فى حياة الأمم والشعوب أيام لا تنسى مهما طال عليها الزمن ومهما مر بها من أحداث... ويعتبر الخامس والعشرون من أبريل عام 1982 يوما خالدا فى وجدان الشعب المصرى. فمنذ فجر التاريخ ومصر الحرة الأبية ترفض استمرار أى احتلال أجنبى على أراضيها وتتصدى لجميع الغزوات والحملات العسكرية حتى أصبحت على مر التاريخ مقبرة للغزاة والمعتدين. ولقد جسدت حرب أكتوبر 73 الملحمة الكبرى التى أبرزت وحدة وإصرار الشعب المصرى بأكمله قيادة وشعبا على رفض هزيمة يونيو 1967 وتحرير الأرض المغتصبة. وقد مهد انتصار مصر العظيم فى حرب أكتوبر لدخولها فى معركة السلام لاستعادة كل شبر من الأرض المصرية التى احتلتها إسرائيل فى عام 1967. بدأت أولى جولات معركة السلام بالمفاوضات بين الجانبين المصرى والاسرائيلى والتى عرفت بمفاوضات الكيلو 101 فى أوائل 1974, أعقبتها اتفاقيتا فض الاشتباك الأولى والثانية فى عامى 1974و1975. وفى نوفمبر 1977 قرر الرئيس الراحل أنور السادات أن يزور القدس من أجل السلام وتوجه إلى اسرائيل التى كانت تحلم بالسلام مع مصر، لأنها أدركت أن منطق القوة لا يقابله إلا القوة, وأن هذه الزيارة لم يكن لها أن تتم إلا بعد أن أكدت مصر قدرتها العسكرية وتحقيقها لنصر أكتوبر العظيم. وبالفعل بدأت القوات الإسرائيلية والمستوطنون اليهود فى الجلاء والانسحاب من أرض سيناء بعد أن كانوا يظنون أنهم لن يرحلوا منها أبدا, وتحررت سيناء فى الخامس والعشرين من ابريل عام 1982, ولكن قبل الانسحاب النهائى من سيناء تمت إثارة مشكلة الحدود الخاصة بطابا وادعت اسرائيل ملكيتها. وأعلنت مصر موقفها الثابت بعدم التنازل عن شبر واحد من سيناء وأن أى خلافات لابد أن تحسم طبقا للمادة السابعة من اتفاقية السلام التى تنص على انسحاب اسرائيل بكل قواتها المسلحة وسكانها المدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية لفلسطين فى أثناء الانتداب البريطاني. أدركت مصر أن اسرائيل تطمع فى طابا التى لا تزيد مساحتها على 850 مترا مربعا ولكنها تتميز بموقع استراتيجى يمثل أهمية عظمى للأمن القومى المصرى، إذ تشرف هذه المدينة الصغيرة على ثلاث دول هى: السعودية و الأردن وإسرائيل. وبدأت مرحلة المفاوضات التى استغرقت ما يقرب من أربع سنوات, من ابريل 1982 إلى أن وصلت فى 13 يناير 1986 الى طريق مسدود. واستقر الرأى على اللجوء إلى التحكيم الدولى فى 11 سبتمبر 1986, وتشكلت لجنة التحكيم الدولية من خمسة أعضاء برئاسة السويدى الجنسية لاجرى جيرن وهو ذو خبرة طويلة فى النزاعات الحدودية وعضوية سويدى آخر وفرنسى. ومن الجانب المصرى دكتور حامد سلطان أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى عضو من الجانب الاسرائيلى. وتم تشكيل اللجنة المصرية للدفاع عن طابا المصرية والتى ضمت فى عضويتها عددا من كبار علماء التاريخ والجغرافيا والمساحة والخبراء العسكريين. وتمكن الفريق المصرى بجهوده وحكمته من تأكيد أحقية مصر التاريخية والجغرافية فى منطقة طابا وأمام صلابة وقوة حجة هيئة الدفاع المصرية أصدرت المحكمة الدولية قرارها التاريخى بعودة طابا الى أحضان مصر فى 29 سبتمبر 1988. وتم رفع علم مصر فوق طابا المصرية فى عام 19 مارس 1989 بعد معركة سياسية ودبلوماسية شاقة استمرت لأكثر من 7 سنوات. من أجل ذلك تشهد سيناء حاليا نهضة حضارية ضخمة شملت المجالات الصناعية والزراعية والاجتماعية والسياحية كافة، وقد رصدت لها الدولة ميزانية ضخمة تليق بحجم الإنجازات المراد تحقيقها على أرض سيناء. وقد تم تدعيم جهود التنمية فى سيناء وربطها بالوادى من خلال نفق الشهيد أحمد حمدى وكوبرى السلام على ارتفاع 70 مترا فوق القناة، بالإضافة إلى عدد 6 ستة أنفاق أخرى، وكذا العديد من مشروعات البنية الأساسية من كهرباء وطرق ومياه وصرف صحى وتطوير ميناءى نويبع والعريش وتطوير السياحة بها, ولتصبح سيناء من أهم مصادر الدخل القومى لمصر, فضلا عن أن السفر إليها والتحرك خلالها أصبح ميسورا برا وبحرا وجوا وعبر وسائل النقل السريع. إضافة إلى تحقيق حلم الذين عبروا وحققوا الانتصار فى حرب أكتوبر 73 المجيدة، ولمن ارتوت رمالها بدمائهم وهم يدافعون عنها من أجل أن تكون سيناء جنة للأجيال الحالية والقادمة، وليبقى الإنسان المصرى فيها متماسكا يزداد قوة وصلابة عبر الزمن بإذن الله. لمزيد من مقالات ◀ الفريق زاهر عبد الرحمن