حين أعلنت الحكومة في نوفمبر 2016 عن قرارات تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار كان ذلك مبني على خطط شملت التحرك على عدة مستويات لاستيعاب الآثار الجانبية لهذه القرارات وهي الآثار التي امتدت في عدة اتجاهات... ومن الاتجاهات التي ظهر واضحاً اهتمام البنك المركزي بها محاولات السيطرة على معدلات التضخم التي كان متوقعاً ارتفاعها لمعدلات غير مسبوقة واستلزم ذلك بعض الإجراءات المباشرة التي أعلنها البنك المركزي بنفسه مثل رفع معدل الفائدة على الجنيه المصري وبعض الإجراءات غير المباشرة التي جرى تنسيقها من البنك المركزي مع البنوك التجارية المصرية وعلى رأسها البنك الأهلي المصري وبنك مصر صاحبا حصة الأغلبية في السوق المصرفي المصري... حيث أعلن البنكين ومعهم بعض البنوك الأخرى عن مجموعة من الأوعية الادخارية الجديدة التي تتناسب مع ظروف التضخم من ناحية ومع رفع معدلات أسعار الفائدة من ناحية ثانية وذلك بهدف سحب السيولة من السوق وتحجيم العوامل المؤدية لتفاقم أثار التضخم... وبالفعل أعلنت البنوك التجارية عن أوعية ادخارية بفوائد مرتفعة نسبياً لتصل إلى 20% في شهادات ال 18 شهراً و16% في شهادات الثلاث سنوات وجرى طرحها في البنوك المختلفة بأسماء مختلفة ولكن بسيناريو واحد وأسعار فائدة موحدة ونظام استرداد متشابه إلى حد كبير... وقد كان لهذه الشهادات مفعول قوي في الستة أشهر التالية وتحديداً من نهاية 2016 وحتى يونيه 2017 ولم يتم إلغاء العمل بها حتى يوم 15 فبراير الماضي عقب قرارات البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة لأول مرة على الجنيه المصري. والنقطة الايجابية هنا أو الزاوية غير المنظورة انه ولحين بدء موعد استرداد أول شهادة من هذه الشهادات أي في بداية يونيو القادم فسوف يحدث المزيد من الانخفاض في معدل التضخم مع توقعات بمزيد من الخفض لنسب الفائدة وهو ما يعني أننا سنكون أمام موعد مناسب تماماً لخروج هذا الحجم الضخم من الأموال المودعة في هذه الأوعية الادخارية. ووفقاً لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد بلغ معدل التضخم على أساس سنوي لشهر فبراير حوالي 14% مقارنة بالشهر المناظر في عام 2017 وهذا يعني أن معدل التراجع في نسب التضخم تسير بمعدلات أعلى من المتوقع بما يجعلنا متفائلين بقرار البنك المركزي خفض نسب الفائدة على الجنيه في اجتماع لجنة السياسات النقدية الخميس الماضى وهو ما سيكون له آثار إيجابية ضخمة على السوق المصري من كافة النواحي وعلى رأسها المزيد من جودة البيئة السوقية المتلقية للأموال المنتظر إعادة ضخها من هذه الأوعية الادخارية... فوفقاً لما أعلنه البنك الأهلي المصري في 15 فبراير 2018 فإن هذه الأوعية قد حققت 400 مليار جنيه مصري في حين أعلن بنك مصر أنها قد حققت 200 مليار جنيه مصري ولا توجد أرقام تفصيلية لكافة البنوك الأخرى ولكن وفقاً لتقديرات الخبراء فمن المتوقع أن لا تتجاوز باقي البنوك مجتمعه حاجز ال 250 مليار وهو ما يعني أنه اعتباراً من أول يونيو القادم سيتم ضخ 850 مليار جنيه هي قيمة هذه المدخرات و إذا افترضنا إضافة 20% وهي نسبة الفائدة أي 170 مليار جنيه فسيكون الإجمالي ما يزيد من التريليون جنيه سيتم سحبها على مدار عام ونصف ويجرى إعادة ضخها مرة أخرى لشرايين الاقتصاد المصري سواء في شكل إعادة استثمار أو في شكل زيادة في معدلات القدرة الشرائية لدى المواطنين والتي سيواجهها بيئة جيدة تتمثل في معدل تضخم منخفض ومعدل سعر فائدة معتدل وبذلك تبدأ دوران عجلة الاقتراض وإعادة الاستثمار مرة أخرى... وسيتم إعادة دوران هذه المليارات على نفس المدى الزمني الذي تم فيه العمل بهذه الشهادات وهو حوالي 15 شهر تقريباً بما يعني أن عملية إعادة الدوران سوف تتناسب تدريجياً مع ما يجري من تطورات في الاقتصاد دون أن يؤدي ذلك إلى حدوث آثار جانبية فيما يتعلق بمعدلات التضخم أو عدم قدرة الاقتصاد على استيعاب دوران هذه المليارات...
