يحتفل أقباط مصر فى هذا الأسبوع بما يسمى أسبوع الآلام، وهو آخر أسبوع فى حياة السيد المسيح. ويبدأ الأسبوع بيوم الأحد الذى يسمى أحد السعف نسبة لاستقبال السيد المسيح فى أورشليم بسعف النخيل الذى كان يرمز إلى الانتصار، لذلك تزين الكنائس بالسعف ويدخل الأقباط كنائسهم وهم يحملونه مشاركة فى هذا العيد. ويسمى أيضاً الزيتونة لأنهم رفعوا مع السعف أغصان الزيتون الذى يرمز إلى السلام. ويسمى أيضاً أحد الشعانين لأن الشعب الذى استقبل السيد المسيح كان يصلى ويصرخ بهتاف بالعبرية «هوشعنا» أى «يارب خلصنا» لأنهم كانوا يظنون أن السيد المسيح ملك أرضى قد جاء ليخلصهم من الرومان، ولكنه رفض الملك الأرضى لأنه كما قال لبيلاطس الوالى الرومانى وقت المحاكمة «مملكتى ليست من هذا العالم». وكان هتافهم يهز المدينة حتى إن رؤساء كهنة اليهود طلبوا منه أن يسكت الجموع فقال لهم: «أن سكت هؤلاء فالحجارة ستتكلم». وحين دخل إلى أورشليم وجد أحلامهم كلها أرضية وأنهم لم يستقبلوه كملك روحى ولكنهم كانوا محصورين فى صراعات سياسية، فخرج من أورشليم وهو حزين وقال لهم: «هوذا بيتكم يترك لكم خراباً» وقد حدث ما قاله عن المدينة المقدسة فقد هدمت تماماً فى سنة سبعين ولم تعرف المدينة السلام حتى أيامنا هذه. وفى اليوم التالى ذهب إلى الهيكل ووبخ الصور المزيفة والرياء، وكان يود أن يخلص النفوس من هذه الصور المزيفة وأن يخرج الحق كالنور من الظلمة، ولكنهم رفضوا. وفى اليوم الذى يليه دخل الهيكل لآخر مرة ليحذرهم بأن مملكتهم ستزول وأن الدينونة قادمة، فشعر رؤساء اليهود أنه قد صار خطراً عليهم فبدأوا يخططون لموته والخلاص منه بأى طريقة. ولكن كانت لديهم مشكلة أن جمهورا كبيرا من الشعب صار معه فكانوا يريدون أن يقبضوا عليه فى مكان لا يكون حوله شعب أو جمهور كبير. فجاء إليهم فى اليوم التالى وهو يوم الأربعاء أحد تلاميذ السيد المسيح ويدعى يهوذا الذى صار رمزاً للخيانة لأنه قال لهم: «ماذا تعطونى وأسلمه لكم» فأعطوه ثلاثين من الفضة وهو ثمن رخيص جداً. ويوم الخميس اجتمع التلاميذ حول السيد المسيح فى بيت مارمرقس، وهو ما نسميه خميس العهد لأنه فيه أسس العهد الجديد وصنع معهم ما نسميه نحن بالقداس، وفيه أعلن عن خيانة يهوذا وقال له: «ما تريد أن تفعله أفعله بسرعة» ولكن قبل هذا انحنى السيد العظيم وغسل أقدام تلاميذه وكان بينهم هذا الخائن وقال لهم: «بينما أنا السيد صنعت معكم هذا لكى تفعلوا هذا بعضكم نحو بعض». ثم أخذهم إلى بستان جثيمانى الذى كان يمتلكه والد مارمرقس وأخذ يعظهم، وبعد منتصف الليل جاء الخائن مع جنود إلى البستان وكانت العلامة هى أن يُقبله لتصير هذه القبلة الغاشة هى علامة لكل خائن يقدم الحب وهو يخطط فى الظلام ليطعن بسكين الخيانة من يظهر له الحب. وساقوه إلى مجمع