناء الأهرامات مما يثبت أن بناتها كانوا المصريين لا غيرهم، كما اكتشف وادى المومياوات الذهبية الذى يقع فى الواحات البحرية، حيث أخرج من المجهول للنور 192مومياء مغطاة بالذهب، ومن بعدها مقبرة حاكم الواحات البحرية وأسرته، ومقبرة للقزم (بران عنخ) مهرج الملك الذى كان يرقص أمام الحاكم لادخال البهجة على قلبه، ومقبرة لرجل أعرج، ومقبرة لمعوق فى ذراعه، حيث حرص الحاكم على أن تكن جبانة المعوقين غرب هرم خوفو وعلى مقربة من مقابر الفراعنة تعبيرًا عن اهتمامهم بأصحاب العاهات والإعاقة.. المكتشف لما تحت الأرض الذى تم كتابة اسمه زاهى حواس على ال(CD) المرسل إلى كوكب المريخ فى الرحلة الاستكشافية عام 2003، وهو المؤلف لعشرات الكتب المترجمة للعديد من اللغات التى منها «جنون اسمه الفراعنة»، «معجزة الهرم الأكبر»، «الملك الذهبى»، «رحلات وأسرار»، «لعنة المومياء»، «المسلات»، «سيدة العالم القديم»، «الحب والسحر والغموض فى مملكة الفراعنة»..الخ..
د. زاهى حواس فى كل محفل له رأى صائب ننصت له متشوقين ونتابع ما يقول ما بين السطور: «حق مصر فى مياه نهر النيل لا يعود إلى اليوم، ولا حتى إلى اتفاقية 1929 المعززة باتفاقية 1959، ولكنها تعود إلى 5 آلاف سنة، وتحديدًا إلى العام 1550ق.م عندما أدرك المصرى القديم أهمية النهر، وقام بتقديسه، وسعى لتأمين منابعه عسكريًا من الجنوب وتحديدًا فى المسافة من الشلال الأول وحتى الثالث ببناء القلاع والحصون، وكان يُرهب أعداءه ببناء المعابد الضخمة ذات الهيبة مثل معابد أبوسمبل حتى لا يفكرون فى التحكم فى النهر أو الاعتداء عليه، واعتبارًا من عصر الدولة القديمة اعتاد الملوك إرسال بعثات لاستكشاف منابع النيل فى الجنوب، وتنظيف المجرى حتى يتيسر السفر دون عقبات.... حب الآثار ليس مجرد وظيفة ومصدرًا للدخل وعلى من يعمل بها أن يعشقها ويتحدث عنها كمحبوبته... هناك حلقات مفقودة فى التاريخ الفرعونى نتمنى معرفتها وأهمها فترة الرعامسة، وحقيقة مومياء رمسيس الأول، أهو رمسيس أم لا؟ كذلك أسرار هرم خوفو وحجرة الدفن وقبر الإسكندر وقبر كيلوباترا، فآثار مصر لم يكتشف منها إلا 30٪ ومازال 70٪ منها فى حكم الغيب، وعلى سبيل المثال أنبياء الله سيدنا إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام فى أى فترة جاءوا إلى مصر، لم نعرف بعد!!... عندما سافرت مومياء رمسيس الثانى إلى فرنسا لتحليلها بأشعة إكس لم تظهر شيئًا، لكننا الآن نستطيع الكشف عنها بسهولة عن طريق الDNA والذى حدث أن العَالِم الذى كان مسئولا عن تحليل المومياء سرق شعرات من شعر المومياء ومنذ سنوات قليلة بدأ ابنه يظهرها للبيع، وهذا يوضح أن الأثريين الذين كانوا مكلفين بمرافقة المومياء فى فرنسا وقتها تركوا المومياء وذهبوا للفسحة فى شوارع باريس.... أنيس منصور نجح فى تقديم الفراعنة وتاريخهم لكل عشاق الحضارة المصرية فى العالم العربى، وقد جعله عشقه لتراث مصر يكتب عن اكتشافاتى ليجعل من كشف مقابر العمال بناة الأهرام حديث العامة