بالصور.. كنيسة رؤساء الملائكة تحتفل بأحد الشعانين    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. أسرة محمد صلاح ترفض التدخل لحل أزمته مع حسام حسن    اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في عدد من الجامعات الأمريكية    الزمالك يسعى لخطف بطاقة التأهل أمام دريمز بالكونفيدرالية    عاجل.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة عن انتقال صلاح لهذا الفريق    الفرح تحول لجنازة.. تشييع جثامين عروسين ومصور في قنا    حالة الطقس اليوم الأحد ودرجات الحرارة    الأزهر: دخول المواقع الإلكترونية المعنية بصناعة الجريمة مُحرَّم شرعاً    البنوك المصرية تستأنف عملها بعد انتهاء إجازة عيد تحرير سيناء.. وهذه مواعيدها    عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    كينيا: مصرع 76 شخصًا وتشريد 17 ألف أسرة بسبب الفيضانات    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاركة واسعة للقادة العرب فى قمة الرياض والأولوية للقضية الفلسطينية
أحمد أبوالغيط أمين عام جامعة الدول العربية ل « الأهرام »: السيسى نجح فى استعادة الدور المصرى بعد «تسونامى الربيع العربى»
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 04 - 2018

أحمد أبوالغيط أمين عام الجامعة العربية فى حوار مع رئيس تحرير «الأهرام»:
قمة الرياض دَفعة جديدة للعمل العربى المشترك
التطورات تضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات القمة العربية
ما تواجهه المنطقة من أخطار وتحديات فى الفترة الحالية غير مسبوق فى التاريخ الحديث
السيسى أحد البنائين العظام وآثار بصماته القوية ستمتد عشرات السنين
ميزانيتنا محدودة ومن يروج أن الجامعة وصلت إلى طريق مسدود لا يستهدف المصلحة العربية

تجربة الإسلام السياسى «ثقب أسود» كان يستهدف إعادة العرب للعصور الوسطى
ميزانية الجامعة العربية محدودة ولا تقارن بميزانيات نظيراتها من المنظمات الإقليمية
التمدد الإيرانى تهديد واضح للأمن القومى العربى والاختراق التركى ستكون له تداعيات طويلة الأمد على الدولة الوطنية
الدول العربية لا ترغب فى وجود توتر مع طهران وأنقرة والتصعيد الإيرانى الأخير قد يُدخل المنطقة إلى منعطف خطير
ليس مطلوبا من مصر أن تتصدى للخطر نيابة عن المنطقة وأرى ضرورة وجود ائتلاف عربى داعم لرؤيتها لتحقيق التوازن
مازلنا نعيش آثار التداعيات الكارثية لما سمى بالربيع العربى وأبرز تحدياته تهديد الدولة الوطنية
الدول العربية خسرت نصف تريليون دولار فى آخر سبع سنوات ومتطلبات إعادة الإعمار تفوق ال700 مليار
بناء مصر القوية يستلزم تعظيم الإنتاجية وتحقيق الانضباط والقضاء على الإرهاب وتغيير أنماط الفكر والثقافة
المنطقة تتعرض لتحديات من أربع جهات إقليمية ولا بديل لمواجهتها عن ائتلاف عربى تحت رعاية الجامعة العربية
المنطقة العربية تعانى من فراغ إستراتيجى منذ صدمة غزو الكويت وتطورات 2011 هى القشة التى قصمت ظهر البعير

السطور التالية ليست جزءا من حوار تقليدى سعت «الأهرام» إلى أن تجريه مع الأمين العام للجامعة العربية د. أحمد أبو الغيط. صحيح أن معطيات التحضير للقمة العربية التاسعة والعشرين، التى تجرى على قدم وساق فى أروقة الجامعة وإداراتها المتخصصة، من أجل إنجاح القمة المرتقبة المقرر عقدها بالعاصمة السعودية الرياض منتصف الشهر الحالى، كانت تفرض إجراء مثل هذا الحوار مع الرجل المكلف بإدارة المنظمة العربية الجامعة، لفتح العديد من الملفات الإستراتيجية والمهمة قبيل التئام القمة، لكننا أردنا أن يكون الحوار شاملا ومختلفا، والحقيقة أن الرجل كان يرغب فى ذلك أيضا، فلم يشأ أن تكون إجاباته عن تساؤلاتنا، التى طرحناها عليه بقدر كبير من المصارحة عادية ونمطية.
انحاز الأمين العام فى حواره مع «الأهرام» إلى الخيار الأصعب وهو المكاشفة، وهو خيار يتسق إلى حد كبير مع تاريخ أحمد أبو الغيط الطويل والحافل فى مدرسة الدبلوماسية المصرية الوطنية المتفاعلة بقوة مع دائرتها الأولى العربية، فضلا عن اقترابه الشديد من دائرة صنع القرار فى مصر، ناهيك عن ثقافته الواسعة وإلمامه بحركة التاريخ ورموزه المؤثرين فى مساراته.
يستحق أحمد أبو الغيط عن جدارة لقب خازن الأسرار فى دفتر أحوال العرب، وهو الأمر الذى جعله أكثر نزوعا لتبنى الحقائق، وتجنب المواربات، بالإعلان الواضح دائما عن جوهر المواقف، خصوصا فيما يتصل باللحظة العربية الراهنة، وهو رغم ما يواجه الأمة من تحديات، وما يحيطها من مخاطر لم يفقد فى يوم الأمل فى استعادة الحالة العربية زخمها واختراق أوجاعها عبر شروط يعتبرها ضرورية وموضوعية للخروج من هذا المأزق.
