على مدى عدة عقود تباهى المسئولون فى الحكومة الصينية بأن سياسة الطفل الواحد، نجحت وأزالت بشكل كبير الضغط على الاقتصاد الوطنى، إلا انه بالرغم من هذا النجاح فان هذه النتائج الرائعة على حد وصفهم جاءت على حساب حقوق الإنسان وحريته فى الإنجاب، ولا سيما أن العائلات التى خالفت تلك السياسة تعرضت لعقوبات قاسية مثل الغرامات المالية الكبيرة والإجهاض القسرى.غير أن هذا الوضع أخذ طريقه إلى التغيير الآن بعد أن أصبحت قضية الإنجاب فى الصين تشغل حيزا كبيرا من اهتمام الحزب الحاكم، وذلك عندما أفاقت الحكومة فى السنوات الأخيرة على كابوس ارتفاع معدلات الشيخوخة ونقص العمالة المؤهلة لدعم النمو الاقتصادى، وهو الأمر الذى دفع الصين للشروع فى القيام بتجربة أخرى للتأثير على التركيبة السكانية بعد أن سمحت لمواطنيها بإنجاب طفلين منذ عام 2016 , وهو ما جعل البعض ينتظر بسعادة بالغة قدوم عضو جديد إلى العائلة، فى حين أن البعض الآخر لايزال مترددا بشأن ذلك . وبالرغم من اعتبار البعض هذا التغيير خطوة نحو مزيد من الحرية فى حق المواطن فى الإنجاب لمرة ثانية, جاءت المفاجأة على خلاف التوقعات بعد اتباع السياسية الجديدة التى لم تحقق المرجو منها, فقد كانت الحكومة الصينية تأمل فى أن تجلب هذه السياسة ثلاثة ملايين مولود إضافى سنويا حتى عام 2020، ومن ثم إضافة أكثر من 30 مليون عامل إلى قوة العمل بحلول عام 2050. غير أن معدلات الإنجاب فى العامين الماضيين لا تشير إلى تحقيق أى طفرة، وهو ما عززته الأرقام الصادرة خلال الأشهر الماضية حيث انخفض معدل المواليد بنسبة 3.5 % فى عام 2017 مقارنة بعام 2016 وهو العام الأول لتطبيق السياسة الجديدة، وهو معدل أقل بكثير مما كانت تأمله الحكومة بعد أن بات الطفل الثانى يمثل فقط 50% من معدلات المواليد، وبذلك فإن ما تتوقعه الحكومة أصبح من الصعب تحقيقه على ارض الواقع . ويمكن القول أن سياسة الطفل الواحد كانت بمنزلة سيف ذى حدين، تمثل الحد الأول فى أنها أدت إلى السيطرة على النمو السكاني، أما الحد الثانى فتمثل فيما خلفته من كثير من التداعيات السلبية على المستوى الوطنى مثل «متلازمة الطفل الواحد» و«خلل التوازن بين الجنسين» والذى تتوقع من خلاله الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن 24 مليون رجل أو أكثر لن يتمكنوا من العثور على زوجات صينيات بحلول عام 2020. إضافة إلى ارتفاع نسبة الإعالة للمسنين فى المجتمع إلى 17% هى نسبة من المتوقع أن تصل إلى 34.9% فى 2050. وعلى ضوء هذه الأرقام فإن ناقوس الخطر ينذر باختلال التركيبة السكانية التى ستصبح عليها الصين مستقبلا، الأمر الذى سيؤثر بطبيعة الحال على الخريطة الاجتماعية حيث سيتزامن انخفاض معدلات المواليد مع ارتفاع معدلات الشيخوخة لتتحول الصين من دولة فتية إلى دولة عجوز مما يتطلب من الحكومة بذل المزيد من الجهود لتشجيع المواطنين على الاتجاه لاتخاذ خطوة الإنجاب مرة ثانية، من خلال اتخاذ إجراءات حاسمة تجعل المواطن يشعر بالاطمئنان وتقضى على قلقه من جراء اتخاذ تلك الخطوة، حيث يعود التراجع فى معدلات الإنجاب إلى غلاء الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة الذى تسبب بطبيعة الحال فى تأخر سن الزواج . ويعود عزوف كتلة كبيرة من النساء عن اتخاذ قرار إنجاب طفل ثان ولا سيما نساء المدن والمتعلمات للإرث التاريخى الذى سببته الحكومة من جراء إتباع سياسة الطفل الواحد، حين أجبرت الحكومة العديد من النساء على إجراء عمليات الإجهاض والتعقيم القسرى للسيطرة على أعداد المواليد . وقد جاء فى استطلاع للرأى أجراه «اتحاد النساء فى الصين»، مؤخرا أن أكثر من نصف الأسر التى لديها طفل واحد ليس لديها رغبة فى إنجاب طفل ثان، ولا سيما الأمهات العاملات، نظرا لما يتحملنه من أعباء إضافية كى يحافظن على عملهن وأداء واجبتهن المنزلية وبالتالى فإن تربية طفلين يعد أمرا مرهقا بالنسبة لهن. كما أشار الاستطلاع أيضا إلى أن 70 % من الآباء مترددون فى اتخاذ هذه الخطوة نظرا لأوضاعهم المالية . وعبر العديد من الأزواج عن قناعتهم بان توفير الحياة الكريمة للأطفال ومنحهم فرصة للتعليم فى ظل محدودية الموارد المتاحة يصبح أسهل كلما كان هناك طفل واحد وهو ما يحد من حماسة العائلات تجاه اتخاذهم هذه الخطوة التى تريدها الحكومة الصينية .وتدعم آراء المحللين وجهة نظر الآباء بشأن إنجاب طفل ثان باعتبارها ليست فى صالح الأسر الفقيرة وإن القانون الجديد الذى اتخذته الحكومة لن يسهم سوى فى إضافة المزيد من الأعباء على المواطن الذى أصبح المعيل الوحيد للأسرة التى تتكون من زوجين وطفل واحد و 4 مسنين أبويه وأجداده - إلى جانب ضغوط العمل كما أنه بازدياد الاعتماد على الحفيد تترتب أمور عديدة سواء معنوية أو مادية الأمر الذى يثقل كاهل الشاب الصينى مستقبلا ويجعله ينأى بنفسه عن فكرة تكوين أسرة جديدة . ومن جهتها تحاول الدولة بذل المزيد من الجهود كى تشجع المواطنين على اتخاذ خطوة إنجاب الطفل الثانى من خلال قيامها بإحلال اللجنة الوطنية للسكان، وتنظيم الأسرة بلجنة وطنية جديدة للصحة، إضافة إلى أن الحكومة تعتزم أيضا رفع قيمة ضريبة الدخل الشخصية وخلق استقطاعات فى المصروفات لبنود مثل تعليم الأطفال وعلاج الأمراض الخطيرة، حيث تعد مشكلة الإنفاق على التعليم من أكثر المعوقات التى تقف أمام إنجاب طفل ثان، فالكثير من الأسر تنفق ما يمثل ثلث دخلها على التعليم .كما وافق المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى على زيادة الدعم للتعليم للتخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل الأمهات، وكذلك تكثيف الإشراف على معاهد رعاية الطفل من خلال تعزيز التنمية المتكاملة للتعليم الإلزامى فى المناطق الريفية والحضرية .