والمثقفين فى كل مكان، ولن أنسى له أنه كان سببًا فى تقديم استقالتى من الآثار للمرة الأولى بعد أن تسببت مقالاته فى الغيرة التى أكلت قلب رئيس فى هيئة الآثار فى ذلك الوقت... زهقت من الادعاء بأنى أهيِّم بالآثار الفرعونية فى مقابل اهتمام نسبى بالآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، وقد ساد هذا الزعم لأننى متخصص فى الفرعونى، ولا أجيد الحديث عن الآثار الأخرى، والمهم القول: بأن الترميم الذى أُجرىَّ للإسلامية أكثر من الفرعونية 50 مرة ما بين القاهرة الفاطمية ورشيد ودمياط والاسكندرية والصعيد... أجمل أيام عمرى قضيتها فى بلدتى، وبالذات فى رمضان حيث بدأت الصيام مبكرًا، وكنت ألعب الكرة وأنا صائم، وأذهب لحفظ القرآن بعد صلاة العشاء، وكان والدى يأخذنى معه للمرور على مضايف العائلات فى البلد، ومازلت أتذكر الفيضان لأن بلدنا العبيدية على النيل مباشرة، وعند الانتقال للقاهرة تعرفت على أجواء الذّكر فى الحسين لنعاصر فترة ذهبية تألق فيها عدد من المقرئين الذين لن يجود الزمان بمثلهم مرة أخرى مثل الشيخ مصطفى إسماعيل بصوته الملائكى والشيخ عبدالباسط عبدالصمد من كانت قلوبنا ترتجف بمجرد سماع صوته، ورمضان بالنسبة لىّ شهر عمل، أنام مبكرًا وآخر وقت للسهر 11 مساء، ولا أتسحر، وعلى الدوام أفطر مع الأسرة... توفى والدى وعمرى 11 عامًا لتقوم أمى بمهمة التربية والاحتواء المشبع بالحنان... لو ألقينا نظرة على كل الوزراء الذين تولوا مناصبهم بعد 25 يناير لوجدنا أن غالبيتهم كانت أياديهم مرتعشة، وكانت هناك عشوائية كبيرة فى اتخاذ القرارات نتيجة لعدم الدراية والمعرفة الكافية، فلم يفكروا على الإطلاق فى مسألة ترميم البشر قبل الحجر، وبالنسبة للدكتور خالد العنانى أجده شابًا لديه الكثير من الحماس للعمل ويقوم بجهد بالغ، لكن المشكلة الكبيرة التى تواجهه فى افتقار الوزارة للموارد المالية، وإن بدأوا حاليًا فى محاولة توفير لتلك الموارد عن طريق إقامة معارض خارجية للآثار المصرية، ولقد حققت الاكتشافات الأثرية الأخيرة أثرًا بالغا مثل الكشف عن تمثال المطرية الذى شاهدته الملايين بكل مدن العالم وكان من أهم الاكتشافات التى تمت خلال الأعوام الماضية... مصر أعطت للسياحة الروسية أكبر من حجمها، فهى سياحة فقيرة للغاية، فالسائح الروسى يذهب إلى الشواطئ ويقضى أسبوعين أو ثلاثة ولا ينفق إلا 500 دولار تقريبًا، فلابد أن ننظر بأهمية أكبر إلى الأسواق المهمة مثل اليابان، فالسائح اليابانى الواحد ينفق مثل ما ينفقه مائة من السياح الروس مجتمعين.... فى القرن السادس عشر والسابع عشر نُهبت مصر بالكامل فكان يتم استخراج التماثيل والمسلات الضخمة ويتم إرسالها للخارج فى كل مكان فى العام، وحتى فى تاريخنا الحديث كان القانون المصرى يعطى الحق للبعثات الأجنبية بامتلاك 50٪ من الآثار التى تكتشفها، ولم يتوقف هذا الأمر سوى فى عام 1983 بعدما خرجت آثار كثيرة جدًا بطرق قانونية وبالتهريب، وأنا بنفسى استعدت 6 آلاف قطعة أثرية كما قامت