فى مكتبه بالطابق الثانى من مبنى الأمانة العامة للجامعة، على بعد خطوات من ميدان التحرير، دارت وقائع هذا الحوار، مع سعادة الأمين العام، بحضور المتحدث الرسمى والوزير المفوض باسمه محمود عفيفى، وكان الأمين العام قد استقبلنا خارج مكتبه، بابتسامة بعثت كثيرا من الارتياح والاطمئنان، ليدور بعدها الحوار، ممتدا خلال نحو ساعتين، أجاب خلالهما أحمد أبو الغيط على كثير من الأسئلة بعقل منفتح ورغبة خالصة فى توضيح كثير من حقائق الأمور.
أحمد أبو الغيط فى أثناء الحوار مع رئيس تحرير الأهرام
معالى الأمين العام، نشكرك على هذا اللقاء، ونود أن نبدأ أولا من الشأن المصرى.. كيف تقرأ فوز الرئيس عبد الفتاح السيسى بفترة رئاسية ثانية ؟
من واقع متابعتى لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومن واقع ما يفعله ويقوم به من تحولات نوعية فى مصر، فإننى أستطيع القول إنه أحد البنائين العظام الذين أضافوا وسيضيفون إلى المجتمع المصرى بصمة كبيرة وقوية سوف تمتد آثارها لعشرات السنين، بل لن أكون مبالغا إذا قلت إنها سوف تمتد لعقود وربما لقرون، خصوصا على صعيد البنية، وهو ما سيمثل إضافة تماثل كل ما حققه القادة العظام لمصر فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين. إننى مؤمن بذلك تماما، لكنى أرى فى الوقت ذاته أن مصر خلال فترة الولاية الثانية للرئيس السيسى فى حاجة إلى برنامج شامل وصارم لمحو الأمية بشكل نهائى، وهو ما أدعو إليه بقوة، وإذا ما تحقق هذا الهدف فسوف يمثل إضافة مشهودة تاريخيا للرئيس السيسى، الذى أثق تماما فى قدرته على إنجازه.
وثمة أمر آخر أتطلع إلى إنجازه، وهو يتعلق بالعشوائيات، وقد نجحت الدولة فى قطع شوط كبير منه، لكنها إذا نجحت خلال السنوات الأربع المقبلة فى أن تعيد تنظيم وترتيب المجتمع المصرى على نحو يضع هذه العشوائيات فى حجمها المضغوط فإنه سيشكل بالضرورة إضافة كبرى، فضلا عن نتائجه فى تجويد أسلوب الحياة للمواطن المصرى، والمطلوب هنا وبإلحاح التنفيذ الكامل والصارم للقوانين، التى وضعت بالأساس لكى تطبق وتنظم أحوال المجتمع.
إلى أى مدى تعتقد معالى الأمين العام أن مصر استعادت دورها الإقليمى والعربى خلال السنوات الأربع المنصرمة؟
= عودة الفعالية للدور العربى لمصر، تمت بالفعل خلال السنوات الأربع الماضية، فى وقت تعرضت فيه الدولة المصرية لمصاعب كبرى، خصوصا خلال الفترة من العام 2011 وحتى العام 2013، وقد ألقت تلك الفترة بظلال كثيفة على مصر، وعلى نحو وضعها فى حالة لا تحسد عليها، فى مواجهة ما يمكن وصفه ب «تسونامى» غير مسبوق فى الوضعية العربية، وهنا أود أن أقول إنه ليس مطلوبا من مصر أن تتصدى للخطر نيابة عن المنطقة لكى تعيد ضبط إيقاعها، لأن مواردها وإمكاناتها لا تمكنها من مواجهة كل هذه التداعيات المتفاعلة من الشعوب والقوى الإقليمية والقوى الكبرى، وبالتالى أنا من المؤمنين شخصيا بأن بناء مصر القوية، وهو ما يجرى حاليا بتميز، من شأنه أن يعيد لمصر قدرتها على تفعيل دورها على صعيد الفكر والثقافة والقوة الناعمة، وقد شاركت فى حوارات وجلسات كثيرة، مع مجموعة من الكتاب والصحفيين والمفكرين دارت كلها حول ضرورة انطلاق مصر واستعادة فعاليتها العربية فى محيطها الإقليمى، وقلت لهم إن هذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال حزمة من الخطوات، تبدأ بتقوية الاقتصاد، وتعظيم الإنتاجية وبناء قوة المواطن، وتحقيق الانضباط، والقضاء على الإرهاب، وتغيير أنماط الفكر والثقافة، التى يجب أن تتطور فى اتجاه يتناسب مع القرن الحادى والعشرين والمؤكد أن مصر لها دورها، فهى دولة كبيرة جدا فى المنطقة العربية، غير أن المنطقة تتعرض لهزات شديدة منذ أكثر من سبع سنوات، وأنا أتساءل: هل هناك وضع يشابه أو يعادل ما يحدث الآن فى المنطقة العربية فى مراحل تاريخية سابقة؟، والإجابة أن الوضع الحالى غير مسبوق. صحيح أن المنطقة سقطت فى القرن الخامس عشر الميلادى، فى قبضة الاحتلال العثمانى الذى استطاع أن يفرض نفسه، لكن دون هذا القدر الهائل من تدمير بنية المجتمعات، بينما ما جرى -وللأسف ما زال يجرى- هو تدمير كامل لمدن ومجتمعات، وإطلاق طاقات من الغضب والعفن على نحو لم يحدث من قبل، وفى تقديرى أن مصر ستتجاوز هذا الوضع وسيكون لها تأثيرها وهى لم تفقد هذا التأثير حاليا، لكن يجب أن تدعمها قاعدة سياسية من القوى العربية التى تؤمن بنفس منهجها ورؤيتها.
