يوسف إدريس يحاول فاتن حمامة فى نهاية الستينيات كان أديبنا الكبير يوسف إدريس هو ضيف برنامج « الميكرفون مع» الذى كان يستضيف نجوم الفكر والأدب والفن ويجعلهم مذيعين، ويطلب منهم استضافة من يحبون وإجراء حوار معهم، وفى حلقة الدكتور يوسف إدريس استضاف سيدة الشاشة العربية فاتن حمامه وأجرى معها هذا الحوار: يوسف إدريس : اليوم نحن مع برنامج « الميكروفون مع» برنامج الارتباك واللخبطة، والواحد يفكر ألف مرة من يستضيف؟ ومن سيزعل، ومن لن يزعل؟ وكل هذه المشاكل التى يثيرها برنامج بسيط مثل « الميكرفون مع»، الحقيقة إننى لم أفكر فى كل هذه المشاكل خالص، عندما فكرت فى استضافة فنانة أقدر فنها جدا، وأحب أناقش معها بعض المسائل الفنية، ضيفتى الأولى هى السيدة فاتن حمامة، وأعتقد أنه ليس من السهل على أن أجرى حديثا أو لقاء مع السيدة فاتن حمامة، لكنى سأحاول قدر طاقتى أن أعتصر منها بعض المعلومات المفيدة التى يمكن أن تعطينا فكرة مختلفة عن الفكرة التى نأخذها عنها من الشاشة. يوسف : سيدة فاتن مساء الخير فاتن : مساء النور يوسف ضاحكا : أهلا وسهلا بك الحقيقة قبل ما أقابلك كنت أفكر فى مشكلة من نوع خاص، وهى أننى أتصور أن الفنان عندما ينجح، ينجح لأنه موهوب، لكن النجاح الكبير « أوى»، النجاح الذى يتصل فيه الفنان بتيار الحياة والناس، ويصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الناس، أعتقد أن هذه الدرجة من النجاح لا تعتمد على الموهبة فقط، ولكن لها مقومات آخرى، فما هى فى رأيك هذه المقومات غير الموهبة؟ فاتن : أعتقد أنها عدة أشياء، أولها المدة التى اشتغل فيها الفنان، كلما طالت المدة، عاش الفنان أكتر فى وجدان الناس، لأنها تراه بانتظام، ويهيأ لها إنها تعرفه وتعيش معه، السبب الثانى وأعتقد أنه أهم حاجة الفنان نفسه، فى بعض الفنانين وأنا أتكلم على السينما حاليا عندما تظهر على الشاشة تجد لديهم قبولا، يعنى الناس تقبلهم على طول بدون تفكير، بغض النظر عن شكلهم أو سنهم. . هذا القبول يعطى للفنان « شوية» قوة، لكن على الفنان أن يجيد هذه القوة التى أعطاه له الله، وكيف يستطيع استعمالها، وبالنسبة للمطرب كيف يستطيع أن يجعل الناس تعيش معه وتحس به، وأهم من كل حاجة الذكاء، ذكاء الفنان مهم جدا جدا، لأنه من غير ذكاء يمكن أن يضيع الفنان كل ما بناه. يوسف : كيف يضيع الفنان ما بناه؟ فاتن : بكلمة « وحشة» فى مجلة، أو تصريح مغرور فى مكان تانى، فمثلا ممكن مطربة عظيمة جدا، تعمل أشياء تضيع منها جماهيريتها تصبغ شعرها بلون أحمر أو أصفر لا يتناسب معها، أو ترتدى ملابس غير مناسبة لسنها أو لشكلها، على طول يفقد الجمهور الإحساس بجمال صوتها، لأن الجمهور يربط بين الإنسان وشخصيته وعمله الفنى. يوسف : كلامك يثير موضوعا مهما وهو أنه لا تكفى الموهبة عند الفنان؟ فاتن : قطعا لكن أرجع وأقول هذه شطارة الفنان، فيه فنان ممكن يكون «كويس أوى» لكن لا يعيش فنيا طويلا، وفنان آخر ممكن يعيش مدة أطول، لأن الأخير يعرف متى يقدم فنه؟ ومتى يبتعد بعض الشىء؟ ومتى يتوقف؟ ومتى يعود لفنه مرة أخرى وبأى شكل؟ يعنى عارف كيف يصنع مستقبله الفني؟ هذا الفنان بالتأكيد يعيش مدة أطول فى قلوب الناس. يوسف : كويس جدا لأن فيه ظاهرة غريبة فى الوسط الفنى، عندما يظهر فنان وينجح فعلا ويلاقى قبولا وفجأة نجده يموت فنيا ما العوامل التى تقضى على الفنان؟ فاتن : أعتقد أن أكثر عامل يقضى على الفنان هو الغرور والتعالى على فنه، والتعامل مع الفن بسهولة، وأعتقد أن الغرور يصيب الفنان الذى ينجح فجأة، لأنه يختل ويفقد توازنه، لكن الفنان الذى يبدأ مشواره من أول السلم يتعود على النجاح، ولا يفقد توازنه، لهذا من الأشياء الخطيرة جدا أن ينجح الفنان مرة واحدة بسرعة. يوسف يتدخل ويكمل مسألة أن الفنان لا يكون مغرورا مهمة جدا، لكن الصعب كيف لا يكون مغرورا!! يوسف : أريد أن أسألك سؤالا خاصا عندما يعرض عليك دور فى رواية أو تتاح لك فرصة عمل فنى وأنت قمت ببطولة عشرات الأدوار وعشت عشرات القصص، وهنا تتدخل فاتن وتصحح له مئات القصص يوسف ضاحكا: مئات القصص، هل تأخذين وقتا للموافقة على العمل أو ماذا تحسين بالضبط؟ فاتن : أكيد بعد كل هذه السنوات أصبح عندى ثقة بالنفس، لكن اتضح لى أننى فى كل عمل فنى جديد أبدأ فى تصويره، أشعر بالقلق والخوف وكأننى مازلت فى بداياتى الفنية، وأرى العمل « وحش» مهما عملت، أو عمل فريق العمل، وأكون كارهة نفسى، وكارهة العمل، وكل حاجة، والقلق يجعلنى أحيانا أفكر فى حمل حقيبتى وأجرى « أستخبى» فى أى مكان بعيدا عن بلاتوه التصوير. يوسف : طب يا فاتن واسمح لى أن أقولك يا فاتن لأنى متلخبط ومش عارف أقولك يا مدام فاتن لأنه غلط نتكلم بلغة أجنبية أمام الميكرفون، ومش قادر أقولك يا سيدة فاتن لأنها واقفة شوية وهنا تتدخل فاتن ضاحكة وتقول له خليها فاتن من فضلك. يوسف : ما رأيك فى حكاية غريبة جدا يهمنى رأيك فيها وهى أحيانا نسمع فى الوسط الفنى وفى المجلات الفنية ارتباط كلمة فنان بالجنون وكأن كلمة فنان أصبحت بديلا للجنون؟ فاتن : الفنان فى رأيى إنسان حساس ومرهف الحس جدا، أحيانا تكون هذه الحساسية « زيادة شوية»، فتجعله مختلفا عن باقى الناس، لهذا يقال بسخرية « ده فنان»، لكن الفنان شىء جميل ورائع. يوسف: فى بعض الجلسات الخاصة أو التجمعات الثقافية التى يصادف أن تحضريها يلاحظ أنك لا تتحدثين كثيرا ؟ فاتن : أحب الإنصات ومراقبة الناس جدا، فالإنصات للناس يعلمنى ويفيدنى فى شغلى جدا، وأحيانا عندما يعرض على عمل جديد تقفز شخصية ما فى ذهنى قابلتها فى مكان ما، ونسيتها تماما، هنا أستحضرها وأسترجع بذاكرتى أدق تفاصيل حركاتها فى أثناء الكلام، مشيتها، وطريقة نطقها للكلام. يوسف : ما أصعب الأعمال التى قدمتيها وأحبها إلى قلبك؟ فاتن ضاحكة وتقول الاثنين معا أصعب وأحب : بصراحة من أصعب الأعمال وأحبها إلى قلبى فيلم « دعاء الكروان» لأن دكتور طه حسين كتب نصا مليئا بالوصف، وأحيانا يصف مشهدا فى ثلاث صفحات، وكل كلمة فى هذه الصفحات لها ضرورتها ومعناها، ولكى نصنع من نص كهذا عملا سينمائيا فذلك ليس بالأمر السهل، وأيضا الجزء الثانى فى الرواية من أصعب ما يمكن فهو حوار بين البطل والبطلة وكل منهما يتربص بالآخر، لكن الحقيقة المخرج هنرى بركات والكاتب والسيناريست الكبير يوسف جوهر قدما عملا رائعا . أما العمل الثانى فهو من تأليفك ، وهنا يتدخل «يوسف إدريس» أقصدك « الحرام» ، فاتن طبعا فالرواية صعبة ومليئة بالخشونة، وتصطدم بالواقع الاجتماعى وتتحدث لأول مرة على شاشة السينما المصرية عن طبقة لم تقدمها من قبل وهى طبقة عمال التراحيل، وبصراحة عشت أياما وليالى بعد قراءتى هذه الرواية وأنا لا أستطيع التفكير غير فى « عزيزة» بطلة الرواية وما جرى لها من ظلم، وظل هذا التفكير معى حتى بدأت التصوير.. يوسف متدخلا: « والحقيقة كنت رائعة فى الفيلم، والفيلم كله كان عظيما..» فاتن ضاحكة: الحمد الله. يوسف : ما الذى لفت انتباهك فى «عزيزة « بطلة الحرام؟ فاتن : القهر والظلم الذى تعرضت له، هى أخطأت غصب عنها، وعانت وتعرضت للظلم بسبب هذا الخطأ غير المقصود من جانبها، وهذا القهر هو ما تعانيه المرأة العربية، صحيح المرأة أخذت حقها فى التعليم والعمل، لكن تظل المرأة البسيطة فى المجتمعات الفقيرة تعانى القهر والظلم، خاصة عندما يتم طلاقها ولا تجد ما تسد به رمقها. يوسف : لماذا لم نعد نراك كثيرا على الشاشة مثل الماضى؟ فاتن : هذا غير مقصود ، بعد كل الأعمال التى قدمتها لا أجد أعمالا تثير فى نفسى الحماس للنزول، مهم جدا أن ينزل الفنان من بيته وهو سعيد بما يفعله، أما أن أنزل لكى أكون تعيسة، فأنا فى هذه الحالة لا أرغب فى العمل إطلاقا. يوسف : ماهى أولوياتك فى قراءة الصحف؟ فاتن بعد تفكير ثوان : أقرأ عناوين الصفحات الأولى، وأواظب على قراءة الأعمدة والمقالات الصحفية لمصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، وأنيس منصور، وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس. يوسف : يا ستى كتر خيرك نقطة فى نهاية حوارى معك يهمنى معرفتها لمن تعطين أذنك ؟ فاتن : أستمتع جدا بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيك، ولمطربينا الكبار الست أم كلثوم، والموسيقار محمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ، وفيروز، ووردة.