وزارة الآثار باسترجاع حوالى 700 قطعة، وكم أتمنى أن تكون عقوبة سرقة الآثار فى القانون الجديد جناية وليست مجرد جنحة... المشكلة فى عودة رأس نفرتيتى أن الألمان يعتبرون عودتها بمثابة قيام حرب عالمية ثالثة... خرافة الزئبق الأحمر جاءت عندما تم العثور ذات مرة على مادة التحنيط داخل أحد التوابيت وتم وضعها فى متحف الأقصر واعتقد البعض أنها زئبق ومن هنا انتشرت المقولة.... نستطيع السيطرة على العالم ثقافيًا عن طريق المعارض ولدينا كنز كبير هو «المستنسخات الأثرية» بإنشاء شركة تأخذ أهم 2000 قطعة بالمتحف المصرى ومثلها من متحف الفن الإسلامى والقبطى ومتحف المجوهرات ثم استنساخها، مع ختم كل قطعة بختم المتحف الذى خرجت منه، وأقسم بالله أن العالم كله سيقبل على شرائها ويكون مشروعًا ضخمًا جدًا... التقيت بالكثيرين من العالميين أمثال روجر مور ومادونا والملكة صوفيا والملكة بياتريس وملك السويد وملك الدنمارك والأميرة ديانا وشاكيرا وسلمى حايك وأوباما وميسى وما لا يقل عن 150 شخصية عالمية، ولحبى الشديد الذى كان لديانا فإننى عند زيارة تشارلز مكثت حوالى نصف الساعة الأولى مش طايقه لكننى اكتشفت أنه شخصية فريدة يعرف الكثير عن الدين الإسلامى ومتحدث لبق وإنسان طيب وفيه مميزات رائعة تشعر معها بأنه يستحق أن يكون ملك بريطانيا... من زيارات المشاهير المهمة العشاء الذى تناولته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام الأهرامات، حيث كانت لفتة حضارية.... قبعتى الشهيرة اشتريتها من أحد المحال فى لوس أنجلوس منذ فترة طويلة وهى مصنوعة فى استراليا وأتفاءل بها أثناء عملى وأصبحت تُباع نسختها الآن بواقع 75 دولارًا وعليها توقيعى وصورتى الشخصية، وكان حصيلة بيعها آخر مرة 250 ألف دولار تم توجيهها لمتحف الطفل.
وعندما يقول د. زاهى حواس أحد أهم ثمانية مكتشفى آثار على مستوى العالم، والمختار من مجلة «تايم» الأمريكية ضمن قائمة أهم مائة شخصية فى العالم، أنه لم يعد هناك فى الخارج من يشترى آثارًا مهربة، وأن المتاحف العالمية قد أغلقت أبوابها فى وجه مثل تلك الآثار المخالفة للقانون، لأن أى متحف سيقتنى مثل تلك المهربات سيوقف التعاون معه على الفور.. فأين منا مثل هذا التصريح الذى ينزل بردًا وسلامًا على القلوب من أيام كانت فيها أمثال شركة توماس كوك تنظم رحلاتها ذات الطبيعة الخاصة التى يشمل برنامجها زيارات للمقابر الأثرية وإقامة سهرات فى خلاء الصحراء فقراتها ترفيهية سادية عبثية يلهو فيها السياح من بعد كؤوس الطلا بالجلوس دوائر تتكئ على الوسائد لتحمل لكل حلقة فوق صينية نحاسية مومياء خاصة لتقام مباريات فى فنون التعرية.. مهارات شيطانية لنزع حرمة أكفان اللفائف من فوق أجساد الأجداد، ويهلل الفائز فى الرهان بأن المومياء لأنثى كما توقع، فإذاما أصاب الجمع الامتلاء والملل قام طاقم الخدم من المواطنين بتنظيف الموائد وجمع الفضلات لإلقائها فى القمامة! وكانت أكوام المساخيط (المومياوات) تصل تباعًا للموانئ الأوروبية