لكن ألا تعتقد أن استعادة مصر لدورها بصورة أكثر فعالية فى محيطها العربى من شأنه أن يسهم فى التصدى للتدخلات الإقليمية فى المنطقة وهى كثيرة وعميقة ؟
المؤكد أن ثمة تدخلات عميقة للغاية من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى الشأن العربى، وهذه حقيقة لا ينبغى الاستهانة بها، فبعض القادة والمسئولين فيها يتحدثون عن الهيمنة والسيطرة على القرار فى أربع عواصم عربية، ويقولون إن إيران تمتد بنفوذها ووجودها المادى، فى مساحة من الأرض تمتد ما بين الحدود الإيرانية فى الشرق إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط فى الغرب، وهو ما ينطوى على خطورة بالغة وتهديدات واضحة للأمن القومى العربى، أما فيما يتصل بتدخل تركيا فإننى أحيانا أتفهم دوافعها التى تقوم على أساس رفض وجود كيانات كردية مستقلة على حدودها الجنوبية، وهذا أمر مفهوم، لأن هذه الكيانات تهدد وحدة الأراضى التركية، ولكنى أتفهم فى المقابل وبدرجة أكبر أن هذه الكيانات الكردية سوف تهدد أيضا الدولة الوطنية سواء فى العراق أو سوريا، ومن هنا أقول إن لدى قدرا من التفهم للدوافع التركية فى محاولة منع ظهور هذه الكيانات حتى باستخدام القوة، بيد أن ما أحذر منه وأؤكد عليه هو أن الاختراق التركى للأرض العربية لا يجب أن تكون له تداعيات أو تأثيرات طويلة الأمد على الدولة الوطنية العربية، وبالتالى تتجلى الأهمية القصوى للتصدى للتحركات التركية الحالية. ومصر لا ينبغى أن تتحرك فى مواجهة هذه التدخلات بمفردها، وإنما يتطلب الأمر ضرورة أن يكون هناك ائتلاف من قوى عربية داعم للرؤية المصرية لتحقيق التوازن فى العلاقة ما بين المنطقة العربية والجوار القريب، وهذا الائتلاف يجب أن يضم إلى جانب مصر كلا من الملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الأردن والمغرب، لاسيما أن هذه المنطقة تتعرض لتحديات من أربع جهات إقليمية هى إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا، ويمكن أن تنطلق جهود هذا الائتلاف من خلال الجامعة العربية، باعتبارها الحاضنة لهذه الدول، وأنا لدى ثقة بأن المستقبل يحمل منظورا جديدا من الجميع تجاه «أولويات الأمن القومى العربى»، خصوصا فيما يتعلق بقضايا الإرهاب والحدود والمياه، والتدخلات الخارجية التى تهدد الإقليم، وقد اتضح لى من خلال عملى أمينا عاما للجامعة على مدى العامين المنصرمين أن ثمة تباينا فى بعض الأحيان بين أولويات وقضايا المغرب العربى وأولويات وقضايا المشرق، خصوصا فيما يتعلق بقضية الإرهاب أو الهجرات عبر الحدود.
هناك تفاؤل فى الشارع العربى ورأى عام يقول إن «قمة الرياض» ستكون مختلفة عن سابقاتها بفعل الظروف الضاغطة على المنطقة العربية.. فهل توافق على هذا الرأى؟، وإلى أى مدى تعتقد أنه بمقدور القادة العرب فى هذه القمة أن يحدثوا تغييرا لافتا فى اتجاه يمكنهم من تجاوز المخاطر المتعددة التى تحيط بالمنطقة العربية ؟
= الحقيقة أن التحديات والأولويات معروفة فى المجمل للرأى العام، سواء فيما يتعلق بالتحديات الموجودة منذ عقود، وعلى رأسها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو تلك التى ترتبط بالأزمات التى نشأت خلال السنوات الأخيرة فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، واتساع دائرة التدخلات الخارجية فى الشأن الداخلى العربي، خصوصا من جانب دولتى الجوار إيران وتركيا، فضلا عن تفاقم تداعيات ظاهرة الإرهاب والتطرف، والجديد فيما يتعلق بقمة الرياض هو وجود مسعى عربى خلال المرحلة الراهنة، فى ظل الإدراك والوعى بمدى خطورة التحديات والتهديدات التى تواجهها الأمة والشعوب العربية ومنظومتى العمل العربى المشترك والأمن القومى العربي، بضرورة استغلال مثل هذه اللقاءات للقادة فى إعطاء قوة دفع جديدة للعمل العربي، للتعامل مع هذه المسائل، والتوصل إلى توافقات وخطط وإجراءات مشتركة عملية بشأنها، ولا شك أن انعقاد القمة فى دولة عربية محورية كالمملكة العربية السعودية سوف يخدم تحقيق هذا الهدف، خصوصا مع توقع أن تكون المشاركة واسعة من قبل القادة العرب فى أعمال القمة.
وأود أن ألفت النظر هنا إلى أن مركز الثقل الحقيقى للقمم العربية يتمثل فى النقاشات وبالدرجة الأولى غير الرسمية التى تشهدها لقاءات القادة خلال كل قمة، والتى تمهد الطريق للتوصل إلى التفاهمات المطلوبة حول كيفية التحرك إزاء هذا الموضوع أو ذاك، وأيضا لإزالة التوترات أو الخلافات التى يمكن أن تكون قائمة، ولدى شخصيا نوع من التفاؤل من إمكان أن تسهم قمة الرياض فى تحقيق زخم جديد تجاه بعض الموضوعات على غرار القضية الفلسطينية على سبيل المثال، خصوصا مع ما شهدناه على مدار الشهور الأخيرة من تحركات عربية نشطة لدعم أبناء الشعب الفلسطينى والقيادة الفلسطينية مع تصاعد الضغوط التى يواجهونها نتيجة المواقف الأخيرة للإدارة الأمريكية، والتصلب المستمر من قبل الجانب الإسرائيلي، والقمة العربية لها نهج محدد، وأحيانا كثيرة متكرر، لأن جدول أعمالها يعد على نمط سابق، والحقيقة أنه حتى هذه اللحظة لم يتقدم طرف عربى بأفكار خارج سياق جدول الأعمال، والذى تم إقراره فى اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية فى السابع من مارس الماضى، لكن ذلك لا يعنى أنه لن يكون ثمة طرح جديد فى قمة الرياض، فربما يتقدم البعض بأطروحات جديدة قبل أيام من انعقادها، أو يتم طرحها أثناء القمة لاستصدار قرار بدراستها لإحالتها إلى القمة التالية.