السنهدريم وهو المحكمة الشرعية اليهودية وكانوا قد خططوا لقتله قبل محاكمته فلم تكن محاكمة حقيقية بل كانت إحدى صور الشر المتخذة ستار العدل. وبعد أن حكموا عليه بالموت ساقوه فى الصباح إلى بيلاطس الوالى الرومانى لكى يُصلب، فسمع شكواهم وأخذ السيد المسيح لينظر فى تهمته، ولكنه لم يجد فيه ما يستحق الموت فخرج إليهم وقال: «أنه بار». فهتفوا ضده وقالوا: «أصلبه أصلبه دمه علينا وعلى أولادنا» ليحكموا على أنفسهم أنهم يحملون دم المسيح هم وأولادهم فى كل الأزمنة. ومع ضغط اليهود عليه غسل يديه أمامهم وهو يقول: «أنا بريء من دم هذا البار» وقال ليصلب. فأخذه الجنود الرومان وظلوا يعذبونه لمدة ثلاث ساعات فجلدوه بكل وحشية ووضعوا على رأسه تاجا من شوك ثم رفعوه على الصليب وقد سمروا يديه ورجليه على الصليب. وهذه أحداث يوم الجمعة التى يطلق عليها الجمعة العظيمة أو الحزينة. ثم دفن فى القبر وقام فجر الأحد. ولا يزال نور القيامة يفج من القبر فى كل عام تذكاراً للقيامة، وهذا النور يشعل منه شموع ويتناقله العالم كله فى كل عام. والعالم كله يحتفل بهذا الأسبوع بصور مختلفة، ولكن كنيستنا القبطية تصلى فى هذا الأسبوع ليلاً ونهاراً بداية من أحد السعف، ولكن منذ يوم الخميس والأقباط لا يبارحون الكنيسة إلا ساعات قليلة حتى العيد. وصلوات الأقباط تتخللها ألحان بعضها مأخوذ من التراث الموسيقى الفرعوني، ومنها أبدعها فنانون أقباط فى القرون الأولي. وكانت الاحتفالات فى مصر فى الكنائس والشوارع أيضاً إلى أن ألغى الحاكم بأمر الله فى القرن العاشر الاحتفالات الشعبية. وإن كان فى بداية حكم الفاطميين كانوا يصنعون احتفالات رسمية للأعياد المسيحية، بل كانوا يسكون خمسمائة دينار ذهب بمناسبة خميس العهد وكانت توزع الحلوى والهدايا على كل الشعب. عزيزى القارئ قد تختلف معنا فى بعض عقائدنا ولكنى أثق تماماً فى أنك لا تختلف معى فى محبة الصلاة والالتجاء إلى الله دائماً، ونحن فى هذا الأسبوع نكرس أوقاتنا للصلاة. وبينما الأحداث فيها خطط للأشرار وخيانة الرفاق فنحن نصلى جميعاَ حتى يفسد الله خطط الأشرار، فالصلاة لها قوة حقيقية لأن استدعاء اسم الله دائماً يجعل حضوره المبارك فى حياتنا حقيقة فاعلة. ومن يصلى لا يمكن أن تغلبه قوى الشر، ونحن نصلى لأجل بلادنا كى يحميها الرب من خطط الشر ويفسد كل صور الخيانة. فيهوذا الخائن هو وجه مكرر فى كل العصور، فالابتسامة الغاشة والقبلات المسمومة والملامح المزيفة هى وجه يهوذا فى كل العصور. ففى كل زمن نجد من يحتضن وهو يحمل فى يده خنجرا، ولكن أقسى أنواع الخيانة هى خيانة الوطن. ولكن مهما تكن صور الشر فنحن نصلى كى يحمى الرب بلادنا وإيماننا، وأن الليل لن يستمر وأن الفجر سيشرق لا محالة. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس