يعد المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال إمام, أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية, واحدا من ابرز علماء الأمة الإسلامية المتخصصين في علوم الشريعة ومبادئها وفقه المقاصد, وثيقة الأزهر التاريخية التي أجمعت عليها كل القوي والأحزاب السياسية.وكان أحد المشاركين في صياغة. هو لا يري مبررا للجدل الدائر حاليا حول المادة الثانية من الدستور, ويطالب اللجنة التأسيسية بالأخذ بما جاء في وثيقة الأزهر لو أرادت أن تضع دستورا توافقيا يحقق طموحات الشعب المصري. ويؤكد أن وضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار بات فرض عين علي جميع القوي والتيارات السياسية, لأن الدستور لابد أن يعبر عن كافة طوائف الوطن, وهو في كل الأحوال يحذر من الصراع بين بقايا النظام السابق والنظام الجديد, معتبرا انه أكبر عائق أمام عملية التحول الديمقراطي في مصر الثورة.. وإلي نص الحوار. كيف تري الجدل الدائر حول المادة الثانية من الدستور ؟ اللجنة التأسيسية تقوم حاليا بدور تاريخي لأنها تضع دستورا بعد ثورة, وهذا الدستور ينبغي أن يعبر عن توافق وطني وعن هوية المجتمع وتاريخه وثقافته ولابد أن تظهر هذه البصمات في الدستور الجديد, والدستور لا ينشأ من فراغ خاصة لدولة عريقة في التاريخ الدستوري مثل مصر, فهناك الكثير من الدساتير ومشروعات الدساتير أمام اللجنة التأسيسية وعليها أن تنظر في كل هذه الدساتير وتختار الأفضل منها وتضيف ما تحتاجه اللحظة الراهنة, لأن الدستور يوضع للحاضر والمستقبل وبالتالي فعلي اللجنة ألا تستحدث نصوصا وقتيه بل لابد أن تراعي الحاضر والمستقبل عند وضع الدستور, وفي مقدمة المواد التي كان المشرع حريصا علي تثبيتها هي المادة الثانية التي وضعت لأول مرة في دستور1971, واتفق مع هذا الرأي بأن تظل المادة الثانية كما هي لأنها في صيغتها في دستور1971 كافية للتعبير عما نريده, لأن نص المادة خطاب موجه للمشرع مقتضاه ألا يصوغ قانون أو يستمده من تشريع آخر إلا إذا كان متوافقا مع الشريعة الإسلامية, والمحكمة الدستورية العليا فسرت مبادئ الشريعة الإسلامية بأنها النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة. وأري أن الجدل الذي دار حول تفسير الدستورية هو جدل غير مبرر, لأن تفسير الدستورية يعني أنها لا يمكنها أن تنظر في تعديل قاعدة قانونية والقول بعدم دستوريتها إلا إذا كانت مخالفة لنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة هذا تحديد لنطاق ووظيفة المحكمة الدستورية, ونصوص القرآن الكريم كلها قطعية الثبوت لكن ليست كلها قطعيةالدلالة, وبالتالي فعندما يكون هناك اجتهاد في تفسير نص قرآني من حقي كمشرع أن أنظر فيما جاء بالمذهب الشافعي أو المالكي أو أي المذاهب الإسلامية ويصبح هذا اجتهادا للمشرع لا معقب عليه من المحكمة الدستورية, فما يختاره المشرع من الأراء الفقهية لا رقابة للمحكمة الدستورية عليه في هذه الحالة, وبالتالي فالدستورية لا تستطيع أن تفرض رقابتها الخاصة بدستورية القوانين إلا علي ما كان مخالفا للنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة, ولا تمنع المشرع من أن يختار من الاجتهادات ولا تعقب عليها فدورها لا يبدأ إلا عندما تخالف التشريعات ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة وليس لها رقابة علي السلطة التقديرية للمشرع, والمشرع يكون مخطئا من وجه نظرها عندما يخالف ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة. .. لكن البعض يري أن تفسير المحكمة الدستورية يستبعد السنة كأحد مصادر التشريع ؟ تفسير المحكمة الدستورية لمبادئ الشريعة الإسلامية لا يستبعد السنة أو أي مصدر من مصادر التشريع قطعي الثبوت قطعي الدلالة في القرآن والسنة والإجماع أيضا وهو مصدر من مصادر التشريع, و يجب ألا نخلط بين وظيفة المحكمة الدستورية العليا ووظيفة المشرع فالدستورية العليا كانت تفسر ما تراه داخلا في نطاق وظيفتها لأنها تقوم بالرقابة علي دستورية القوانين, ولدي تحفظ علي ما صدر قديما من الدستورية بأه رقابتها لا تمتد للتشريعات قبل قانون إنشاء المحكمة وقبل وضع دستور1971, وهذا يتعلق بالمشرع فعليه أن يقوم بتغيير القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية التي كانت موجودة قبل ذلك وليس دور المحكمة الدستورية الذي يبدأ من تاريخ إنشائها ومن تاريخ وجود نص دستوري يقضي بأن الشريعة هي مصدر التشريع. وهل تري أن يظل نص المادة الثانية مبادئ الشريعة أم مقاصد أم أحكام ؟ أري أن تظل المادة الثانية علي وضعها كما كانت في دستور1971, وهذا رأي الأزهر الشريف في صورته النهائية, حتي الإضافة الموجوة في المادة الثانية فيما يخص الأديان السماوية الأخري هذا النص يستوعبها لأن الشريعة الإسلامية منذ اليوم الأول لنزولها وتجعل غير المسلمين يحتكمون إلي شرائعهم فيما يخض أحوالهم الشخصية, والإبقاء علي المادة الثانية كما هي يعد ضمانة للتعبير عن هوية المجتمع وهوية التشريع وضمانة للحفاظ علي حقوق غير المسلمين داخل المجتمع المصري من الزاوية التشريعية. وهل ستأخذ اللجنة التاسيسية بما جاء في وثيقة الأزهر ؟ اللجنة التأسيسية أمامها دساتير ووثائق كثيرة, لكن وثيقة الأزهر قيمتها في أنها تمت في رحاب الأزهر الشريف وبحضور كل التيارت وهي تمثل القاسم المشترك الذي إتفقت عليه كافة الاتجاهات السياسية في مصر, وقد حضرت كل الإجتماعات التي دارت في الأزهر الشريف وبحضور جميع القوي والتيارات السياسية والمرشحين لانتخابات الرئاسة ورؤساء الأحزاب وممثلي الكنائس المصرية والجميع اتفق ووقع علي هذه الوثيقة حتي السلفيون, والجميع وقع عليها لأن ما جاء فيها من بنود يعبر عن اتجاه جميع القوي في المجتمع, وإذا كان الدستور تعبير حقيقي عن كافة القوي في المجتمع فبالتالي ينبغي أن تكون وثيقة الأزهر هي الوثيقة الأساسية التي لا تخرج عن توجهاتها اللجنة التأسيسية. وما المدة الزمنية التي من الممكن أن تنتهي التأسيسية خلالها من وضع الدستور ؟ أريد من اللجنة التأسيسية أن تلتزم الأناة ولا تتباطأ أو تتقاعس عن القيام بدورها وتأخذ مدة طويلة لأن هذا سيعود بالسلب علي الحياة السياسية المصرية وعلي الإستقرار المنشود, وكذلك علي الدور الذي تقوم به مؤسسة الرئاسة لاستعادة الوجه المدني للحياة السياسية المصرية, وفي نفس الوقت يجب ألا يكون ذلك علي حساب سلامة النصوص, فنحن نطالب بالأناة ونرفض العجلة والتقاعس والتأخر أو أن يكون هناك حسابات جزئية لمصالح سياسية لأحد الإتجاهات فالقضية ليست مسألة حزب أو جماعة أو طائفة لأننا عندما نتحدث عن وضع دستور نتحدث عن مصلحة الأمة ككل ووضع دستور توافقي لا نتعجل ولا نتقاعس عن وضعه. هل من الممكن أن يرفض الشعب الدستور عند الاستفتاء عليه ؟ الشعب المصري يجنح نحو الإستقرار وهو مصدر السلطات وصاحب الحق في القبول أو الرفض, وأعتقد إذا صنع دستور بتوافق عام ويصاغ صياغة سليمة من خلال أعلام وفقهاء دستوريين وقامت وسائل الإعلام بالتعريف بالدستور فإنه سيلقي قبولا لدي المجتمع المصري, ولابد أن نحذر من أن يكون هناك قياس ما بين الإنتخابات التشريعية والإستفتاء علي الدستور, لأن الإستفتاء علي الدستور هو إستفتاء علي المستقبل وعلي أفكار وتوجهات, أما الإنتخابات التشريعية فتكون إستتفاء علي حزب أوتوافق مع شخص وليس مع أفكار عامة للمجتمع, لأننا في ظل الإستفتاء نعبر عن هوية مصر ونختار لمصر وليس لشخص أو حزب. هل تري أن هناك صراعا بين التيارات السياسية ومدي تأثير ذلك علي عمل اللجنة التأسيسية ؟ ينبغي أن نفرق بين الصراع والتنافس, فالتنافس ربما يقودنا لمردود إيجابي, فقد يتنافس حزب الحرية والعدالة مع حزب النور أو حزب الوسط أو الوفد أو أي من الأحزاب ويكون هذا التنافس في مصلحة التوجه الديمقراطي الذي نريده وهو قبول الآخر والاعتراف بنتيجة الإنتخابات وتفضيل مصلحة الوطن علي مصلحة الحزب فهذه هي ثقافة الديمقراطية التي نريدها والتي تتحقق من خلال التنافس, لكن الصراع سيكون بين بقايا النظام القديم والنظام الجديد, فهناك الكثير من المستفيدين الذين أكلوا علي موائد النظام القديم ولا يزالون يتحركون في باطن الأرض ويظهرون بوضوح في بعض الأحيان من خلال توجيه العبارات الجارحة حول قيادات النظام الحالي, وهذا يتطلب أن تقوم وسائل الإعلام والقوي الثورية بالوصول للقاعدة العريضة من المجتمع لتبصيرهم بخطورة الاستماع لما يبثه بقايا النظام السابق من شائعات تحمل إساءة لوجه الثورة وتعوق مسيرة الديمقراطية, والخطر هنا أن بقايا النظام القديم تمتلك خبرة سياسية وبعض الأذرع الإعلامية والإقتصادية وإنتشارهم البيروقراطي في مؤسسات الدولة فهؤلاء يحاولون تعويق الحركة الديمقراطية لأن الجسد الإداري مترهل وثقيل ويحتاج وقتا طويلا لتطويره وهؤلاء قد يستغلون هذا للإساءة للنظام الجديد. وكيف تري الاتهامات التي توجه للإسلاميين في الفترة الحالية تحديدا ؟ الاتهامات هي رد الفعل الطبيعي لتيار كان محتكرا للسلطة السياسية والإعلامية والثقافية والاقتصادية وكذلك كان مسيطرا علي مراكز صنع القرار, وفوجئ هذا التيار بأن منافسا له لا يريده أصبح موجودا في قمة الهرم, وهذا الموقف ليس موقفا موضوعيا بل هو نوع من الترهل السياسي, ومحاولة تصوير هزيمة هذه التيارات علي أنها ناتجة بسبب صعود التيار الإسلامي, لكن هذا يدل علي قوة التيار الإسلامي وتراجع تلك التيارت التي توجه الإتهامات بشكل كبير ومستمر للتيار الإسلامي, والفرق بينهما أن هذه التيارات جلست في السلطة لعقود طويلة لكنها لم تفعل شيئا ووصل المجتمع لما وصل إليه من تراجع أدي لثورة علي هذا النظام, وأنا أري أن وصف الإسلاميين وصف فضفاض, لأن الشعب المصري يؤمن بالإسلام حتي المسيحيين الذين لا يؤمنون بالإسلام كدين يؤمنون به كحضارة, وبالتالي فهؤلاء لايهاجمون التيار الإسلامي لكن يهاجمون الأمة كلها, فهل الأمة مستعدة لأن تتخلي عن قيمها الروحية وعن حضارتها التي حفرتها عبر التاريخ فهؤلاء يريدون أن ننطلق من وجهة نظر واحدة, وأغرب ما أدهشني في هذا المجال أن أحد الكتاب قال بعد نجاح الدكتور محمد مرسي مصر هذه ليست التي نعرفها, وهذا غير منطقي ولابد أن يراجع هؤلاء موقفهم, فإذا كان البعض في جانب المعارضة عليه أن يلتزم بأخلاق وفروسية المعارضة.