ما أهم الملفات من وجهة نظركم التى يجب أن تحظى بالتركيز والاهتمام والتعجيل ببحثها وحسمها خلال قمة الرياض؟
يجب أن تحظى القضية الفلسطينية باهتمام كبير خلال القمة وهو أمر تفرضه التطورات التى شهدتها القضية على مدى الشهور الخمسة الأخيرة، نتيجة مواقف الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إضافة لتجميدها جزءا من المساهمة الأمريكية فى ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بما يزيد من معاناة هؤلاء اللاجئين ويحرمهم من خدمات أساسية، مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق أبناء الشعب الفلسطينى وما ارتكبته مؤخرا أثناء تظاهرات يوم الأرض ضد المدنيين العزل، كما ستكون هناك أيضا نقاشات حول ملفى الوقوف أمام الترشيح الإسرائيلى لعضوية مجلس الأمن، والتغلغل الإسرائيلى فى القارة الإفريقية، وذلك فى ضوء نتائج عمل اللجنتين الوزاريتين المكلفتين بالتعامل مع هذين الموضوعين، وهناك أيضا قضية مكافحة الإرهاب والوقوف أمام تيارات التطرف والغلو والتشدد التى تنخر فى عظام هذه الأمة، ونحن نرى أن العراق نجح بعد معركة استمرت لسنوات فى هزيمة داعش على أرضه، ولكن هذا التهديد قائم فى أماكن أخرى من بينها منطقة شمال سيناء، التى يخوض فيها أبناء الجيش المصرى والشرطة معركة بطولية فى ظل ظروف أوضحت الحجم الضخم للموارد المتوافرة لدى العناصر الإرهابية، كما نرى هذه المواجهة أيضا فى ليبيا وسوريا وتونس واليمن فى أشكال مختلفة.
وأتوقع أيضا أن تشهد القمة التركيز بشكل كبير على قضية التدخل الخارجى فى الشأن الداخلى العربي، من جانب دولتى الجوار إيران وتركيا، وبصفة خاصة إيران فى ظل منهجها التصعيدى الحالي، واستخدام الحوثيين الصواريخ الإيرانية لزعزعة أمن المملكة العربية السعودية، ومن ناحية أخرى ستستمر بالطبع النقاشات حول مستقبل احتواء الأزمات فى كل من سوريا وليبيا واليمن، مع استمرار التداعيات السلبية الواسعة لهذه الأزمات.
برنامج الأمين العام
بعد مضى ما يقرب من عامين على توليك منصبك أمينا عاما للجامعة العربية، ما الذى تحقق من برنامجك الذى طرحته على قمة نواكشوط فى يوليو 2016 ؟
كان أحد العناصر الرئيسية التى طرحتها ضرورة العمل على ضمان إعادة انخراط الجامعة العربية فى الأزمات والقضايا العربية الرئيسية، وذلك بعد أن تم تنحية وتجنيب هذا الدور، أو على الأقل خفوته منذ عام 2011، الأمر الذى لم تعد معه الجامعة فى صدارة المشهد فيما يتعلق بالتعامل مع الأوضاع فى كل من سوريا وليبيا على سبيل المثال، بل وقامت بإحالة هذين الملفين بشكل مباشر وصريح إلى الأمم المتحدة، وقد وجدت أنه من الضرورة بمكان تنشيط دور الجامعة فى هذا الصدد، مع الأخذ فى الاعتبار التوازنات الحالية لهذه الملفات، وتعقد وتشابك المصالح لمختلف الأطراف الإقليمية والدولية بشأنها، فنجحنا على سبيل المثال فى تكوين مجموعة رباعية دولية مهمة تضم كلا من الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحادين الإفريقى والأوروبى للتعامل مع الأزمة فى ليبيا، وتوحيد الجهود والرؤى للمنظمات الأربع، وهى تجتمع بشكل دورى فى ظل تنسيق عالى المستوى، كما قمت بتعيين ممثل خاص للتواصل مع الأطراف الليبية والدولية وهو الوزير والسفير التونسى الكفء الدكتور صلاح الدين الجمالي، وقد نجحنا أيضا فى خلق قناة تواصل مستمرة مع المبعوث الأممى دى ميستورا، المعنى بالأزمة السورية، ونحن على تواصل أيضا مع أطراف أخرى رئيسية معنية بالأزمة كالاتحاد الأوروبى وروسيا، وقد عملت أيضا على تنشيط أطر التعاون بين الجامعة العربية والشركاء الدوليين، وقد شهدت الفترة الماضية كثافة ملموسة فى عقد منتديات التعاون على غرار القمة العربية الإفريقية فى مالابو، والتى خرجت عنها نتائج غاية فى الأهمية، والمؤتمر الوزارى العربى الأوروبي، الذى يمهد لعقد قمة عربية أوروبية، ومنتديات التعاون مع كل من اليابان والصين وجمهوريات آسيا الوسطى وغيرها.