لتكون تحت تصرف الأطباء الذين بلغت معهم الشعوذة الطبية أعلى مراتبها بالسيطرة على أثرياء القوم وعلى رأسهم فرنسيس الأول ملك فرنسا لتحويلهم إلى مدمنين لطب المومياوات حيث يستخدم مسحوقها لجميع الأمراض، وكريمات التجميل، إلى جانب ذرها فوق أسطح التربة لتغذية المحاصيل وتسميد الهكتارات، ولم يكن يخلو صالون لأحد الأمراء من فاترينة لمومياء فرعونية داخل صندوقها المزركش.. وحتى هذه اللحظة لم يزل العقل لا يستوعب فكرة أن يهدى جناب محمد على باشا فى رأس السنة مسلة الأقصر كاملة لفرنسا عام 1836 لتُزيّن ساحة الكونكورد فى باريس مما جرأ الإنجليز لنقل مسلة كيلوباترا إلى لندن، ومسلة تحتمس الثالث لروما لتوضع أمام كنيسة القديس يوحنا، وفى تاريخ مصر لعب القناصل دورًا لا يتفق مع شرف المهنة فقد كان دورهم الأساسى سرقة الآثار مستخدمين الفرمانات المعطاة لهم لتجنيد العمال فى مشروعات الدولة للتنمية لأغراض التنقيب عن الآثار وسرقتها.. وكان «هنرى سولت» قنصل بريطانيا العظمى أكبر شيخ منصر فى عصابة القنصلة، فقد صدّر من مصر ثلاث حملات مثقلة بالآثار الفرعونية تدور للعرض والطلب على متاحف أوروبا، فكان من نصيب متحف تورينو منها 4014 قطعة من بينها تابوت من الجرانيت الوردى لرعمسيس الثالث، وشهادة للتاريخ الإجرامى كان الإيطالى «جيوفانى بلزونى» الأب الروحى للمافيا رجل المهمات المستحيلة فقد قام بنقل العديد من الآثار الضخمة التى تعجز دول عن نقلها من بينها تمثال لرمسيس الثانى كان ملقى على الأرض فى الكرنك فقام بنقله فوق كتلة خشبية تتدحرج فوق 14 عمودًا، وكان السير بها يتم على طول الطريق من القاهرة للاسكندرية بمعدل 120 مترًا فى اليوم، وما أحدثه من ضجة لم يشعر بها أحد من الراقدين فوق الثرى على ضفتى النيل المقدس، وقد بلغ عدد المعابد الأثرية التى جرى تفكيكها ما بين 1820 و1828 ما وصل إلى 12 معبدًا، ونقلت توابيت بالغة الضخامة، بل إن قبورًا بأكملها اقتلعت وسافرت على متن السفن الشراعية إلى أوروبا، فلم تكن السفن التجارية قد ظهرت بعد، وقد تم نقل الغرفة الملكية بكاملها من معبد الكرنك التى تعود إلى الفرعون تحتمس الثالث على متن زورق «إدريس أفندى» اسم التمويه لمهرب الآثار الفرنسى «اشيل بريزدافين» وذلك حتى وصولها سالمة إلى متحف اللوفر بباريس ومعها أقدم كتاب فى العالم وهو عبارة عن بردية مصرية تعرف باسم «بردية بريز» قام بتحريرها «بتا حوتيب» أحد نبلاء الفراعنة فى عام 2450 قبل الميلاد.. و..كنت فين يا حواس؟!!
ومعذرة للقارئ والدكتور زاهى حواس إذا ما كانت هناك أخطاء فى بعض أسماء الأجداد، فالمسافة فيما بيننا يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، وجماعتهم من أسر وعهود وعصور مختلفة، وأنا اللى بقيت أنسى بحكم السن اسم النبى حارسهم وضامنهم أهلى وناسى وأصحابى الذين أتبع حيالهم نظام اختراق الكلام دوغرى بلا مقدمات حتى لا أقع فى حرج ذكر الأسماء المشفرة!!

[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.