أبدى البعض دهشته من أن «قمة الظهرانس لم تفعل شيئاً إزاء العدوان الأمريكى البريطانى الفرنسى على سوريا قبيل القمة مباشرة فقد كان كل ما ورد فى زإعلان الظهران» بشأن العدوان عبارة تقول زوقد تابعنا ما قامت به القوى الغربية فى سوريا مؤخراً، وحمداً لله أن الإعلان قد استرشد بالموقف المتوازن الذى تضمنته كلمة الرئيس السيسى فى الجلسة الافتتاحية للقمة والتى أكدت إدانة استخدام السلاح الكيماوى والمطالبة بتحقيق شفاف يفضى إلى تحديد المسئول عن هذا استخدام فى مواجهة موقف بعض الدول العربية التى أدانت دون دليل النظام السورى لاستخدامه السلاح الكيماوى وأيدت العدوان، وقد أبديت بدورى دهشتى من موقف ذلك البعض الذى اندهش من تجاهل القمة العدوان على سوريا لأن القمم العربية انسحبت من ساحة مواجهة الاعتداءات الخارجية على الوطن العربى بعد أن كانت آخر قمة واجهت هذه الاعتداءات هى «قمة الخرطوم» 1967 التى وضعت استراتيجية لإزالة آثار العدوان دعمتها مالياً كل من الكويت والسعودية وليبيا، وكانت هذه الاستراتيجية سنداً لمصر فى حرب الاستنزاف التى كانت علامة فارقة فى الطريق إلى حرب أكتوبر المجيدة بالاشتراك مع القوات المسلحة السورية الشقيقة، وبعد قمة الخرطوم لم يحدث أن تعرض بلد عربى لعدوان خارجى وفعلت له القمم العربية شيئاً فقد تغيرت الظروف وانقسم العرب ولم يعد مفهومهم لأمنهم القومى واحداً خاصة بعد الغزو العراقى للكويت 1990. ففى يونيو 1982 بدأت إسرائيل عملية غزو للبنان وصمدت بيروت أمام ذلك العدوان الهمجى قرابة الأشهر الثلاثة، ولم يستدع هذا الغزو وذلك الصمود انعقاد قمة عربية، ولم تنعقد القمة إلا بعد أن دخلت القوات الإسرائيلية بيروت بعد أن انسحبت منها قوات المقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات حفاظاً على ما تبقى من المدينة، وعندما انعقدت القمة فى سبتمبر فى فاس أتت بمبادرة للسلام مع إسرائيل تضمنت مزيداً من التنازلات العربية مقارنة بالموقف العربى آنذاك! والأعجب أن قرارها المتعلق بلبنان جاء دون المستوى المطلوب بكثير، فقد قررت القمة وضع استراتيجية عربية شاملة تهدف إلى منع إسرائيل من العدوان! ووضع تصور لمواجهة العدوان الإسرائيلى «إذا ما وقع»! (كانت إسرائيل آنذاك تحتل لبنان بطبيعة الحال)، وكلفت القمة هيئة مصغرة من ممثلى الدول تعكف فوراً مع الأمين العام على وضع مشروع لهذه الاستراتيجية لعرضه على مجلس الجامعة فى دورته العادية التالية، لكن هذه الاستراتيجية لم يأت لها أى ذكر لاحقاً ولم توضع أبداً، وفى 2003 وقع الغزو الأمريكى للعراق وكانت قمة شرم الشيخ قد اتخذت قبل وقوع الغزو بأيام موقفاً جيداً ضد التهديدات الأمريكية للعراق ومحاولات تغيير نظامه لكن غزو العراق فعلاً واحتلاله لم يستدع أن تدعو أى دولة إلى عقد قمة استثنائية لمواجهة هذه الكارثة مع أن بروتوكول دورية القمة الملحق بميثاق الجامعة العربية ينص على إمكان عقد قمم استثنائية بدعوة من إحدى الدول الأعضاء أو الأمين العام حال حدوث مستجدات تمس الأمن العربي، ولم يكن هناك ما هو أخطر من احتلال دولة عربية رئيسية بوزن العراق، وقد كانت مشروعات إسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن دافعاً لأن يدعو عبد الناصر إلى القمة الشهيرة فى القاهرة فى 1964 التى انعقدت بعد أيام قليلة من دعوته ولم تتغيب عنها دولة واحدة ولا قائد واحد سوى الملك الليبى الذى أناب عنه ولى عهده لمرضه. وعندما وقع العدوان الإسرائيلى على لبنان فى 2006 اعتبر بعض الدول العربية أن «حزب الله» هو المسئول عنه بسبب عملية المقاومة الجريئة التى قام بها باعتبارها مغامرة غير محسوبة تعرض أمن لبنان والدول العربية للخطر وطالب هذا البعض «حزب الله» بأن يجد مخرجاً من الأزمة، غير أن اليمن إحساساً بخطورة العدوان وتداعياته دعا إلى قمة طارئة لكنه لم يتمكن من جمع سوى ثلاث عشرة موافقة على انعقادها بينما النصاب المطلوب هو خمس عشرة موافقة، واضطُر اليمن لسحب دعوته بعد أن وجد أنها أصبحت سبباً فى انقسام عربى ما أغنانا عنه فى هذه الظروف، ولاحقاً أفضى صمود المقاومة لما يزيد على الشهر دون أن تتمكن إسرائيل من تحقيق أى إنجاز سوى تدمير واسع فى لبنان وخسائر فادحة فى الأرواح إلى وضع نهاية مشرفة لهذا العدوان جعلت من انعقاد القمة أمراً ثانوياً خاصة وأن مقولة «الإعداد الجيد» لها كانت قد طُرحت وهى كما أثبتت الخبرة آلية مضمونة لتعويق انعقادها، ومع العدوان الإسرائيلى على غزة فى نهاية 2008 ومطلع 2009 زايدت الدوحة بالدعوة لقمة استثنائية وكانت حجة الرافضين لانعقاد تلك القمة تركز على قرب انعقاد القمة الاقتصادية الاجتماعية الأولى فى الكويت ومن ثم فإن انعقاد قمتين عربيتين فى توقيتين متقاربين من شأنه أن يسبب إرباكاً للقادة المشاركين فى القمتين ولذلك لم تحصل الدعوة القطرية على الأغلبية المطلوبة فعُقدت «قمة تشاورية» فى الدوحة، وهو الاسم الذى يُطلق على القمم التى لا يتوافر فيها شرط الدورية أو الاستثنائية أى حصول الدعوة إليها على أغلبية الثلثين، واللافت أن قرارات هذه القمة التشاورية لم تخرج على مألوف القمم العربية فى استخدام عبارات الإدانة والانزعاج وتحميل المجتمع الدولى مسئولياته ومطالبته بالتحقيق فى جرائم إسرائيل وما إلى هذا، وللأمانة فإن الجديد الوحيد الذى أتت به القمة هو قطع موريتانيا علاقتها الغريبة أصلاً مع إسرائيل. ليس تجاهل «قمة الظهران» العدوان الثلاثى على سوريا بالأمر المستجد إذن على القمم العربية، وسوف تبقى هذه الظاهرة للأسف مادام بقى انقسام العرب وعدم اتفاقهم على مفهوم موحد لأمنهم القومي. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد يوسف أحمد