وكنت قد أشرت إلى أننى سأسعى لإيلاء اهتمام أكبر بقضايا وملفات العمل الاقتصادى والاجتماعى العربى المشترك، باعتبار أن الفرصة متاحة لتحقيق إنجازات أو خطوات عملية بصددها، فى ضوء أن الأفق قد لا يكون مواتيا لتحقيق الانفراجة المنشودة، فيما يخص الأزمات السياسية، وبالفعل فقد نجحت الأمانة العامة فى طرح العديد من المبادرات فى هذا الإطار، ولديها دور فاعل وقوى فى التعامل مع موضوعات متابعة الانتخابات فى الدول الأعضاء والشئون الإنسانية والهجرة واللاجئين وقضايا المرأة والطفل والأسرة ودعم احترام حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدنى العربي، وغيرها من الملفات، ولكن تظل هناك تحديات كبيرة، أبرزها بالتأكيد أن الأزمات الكبرى فى المنطقة لا تزال مفتوحة على مصراعيها ولا يقتصر الأمر على تداعياتها السياسية أو الأمنية أو العسكرية، وإنما يشمل ذلك أيضا تداعياتها الإنسانية الواسعة، والتى تعد تحديا واسعا يحتاج إلى جهود مضاعفة تفوق قدرة الجامعة العربية، وتحتاج إلى عمل دولى جماعى مكثف، كما هو الحال بالنسبة للأوضاع فى كل من اليمن وسوريا وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين، كما يشكل استمرار افتقار بعض الدول الأعضاء إلى هياكل مؤسسية فى بعض مجالات العمل الاقتصادى والاجتماعى تحديا كبيرا يعوق تفاعل هذه الدول مع البرامج أو الاطروحات التى تقدم فى إطار عمل الجامعة، ونحن نحاول من جانبنا كأمانة عامة دعم هذه الدول ومساندتها بشتى الطرق، سواء من خلال خبرات الأمانة العامة أو من خلال الدعم الذى يمكن أن تقدمه بعض الدول الأعضاء، أو حتى أطراف خارجية فى بعض الأحيان.
يضاف إلى ما تقدم التحدى الخاص بتوفير التمويل اللازم لعمل الجامعة، والذى يعوق فى كثير من الأحيان تنفيذ البرامج والخطط التى نسعى لتفعيلها، حيث شهدت السنوات الأخيرة تراجعا فى النسب المسددة من حصص الدول فى ميزانية الجامعة، فى ظل تأخر بعضها فى السداد أو توقف بعضها عن دفع حصصها ومن بينها دول مهمة، ومع ذلك فنحن نبذل كل الجهد المتاح، وفى ظل اتباع سياسة تقشف وترشيد للإنفاق، لضمان أن تفى الأمانة العامة بالتزاماتها فى هذا الإطار وأن تكون على مستوى التوقعات.
رؤية جديدة للإصلاح
تحدث وزير الدولة السعودى لشئون الدول الإفريقية أحمد عبد العزيز قطان مؤخرا عن رؤية جديدة ستطرحها المملكة لتطوير وإصلاح هيكل الجامعة ومؤسساتها، فهل ثمة تنسيق مع الأمانة العامة للجامعة بهذا الشأن؟، وما رؤيتكم لمسار إصلاح الجامعة وتطوير أدائها، خصوصا أن هذا الملف مطروح للنقاش والدراسة منذ أكثر من خمس سنوات؟
= الحديث فى موضوع إصلاح وتطوير عمل الجامعة العربية ليس بجديد، وأنا شخصيا مقتنع تماما بأهمية تفعيل هذا الموضوع، ولكن وفقا لأسس متوازنة ومدروسة بعناية، خاصة أن الجامعة العربية ليست عبارة عن مجموعة من الموظفين الذين يقتصر الأمر على تلقيهم رواتب والقيام بنشاطات روتينية، فنحن نتحدث عن منظومة واسعة ومتشابكة من النشاطات التى تدخل فى كل مناحى العمل العربى المشترك، والتى يجب الارتقاء بها وفقا لأهداف وخطط واضحة سعيا لخدمة الأولويات العربية الحقيقية، ووفقا للتوافقات التى تتوصل إليها الدول فى هذا الصدد، ولا تنس أننى كنت وزيرا لخارجية مصر لمدة سبع سنوات، وهى الدولة المستضيفة للجامعة العربية، ومن هنا أعلم تماما مدى أهمية هذا الموضوع، وعلى الرغم من أن هناك مطالبات بالإصلاح والتطوير لهيكل الجامعة فإن المشكلة تكمن فى بروز تباينات وتناقضات واضحة بين الدول الأعضاء تجاه هذا الملف، فإذا طرح طرف عربى فكرة أو مسارا وجد نقدا ومعارضة من طرف آخر، بينما يوجه اللوم إلى الأمانة العامة والأمين العام على غياب التوافق بين الدول الأعضاء على هذا النهج أو ذاك، فى حين أن المعضلة هى نتيجة مواقف الدول الأعضاء ورؤيتها وفلسفتها فى الإصلاح والتطوير، والتى تفتقر إلى التوافقات المطلوبة، ومن ثم فإن المرحلة الراهنة تبدو بالغة الصعوبة، وتستوجب إدارتها قدرا كبيرا من الصبر والتحكم فى الذات وتحقيق الحد الأدنى من التوافقات بما يكفل أن تمضى مسيرة العمل العربى المشترك.

