رغم مرور أكثر من عام علي افتتاح المجمع التذكاري الخاص به إلا أن عشرات الأوزبكيين مازالوا يتوافدون يوميا لزيارة قبر رئيسهم الراحل الديكتاتور إسلام كريموفا ليس حبا فيه او لطلب المغفرة له، ولكن لمشاهدة قبره الفخم المرصع بالجواهر الثمينة، كما زاره العديد من الرؤساء من بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وغيرهما.. ولكن من بين أحد الأوزبكيين القلائل الذين لم يذهبوا للقبر امرأة كانت إلي وقت قريب هي الأشهر والأغني في أوزبكستان أنها ابنته الكبري، جولنار كريموفا، البالغة من العمر 45 عاما، والتي كان يشار لها دائما ب«ولية العهد» وتلقب ب«أميرة أوزبكستان». آخر صورة ل "جولنار" ويعد اختفاء كريموفا يعد لغزا يشغل وسائل الإعلام إلا أن الشعب الأوزبكي لا يكترث بمصيرها و ما إذا كانت علي قيد الحياة أم لا، فهي لم تكن يوما محبوبة أو ذات شعبية بل كانت تعرف لديهم ب«السيدة القاسية». فرغم تعدد المجالات التي عملت بها والمناصب التي اعتلتها، إلا أن الجميع كان يعلم أن اقتحامها تلك المجالات وشهرتها الواسعة في عالم المال والأعمال لم يأت نتيجة جهد أو حتي من خلال موهبة بل لمجرد أنها ابنة الرئيس. البداية كانت من خلال دراستها في جامعة هارفارد الأمريكية، ثم عملت في السلك الدبلوماسي حيث كانت الممثلة الدائمة لجمهورية أوزبكستان لدي مكتب الأممالمتحدة، وسفيرتها لدي إسبانيا، بالإضافة إلي عملها مصممة مجوهرات وأزياء تمتلك خط أزياء خاصا بها، وحصلت علي الحزام الأسود في رياضة الجودو إلي جانب دخولها عالم الغناء وتصوير مجموعة من الفيديوهات، التي تغني وترقص بها علي موسيقي البوب تحت اسم «جوجوشا». ولم تكتف كريموفا بكل هذا بل جنت الكثير من دخولها في عالم المال والأعمال حيث كانت واحدة من اقوي وأغني أبناء القلة الحاكمة في دول الاتحاد السوفيتي السابق. وكشفت وثائق ويكيليكس الأمريكية المسربة أنها كانت تلقب ب «الأميرة اللصة»، وأنها كانت سيدة جشعة متعطشة للسلطة، استغلت سطوة وديكتاتورية والدها لسحق رجال الأعمال والاستيلاء علي شركات شهيرة. وتزوجت كريموفا عام 1991 من منصور مقصودي، وهو أمريكي من أصل أفغاني، وعاشا معا في نيويورك، وعندما بدأ زواجهما في الانهيار عام 2001، أخذت كريموفا الطفلين الابن والابنة إسلام وإيمان، وتركت الولاياتالمتحدة متجهة إلي أوزبكستان, وقد منحها القاضي الاوزبكي حكما بالطلاق بينما منحت محكمة أمريكية مقصودي حق حضانة . وعندما رفضت كريموفا الانصياع لحكم المحكمة الأمريكية بمنح حضانة الطفلين لمقصودي، تم تقديم مذكرة توقيف دولية باسمها إلي الإنتربول، وفي المقابل واجه مقصودي الاعتقال في أوزبكستان. ولم تكتف بذلك بل استخدمت قوتها ضده واضطهدته حيث كان مقصودي يمتلك أصولا تجارية في أوزبكستان ومشاريع كبري، فقامت بسلبها منه .و. كما تم ترحيل جميع أقاربه، 24 مواطنا كانوا يعيشون في أوزبكستان ،إلي أفغانستان كما سجن 2 منهم. وخلال عام 2014 تغيرت أحوالها كثيرا، فبعدما كانت تتعمد الظهور في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ابتعدت عن الأضواء بشكل كبير خاصة بعدما ذكرت عدة مصادر أن خلافا قد اندلع بينها وبين والدها إثر خلاف عائلي، واتهمت السيدة كريموفا علانية أمها وشقيقتها الصغري بممارسة أعمال السحر. كما أن تورطها في قضية فساد كبري في السويد واستدعاءها للتحقيق معها فيما يتعلق بغسيل أموال في سويسرا أفقداها دعم والدها، وقام بوضعها قيد الإقامة الجبرية. و سرعان ما انهارت إمبراطورية كريموفا وأغلقت متاجرها الفاخرة ومحال المجوهرات وحسابها علي تويتر. وكان آخر ظهور لها في العام ذاته من خلال صورة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أظهرت مواجهات بين كريموفا وحراسها أثناء إقامتها الجبرية. ومنذ ذلك الحين اختفت نهائيا عن الأنظار حتي أنها لم تحضر جنازة والدها في عام 2016. ويذكر أن صحيفة «ديلي ميل» البريطانية نشرت تقريرا، في نهاية عام 2016، مأخوذا من موقع روسي شهير، ذكر فيه مسئول يعمل في جهاز الأمن الوطني الأوزبكي ، أن كريموفا ماتت نتيجة «التسمم»، وذلك عقب إيداعها في مستشفي للأمراض العقلية عدة أشهر وأنه حضر بنفسه دفنها في أحد المقابر بالعاصمة طشقند، والأغرب أن السلطات الأوزبكية لم تعلق بالسلب أو الإيجاب. بينما علق مكتب المدعي العام في أوزبكستان أخيرا، أنها أدينت بتهمة التهرب الضريبي وابتزاز شركات أوزبكية كبيرة وسرقة ممتلكات الدولة، كما أنها كانت متهمة بتهم جنائية أخري، وحكم عليها بالسجن لمدة 5 سنوات. ولم يقم المدعي العام بالرد علي طلب الحصول علي معلومات عن حالة قضيتها ومكان وجودها، مما جعل الكثيرين يفسرون الأمر علي أنه مجرد شكل من أشكال الإقامة الجبرية. وقال مسئولون حكوميون آخرون إنهم لا يستطيعون مناقشة قضيتها أو قضية كبير مساعديها، جيانس أفاكيان، الذي وضع في السجن أيضا. وقد خرج نجلها إسلام، 26 عاما، الذي يعيش ويدرس إدارة أعمال في جامعة أكسفورد بلندن، ليعلن عن رغبته في العودة لوطنه، ولكنه يخشي أن يتم احتجازه ومنعه من السفر، وذكر في حديث ل «بي.بي.سي» أنه يعلم أن أمه مازالت علي قيد الحياة، لكنه لا يعرف مكانها فهي محتجزة دون أي تمثيل قانوني متسائلا: «لا أفهم كيف لا يمكنهم الإجابة عن سؤال بسيط ونحن في القرن الحادي والعشرين .. «أين جولنار؟!».