فى كل لحظة نعيشها، تنطلق الكثير من الأفكار العصرية فى هذا العالم لتأخذ طريقها إلى المصانع العملاقة، وتقودنا نحو الثورة الصناعية الرابعة بكامل معارفنا، وأدواتنا، وأفكارنا، ولا شك أن هذه الثوانى المعدودة التى مضت منذ الكلمة الأولى فى هذا المقال إلى الآن، كانت كفيلة بإنتاج مئات الآلاف من الهواتف الذكية، وإرسال ملايين الرسائل عبر الفضاء الإلكتروني، وتوالد ملايين الأفكار المستقبلية. هذا التسارع الذى يقود العصر الجديد، يضعنا أمام جملة من المتغيّرات التى تحتاج إلى عقول فذة، ورؤى استراتيجية مدروسة، لتكون معيناً لنا، وتفرض فى الوقت نفسه على حكومات البلدان الرائدة والسبّاقة، الكثير من العمل والجهد للوصول إلى آليات تمكنها من تحويل مسار كل هذا التسارع إلى صالحها، ولخدمة مشاريع نهضتها ونموها، فأى حالة وقوف وانتظار لما يجرى فى الألفية الجديدة هى حالة تأخر على المستوى المعرفى والحضاري. لأجل هذه التحولات وما تفرضه من تغيّرات، يتبنى المكتب الإعلامى لحكومة الشارقة من خلال تنظيم المنتدى الدولى للاتصال الحكومى فى أواخر مارس الحالي، مساراً جديداً للنهوض بالاتصال الحكومي، بوصفه أحد الركائز الأساسية للتنمية والنهوض بالمجتمعات، وتهيئة المناخ الملائم لمجمل المشاريع فى مختلف القطاعات، الاقتصادية، والصناعية، والسياحية، والتعليمية، وسواها. تنكشف رؤية المنتدى الدولى للاتصال الحكومى ليس بالنظر إلى ما تضعه المؤسسات من استراتيجيات وحسب، وإنما أيضاً بالنظر إلى ما يواجهه الاتصال الحكومى فى ظل العصر الرقمي، ومجمل ما تقوده الثورة الصناعية الرابعة من تحولات، إذ لا يمكن الوقوف على الخطط والاستراتيجيات اللازمة لهذا التحول من دون الوصول إلى حقيقة دور المتغيّرات الراهنة، وما تفرضه من ضرورة لإعادة النظر فى الممارسات الاتصالية. لا بد من إدراك سيطرة الواقع الرقمي، فى العصر الحالى والمستقبلى الذى تتلاشى فيه مختلف الحواجز الجغرافية، وتختلط فيه الثقافات، ويتحول كل مستخدم لشبكة الإنترنت إلى مواطن له هوية رقمية، قادر من خلالها على نشر أفكاره ومعارفه وقيادة التغيير. إن الحديث عن مجتمع الواقع الرقمي، يعنى الحديث عن طاقة بشرية هائلة، وتزداد تقديراتها التى تشير إلى مليارات المستخدمين فى كل لحظة ويعنى - فى المقابل - حديثاً عن مجتمع كامل له ثقافاته، واحتياجاته، وتصوراته، ولا تشكل المسافة فيما بين أفراده، سوى أجزاء من الثانية، هى الزمن الذى تحتاجه الرسالة لتأخذ شكلها فى الومضات الضوئية. تنبه الكثير من بلدان العالم فى وضعها لاستراتيجيات اتصالها الحكومى إلى هذا التحوّل فى مسار المجتمع، من صيغته التقليدية، إلى الصيغة الكونية، فكان مجتمع العالم الرقمي، يقود تغيرات سياسية كبرى فى العالم، ويحرك اقتصادات بلدان، ويسقط أنظمة، ويقود تحولاً شعبياً، ليس على المستوى الاجتماعى وحسب، وإنما على المستوى الديموغرافي، والثقافي. فى ظل القراءات والمعطيات الراهنة، يواجه الاتصال الحكومى قائمة من التحديات التى تحتم علينا وضع استراتيجيات مستقبلية، فالحديث عن الدور التقليدى للاتصال الحكومى المتجسد فى نقل البيانات الإخبارية، من المؤسسة إلى وسائل الإعلام، يعنى الحديث عن عصر مضي، وبات واجباً علينا، الانخراط فى منظومة العصر الجديد، وبناء ثقة عميقة مع أبناء المجتمع الرقمي، لنظل مصدراً موثوقاً لمجمل الأخبار الصادرة حول مؤسسات الدولة، السياسية، والاقتصادية، والسياحية، والتعليمية، وسواها. إن عدم مواكبة سيل المتغيّرات الراهنة ينعكس سلبيا على عملية تواصل مؤسسات الدولة مع مجتمعها ويعرضها لأزمات غير متوقعة، قد يكون سببها معلومة خاطئة يتناقلها المجتمع الرقمي، تحرك المجتمع، وتحدد توجهاته، وتملى عليه سلوكه، وحينها ستكون الدولة غريبة عن العالم بأسره، ومع المجتمع المحلى كذلك، الأمر الذى يؤكد ضرورة تحوّل مراكز الاتصال الحكومى إلى منصات موثوقة، ومصادر أولى للمعلومات، لا يمكن تجاوز دورها فى أى معلومة لها علاقة بمؤسساتها. يبقى القول: إن التسارع الجارى فى الثورة الصناعية الرابعة، لا يمكن مواكبته بالتحضير لمتغيّرات الراهن، وحسب، وإنما يجب العمل على وضع خطط مستقبلية مدروسة، تنظر إلى العقود القليلة المقبلة، بوصفها راهناً معاشاً، وهو ما يعنى أن ندرك المستقبل قبل أن يدركنا، وأن نستعد له جيّداً قبل أن يفاجئنا، وأن نعد دوماً الإجابة العملية لسؤال ... إلى أين ؟!. لمزيد من مقالات ◀ سلطان بن أحمد القاسمى