الطريق المسدود
معالى الأمين العام، هناك آراء تقول إن الجامعة العربية وصلت إلى طريق مسدود، وإن الحاجة إليها تقلصت، فهل ترى أن ذلك صحيحا؟، أم أن الواقع العربى الحالى يستوجب ضرورة الإبقاء عليها كإطار فعال وجماعى للنظام العربى؟
الحديث حول الطريق المسدود وعدم وجود دور للجامعة العربية هو حديث مرفوض، ومن يروج له لا يبغى فى حقيقة الأمر مصلحة الشعوب العربية، ويكفى أن أجدد ما أشرت إليه سابقا حول أن مثل هذه التصريحات أو الآراء صدرت مؤخرا عن طرفين إقليميين، الأول هو إيران عندما اجتمع وزراء الخارجية العرب فى دورة غير عادية للنظر فى التهديدات التى تمثلها الصواريخ الباليستية الإيرانية لأمن واستقرار المملكة العربية السعودية فكان الرد الإيرانى بأن هذه منظمة «متعفنة»، والثانى هو تركيا عندما أشرت أنا شخصيا خلال مشاركتى فى مؤتمر ميونيخ للأمن إلى تأثير التدخل التركى فى شمال سوريا على سيادة سوريا ووحدتها الإقليمية وإلى ضرورة قيام نظام أمنى إقليمى عربى قوي، فكان الرد الاستعلائى من وزير الخارجية التركى بأن الجامعة العربية هى «منظمة غير قادرة على تحقيق أى شئ»، وبالتالى أرجو أن يكون الرأى العام العربى والشعوب العربية واعية ومدركة لخطورة الترويج لمثل هذه الأقاويل، وإذا كانت هناك بالفعل ملاحظات على أداء الجامعة، وأنا شخصيا لدى ملاحظات حتى وأنا فى موقع الأمين العام، فإن رد الفعل الصحيح يكون من خلال طرح حلول أو بدائل منطقية وعملية، وليس من خلال الشعارات الرنانة أو الأقوال المرسلة، مع حرصى شخصيا منذ توليت مهام منصبى على اتباع نهج يتسم بالشفافية، فى تعريف الرأى العام العربى لكل جهد تقوم به الجامعة العربية وما تسعى لتحقيقه.
أما فيما يخص دولتى الجوار إيران وتركيا، فإننى أجدد الدعوة أيضا لهما لإعادة تعديل مسار منطلقات البلدين فى التعامل مع المنطقة العربية بشكل عام، وفيما يخص تدخلهما فى الشئون الداخلية فى دول عربية بعينها، وذلك لخطورة استمرار هذا النهج، وبالتأكيد فإن الدول العربية لا ترغب فى وجود توتر مع هذين البلدين، خصوصا أنهما دولتا جوار جغرافى إستراتيجى فى ظل وجود إرث تاريخ يربطهما بالمنطقة العربية على المستويات الثقافية والحضارية والمجتمعية والاقتصادية، وبالتالى فإن أى حديث يتضمن استخدام نبرة استعلائية أو طائفية، أو به شبهة مسعى للتأثير على سيادة أية دولة عربية، أو أوضاعها وتوازناتها الداخلية هو أمر مرفوض، وأزيد على ذلك بتحذير الجانب الإيرانى من خطورة التصعيد الأخير بإطلاق المزيد من الصواريخ الباليستية من جانب ميليشيات الحوثيين على المملكة العربية السعودية، وأقول إن هذا التصعيد يمكن أن يدخل بالمنطقة إلى منعطف خطير، وأتصور أن الجميع فى غنى عنه خلال المرحلة الحالية.

نداءات متكررة
برأيك.. كيف تتغلب الجامعة على مشكلة التمويل حتى تتمكن والمنظمات التابعة لها من القيام بدورها على أكمل وجه؟، وهل تشعر أن ثمة محاولة لتضييق الخناق على أمانتها العامة للتحرك النشط فى التعامل مع مختلف الملفات؟
ضرورة توافر التمويل أمر طبيعى فى مختلف مؤسسات العمل العام، والجامعة العربية ليست استثناء، بل على العكس فنحن نعمل فى إطار ميزانية محدودة نسبيا لا تزيد على 60 مليون دولار سنويا، وهى لا تقارن على الإطلاق، ليس فقط بالميزانيات المتوافرة للأمم المتحدة، وإنما أيضا بنظيراتها من المنظمات الإقليمية، والحقيقة أن الكثير من أعضاء الجامعة العربية باتوا غير قادرين على سداد حصتهم الزهيدة جدا فى موازنة الجامعة، والمفارقة أن حصة بعض الدول لا تزيد على 600 ألف دولار فى العام ومع ذلك تجد صعوبة فى سدادها، ومن ثم فإن الجامعة تجد صعوبات بالغة من ناحية التمويل، فيما قوى كبرى فى الوطن العربى متوقفة عن دفع حصصها، ولك أن تعرف أن الجامعة العربية فى فترة قصيرة مضت، وفى ظل وجودى أمينا عاما، لم تكن قادرة على دفع مرتبات موظفيها، وقد تحدثت فى هذا الشأن كثيرا، فالأمم المتحدة مثلا تصل ميزانيتها السنوية إلى نحو 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى ما تحصل عليه من مساعدات ومعونات، بينما ينفق من الجانب العربى على الجامعة العربية والمنظمات الأخرى ما لا يزيد على نصف المبلغ المقدر سنويا، فما يصل للجامعة سنويا يتراوح بين 30 و35 مليون دولار، من أصل 60 مليون دولار، ومع هذا الإنفاق المحدود والضئيل جدا -إذا ما تمت مقارنته بالأمم المتحدة- تتوقع الأمة التى يزيد ناتجها الإجمالى عن ترليونى دولار الكثير من العمل العربى المشترك.

