يبدو أن المواطن الأوروبي وليس الألماني فقط بدأ يضيق ذرعا بوجود المسلمين علي أراضيه فقد انتهي شهر العسل الذي بدأ عقب ثورات الربيع العربي ..وهدأت مشاعر التعاطف وخفتت لافتات الترحيب ..وبدأ قطاع عريض منهم يطالب الأحزاب والحكومات باتخاذ مواقف أكثر تشددا تجاه المسلمين لدفعهم إلي الرحيل..وهذا بالفعل ما أدركته الأحزاب الكبري في ألمانيا حيث بدأت في تغيير بوصلتها وفقا لاتجاهات رأي المواطنين التي باتت تميل إلي الأحزاب ذات الطابع اليميني الراديكالي.. ولذلك تشهد الولاية الرابعة من حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تغييرا في الخطاب السياسي للعديد من الأحزاب بهدف مغازلة أصوات الناخب اليميني الذي تسبب في صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتطرف إلي صدارة المشهد السياسي محققا 13% من عدد المقاعد ليصبح ولأول مرة في تاريخ ألمانيا ثالث أكبر الأحزاب . ولم تكن التصريحات الأخيرة التي أطلقها وزير الداخلية في الحكومة الجديدة هورست زيهو فرحول أن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا إلا مؤشرا خطيرا علي بدء تدشين مرحلة جديده من الخطاب السياسي في تلك الدولة التي تتباهي أمام العالم بأنها لا تسمح بالمساس بالأديان أو حقوق الإنسان العقائدية، وكان من الممكن أن تمر هذه التصريحات دون أن تحدث هذه الضجة أو « الفضيحة» كما وصفها حزب الخضر.. لو كانت صدرت من قيادي في حزب البديل الذي يتبني هذا النهج منذ تأسيسة في فبراير 2013 ولكن أن تصدر عن رئيس الحزب المسيحي البافاري الحليف والداعم الرئيسي للحزب المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية ميركل هنا كان لابد وأن تقوم الدنيا ولا تقعد. وعلي الرغم من ان ميركل حاولت تهدئة الغاضبين من الأحزاب والمعتدلين والمسلمين الذين يصل عددهم إلي ما يزيد علي 4 ملايين مسلم وأصدرت تصريحا بأن «الإسلام جزءا من ألمانيا» إلا أن زيهوفر رفض هذه التصريحات وأصر علي رأيه بأن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا وأنه علي المسلمين أن يعيشوا معنا وليس بجانبنا أو ضدنا.. الغريب هنا أن المراقبين رصدوا أن العبارات التي استخدمها زيهوفر جاءت من البرنامج الانتخابي الذي دخل به «حزب البديل من أجل ألمانيا» الانتخابات التشريعية التي جرت قبل ستة أشهر وحقق فيها مكاسب كبيرة..حيث جاء فيه أن الإسلام «لا ينتمي إلي المانيا.» وطالب بمنع ارتداء الحجاب في الخدمة العامة..ومنع الأذان في المساجد بالإضافة إلي منع تدريس الإسلام في المؤسسات التعليمية الحكومية. وما يعزز وجود اتجاه لدي الأحزاب لتغيير موقفها من الاعتدال إلي الميل نحو التطرف الراديكالي تجاه بعض القضايا الحساسة أن رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف ميركل المسيحي فولكر كاودر أيد تصريحات زيهوفر كما دافعت أيضا وزيرة الزراعة يوليا كلوكنر عن زيهوفر ودعت إلي التفريق بين انتماء المسلمين والإسلام لألمانيا، وقالت السياسية المنتمية لحزب ميركل المسيحي الديمقراطي إن جذورنا مسيحية-يهودية، لكن بالطبع ينتمي إلينا أفراد من العقيدة الإسلامية». واقع الحال يقول إن هناك كثيرا من القادة السياسيين يتفقون في هذا الرأي..والحقيقة هنا التي لا يجب إغفالها والتي اتفق عليها جميع المحللين أن الناخب الألماني نفسه هو الذي رسم خارطة الطريق لكافة الأحزاب التي تريد أن تجلس في مقاعد الأغلبية.. بل إنه وضع خطا فاصلا بين مرحلتين مرحلة ألمانيا قبل سبتمبر 2017 ، التي جرت خلالها الانتخابات التشريعية ومرحلة ما بعدها.وذلك حينما تخلي عن اعتداله وصوت أمام صناديق الاقتراع لصالح حزب يميني «البديل من أجل ألمانيا» وأدخله إلي البرلمان دخول أكثر من مليون ونصف المليون مسلم إلي الأراضي الألمانية ما أدي إلي وجود خوف متزايد من تغيير هوية وثقافة الدولة التي أوضحها زيهوفر بأنها قائمة علي المسيحية..وهذا ما يفسر أيضا أن هناك أكثر من ألف مسجد بألمانيا تعرضت للهجوم خلال العام الماضي فقط بخلاف الهجوم المسلح ضد اللاجئين المسلمين بعض الأحزاب تحاول بالفعل استغلال ملف المسلمين لحصد أصوات الألمان اليمينيين لمنافسة حزب البديل من أجل ألمانيا وهو الحزب العنصري المتطرف الذي بُني علي العداء ليس للمسملين والإسلام فقط بل للقيم الإنسانية التي أُسس عليها الدستور الألماني. ويقول المراقبون هنا إن العالم الغربي وليست ألمانيا وحدها تعيش الآن حالة من «الإسلاموفوبيا» وهو الخوف من المشاعر المتطرفة التي صدرها التكفيريون والجماعات المتطرفة إلي العالم خلال السنوات الماضية، وكل هذا يفسر أيضا أن الأحزاب السياسية في كل من ايطاليا وفرنسا وهولندا وكل الدول الأوروبية لجأت إلي استخدام نفس الخطاب أو خطابات متشابهة في الحملات الانتخابية من أجل الحصول علي أصوات من دوائرها الانتخابية.
ولذلك نجد الحكومة الألمانية التي تشكلت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية قد بدأت في اتخاذ إجراءات متسارعة نحو التخلص من اللاجئين فبعد أيام قليلة فقط من أدائه اليمين الدستورية كوزير للداخلية أعلن هورست زيهوفر عن عزمه اتخاذ نهج متشدد تجاه اللاجئين ، وأعلن عن خطته لدفع وتيرة ترحيل اللاجئين..وأيدته بالطبع ميركل في هذه الخطوات. بالطبع لا تخفي الحكومة الألمانية انزعاجها من ارتفاع رقم المسلمين الذين لجأوا اليها، ولذلك لجأت الحكومة إلي إطلاق حزمة من الإجراءات لدفعهم إلي الرحيل عن أراضيها وصلت إلي رصد وزارة المالية لمبلغ 500 مليون يورو سنويا ضمن برنامج «العودة طواعية» والذي يحصل فيه اللاجئ علي 3000 يورو نظير عودته إلي بلاده. هذه الإجراءات التي اتخذتها ألمانيا ودول أوروبا للتخلص من المسلمين من المتوقع أن تزداد وتيرتها خلال الفترة المقبلة وعلي العرب والمسلمين أن يدركوا جيدا أنهم لن يكونوا يوما جزءا من هذه الدول التي ما زالت لا تعترف بحقوق الآخرين ، وتعيش للأسف أسيرة وراء قضبان ما يسمي بصراع الحضارات.