مخاطر وتحديات
برأيك ما أهم التحديات والمخاطر التى تواجه العرب فى المرحلة الراهنة، وهل عجزوا عن التعاطى معها بكفاءة تحد من تأثيراتها وتداعياتها السلبية؟
أهم تحد على الإطلاق فى رأيى هو العمل على استيعاب التداعيات السلبية بل الكارثية الواسعة لما سمى بالربيع العربي، وهى التداعيات التى يأتى على رأسها التهديد الذى يتعرض له استمرار الدولة الوطنية فى عدة مناطق من الوطن العربي، فى ضوء ما شهدناه فى كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن على يد داعش والتنظيمات الإرهابية وبعض الجماعات التى تعمل من منطلق طائفى أو عرقى دون أن تلقى بالا بمستقبل استمرار الدول ككيان جامع لكل العناصر والمكونات التى تنضوى تحت لوائها، ويرتبط بذلك مباشرة تحدى الإرهاب الذى تعانى منه دول عربية عدة، وهو ما يستوجب وجود عمليات تنسيق أمنى وسياسى وتنموى واسعة بين الدول العربية لمواجهة هذه الظاهرة المستفحلة، التى وصلت فى خطورتها إلى مستوى الحرب النظامية فى شكلها التقليدي، يضاف إلى ذلك التداعيات الإنسانية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية الناتجة عن هذا الوضع، ويكفى القول إن الدراسات توضح أن الدول العربية خسرت اقتصاديا ما يقدر بحوالى نصف تريليون دولار نتيجة ما حدث من تطورات على مدى السنوات السبع الأخيرة، وأن عدد اللاجئين والنازحين العرب قد تخطى 15 مليون شخص، وهو رقم مهول يوضح حجم المأساة الإنسانية التى يعيشها قطاع عريض من أبناء الوطن العربي، ويدل على مدى الضغوط التى تعانى منها الدول العربية المستضيفة للاجئين على غرار الأردن ولبنان ومصر، وإذا أضفنا إلى ذلك حجم الأموال المطلوبة لإعادة البناء والإعمار فى الدول التى تعرضت لنزاعات مسلحة، على غرار سوريا، التى توضح دراسة أجراها الاتحاد الأوروبى أن احتياجات إعادة الإعمار فيها قد تصل إلى 700 مليار دولار، لأدركنا الحجم المروع لهذه المأساة.
والأمر يحتاج إلى سنوات لاستيعاب هذه الآثار والتداعيات السلبية، مثلما يحتاج إلى عمل جاد وخلاق، ليس فقط داخل كل دولة من الدول التى عانت من هذه الآثار والتداعيات، وإنما أيضا من خلال الجهود الجماعية بين الدول العربية، خصوصا فى ظل الترابط العضوى القائم فى العديد من المستويات والأصعدة بين هذه الدول، ولدى شخصيا تفاؤل بإمكانية وجود زخم فى هذا الصدد، فى ضوء ما نراه من فرص مبشرة وواعدة للغاية، لأن تقف هذه الجهود على أرضية صلبة، ومثال لذلك ما سمعناه عن اتفاقات مهمة تم إبرامها بين مصر والسعودية، خلال الزيارة الأخيرة لولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، وأرى أن الجامعة العربية يمكن أن تمثل بوتقة جامعة مهمة للجهد العربى فى هذا الصدد، خاصة فيما يتعلق بالملفات المرتبطة بدفع جهود التنمية الوطنية أو العربية، وبشكل عام يجب العمل على الاستفادة منها بأقصى قدر ممكن، فى ضوء ما تمتلكه من ذخيرة من الدراسات والخبرات، ومنظومة التنسيق التى تتمتع بها، والتى تربط حكومات الدول العربية والمنظمات العربية المتخصصة، ومؤسسات العمل العربى المشترك والشركاء الدوليين، وربما يكون العنصر الوحيد غير المشجع هنا هو عدم توافر الإرادة السياسية الكافية فى بعض الأحيان، لتفعيل أو تنفيذ بعض مما تم الاتفاق عليه فى اجتماعات الجامعة، بشأن بعض الموضوعات أو الملفات التى ربما استغرق الأمر سنوات من التفاوض والتشاور حولها.
الثورات والمؤامرة
من المسئول برأيك عن هذه الوضعية التى وجد العرب أنفسهم فيها خلال السنوات السبع الماضية، وهل يمكن إلقاء اللوم فقط على ما يعرف ب«ثورات الربيع العربى» فى التسبب بالحال الذى وصلنا إليه؟
من الصعب بالتأكيد إلقاء المسئولية الأولى أو الرئيسية على أى طرف غير عربي، فقد كانت هناك أخطاء جسيمة من جانب بعض الحكومات، التى لم تنجح فى تطوير الهياكل أو الأطر المناسبة للتعامل مع احتياجات قطاعات واسعة من مجتمعاتها، خصوصا قطاع الشباب الذى أصبح يمثل أغلبية عدد السكان فى الدول العربية، وبالتالى كانت هناك مطالب يجب العمل على تلبيتها، من بينها المطالب التى تتعلق بالاحتياجات التنموية والمعيشية، إلى جانب أهمية المشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان، وكلها أمور لم يتم إدارة التعامل معها بشكل مناسب، من ناحية أخرى اندفعت بعض القطاعات فى أحيان أخرى إلى التعامل مع الأمور بشكل عاطفي، ودون تقدير أو حساب لخطورة اندفاعها وتأثيره على استقرار مجتمعاتها أو التكلفة الباهظة لذلك، وبدون أن تكون هناك خطة واضحة لما سيأتى فيما بعد أو طبيعة المرحلة اللاحقة. من ناحية ثالثة، وعلى الرغم من اقتناعى شخصيا بعدم الأخذ بنظرية المؤامرة على طول الخط، إلا أننى لا يمكن أن أغفل أن تطورات جسيمة ألمت بعالمنا العربى على مدى السنوات الأخيرة، كانت مدفوعة بالتأكيد بمخططات ومصالح خارجية، بعضها مدروس بدقة منذ عقود، وكان الأمر يتوقف فقط على أن تحين الفرصة المناسبة للمضى قدما فى تنفيذ هذه المخططات، ولعل أخطر هذه المخططات ما كان يرمى إلى تعميم تجربة ما يسمى بالإسلام السياسى المعتدل فى المنطقة، بحجة نجاح هذه التجربة فى دولة مثل تركيا ومحاولة النظر فى كيفية التعايش مع التيارات الدينية المتشددة، وهو الأمر -الذى لو سمح بتحققه- لأدى إلى سقوط عدة دول عربية، ودخول مجتمعاتها فى ثقب أسود لن تخرج منه أبدا، مع رجوعها إلى أفكار العصور الوسطى، وربما انهيار المنظومة العربية بالكامل، وأحمد الله شخصيا، وأنا اتحدث هنا كمواطن مصرى أولا ثم كعربي، على نجاح الشعب المصرى فى ظل حماية الجيش له فى 30 يونيو 2013، على الوقوف أمام ما كان يحاك لهذا البلد، والذى كان يمكن أن يمتد أثره إلى المنطقة العربية ككل.
تحدثت مؤخرا عما تواجهه المنطقة العربية من فراغ إستراتيجي، فهل هذا الفراغ هو الذى دفع قوى مختلفة للانقضاض عليها سواء من داخل البلدان العربية أو من محيطها أو من العالم، وكيف يمكن للعرب ملء هذا الفراغ؟
أتحدث دوما حول هذا الموضوع، وكانت إحدى المرات البارزة لذلك خلال مشاركتى فى مؤتمر ميونيخ للأمن قبل شهرين تقريبا، والذى شهد مشاركة واسعة من كبار السياسيين والمسئولين الدوليين، وهو أمر أتصور أنه واضح للعيان، فالمنطقة عانت على مدى السنوات الأخيرة من وجود هذا الفراغ الإستراتيجى نتيجة لعدم قدرة العرب على التوصل إلى تفاهمات أو توافقات مناسبة للتعامل مع قضاياهم الحيوية، ولا أقصد بذلك القضايا السياسية والأمنية فقط وإنما أيضا الاقتصادية والمجتمعية، وفى تقديرى أن هذا الفراغ الإستراتيجى يرجع إلى وقت الصدمة التى تعرض لها النظام الإقليمى العربى مع غزو العراق للكويت عام 1990، ثم الغزو الأمريكى للعراق، ثم كانت تطورات 2011 وما بعدها هى القشة التى قصمت ظهر البعير، مع تزامن اختراق هذه المنظومة العربية، سواء من جانب العرب أنفسهم أو من جانب أطراف خارجية، وعدم قدرة الحكومات والشعوب العربية على التواءم مع التطورات المتسارعة التى مر بها العالم على مدار العقود الثلاث الأخيرة، وإدراك طبيعة التغير الذى لحق ببنية النظام الدولى ومنظومة العلاقات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم بعد أحداث 11 سبتمبر، إضافة إلى اللحاق بالثورة المعلوماتية الهائلة وثورة وسائل التواصل الاجتماعى والتعامل معها بشكل متوازن.
وأتصور أن ملء هذا الفراغ يجب أن يكون أحد أهم موضوعات الأولوية فى العمل العربى المشترك خلال الفترة الحالية، وأن يتم تعبئة الطاقات العربية الفكرية والسياسية والتنفيذية من أجل التوصل إلى كيفية ملء هذا الفراغ الاستراتيجي، بما يوفر مظلة من الحماية الكاملة لمنظومة الأمن القومى العربى والتى تزداد التحديات التى تواجهها يوما بعد يوم، ولعل مسألة الصواريخ الباليستية الإيرانية هى أوضح مثال لذلك، وأيضا لكى يكون العرب قادرين على احتواء الأزمات الممتدة منذ سنوات نتيجة اختلاف سرعات العمل بشأنها بين الدول العربية، ولكى يكون مثل هذا التحرك الإستراتيجى هو الضامن لعمليات تنمية مستقلة ومتكاملة فى المنطقة العربية، وأعتقد أن العرب يمتلكون الطاقات والموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف، فعلى المستوى الاقتصادى فإن الناتج القومى الإجمالى العربى يقارب تريليونى دولار، وهناك خبرات بشرية وفنية هائلة فى الوطن العربي، كما أننى أعلم أن هناك اتصالات مستمرة على المستوى الأمنى لا ينقصها بالتأكيد الوعى بحجم التهديدات والمخاطر التى يواجهها العالم العربي، وضرورة ملء الفراغ الإستراتيجى الذى نتحدث عنه.

الحلم المؤجل
هل صحيح أن النظام الأمنى العربى ما زال حلماً مؤجلاً -وفق تعبيرك شخصيا- على الرغم من أن الحاجة تشتد إليه اليوم أكثر من أى وقت مضى؟، وما محددات هذا النظام فى ضوء خبراتك المتراكمة سياسيا وإستراتيجيا فى مواقع رفيعة المستوى بالدولة المصرية ثم أخيرا أمينا عاما للجامعة؟
هو حلم مؤجل بالفعل، والحديث ممتد منذ عقود حول هذا النظام الأمنى العربي، وذلك منذ إبرام اتفاقية الدفاع العربى المشترك، وهو يتجدد كلما ألمت بالأمة مخاطر أو تهديدات جديدة كما هو الحال خلال الفترة الحالية، وأرى أن وضع محددات هذا النظام يستلزم التحرك فى عدة اتجاهات للعمل أهمها بالتأكيد ما يتعلق بتنسيق الخطط العسكرية والأمنية، ليس فقط لمواجهة خطر أو تهديد بعينه، وإنما لضمان وجود منظومة مستقرة ومتكاملة تكفل التفاعل بشكل حظى مع أى تهديد من أى نوع يمكن أن ينشأ فى هذه المنطقة، إضافة إلى وجود محدد فكرى أو مفاهيمى لهذا النظام يتجاوز بالتأكيد أى منطلقات ترتبط بنوعية نظام الحكم أو العقيدة السياسية أو الأيديولوجيا الفكرية أو الخلفيات الدينية أو الثقافية غير الجامعة لكل العرب، وعلى أن تعزز هذه المنظومة من خلال توافقات ثابتة وراسخة بين الدول العربية حول المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المشتركة التى يسعون إلى حمايتها من خلال هذه المنظومة. الموضوع بالتأكيد يحتاج إلى جهد كبير ولكن المهم حاليا وجود قرار أو إرادة سياسية قوية وجماعية للمضى قدما فى هذا الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.