كنا نعتقد أن ما حققه مسلسلي " الطوفان وسابع جار هو أقصي نجاح ساحق قد طرأ مؤخرا " علي الدراما المصرية , غير أن مسلسل " أبو العروسة " الذي تنتهي حلقاته هذه الأيام , فاق كل التوقعات والنجاح ولن نبالغ إذا قلنا أنه استطاع فعلا أن يعيد إلينا أمجاد الدراما المصرية عندما كانت في عز مجدها ! المفاجأة في " أبو العروسة " ليست في نجاحه المهول ولكن لأن هذا النجاح تحقق في ظل مواصفات وظروف مغايرة تماما عن كل ما هو سائد الآن , فهو مجرد مسلسل بسيط جدا في كل شي بدءا من أبطاله الذين جاءوا من خارج نجوم الصف الأول أو كما يطلق عليهم هذه الأيام " السوبر ستار " , ولم تكن أيضا ميزانيته متخمة كباقي المسلسلات ذات الإنتاج الضخم , والتي اتضح أنها لم تعد بأي فائدة علي العمل بقدر ما كانت تذهب هذه الأجور الفلكية هباء علي أبطالها من هؤلاء النجوم الغريب أيضا أن هذا العمل استحوذ جدا علي اهتمام الناس رغم أن قصته ليست جديدة , فكما هو ظاهر من عنوانه أنه مقتبس من فيلم " أم العروسة " , لا هو في الحقيقة يمكن أن نعتبره توليفة مجمعة من فيلمي أم العروسة والحفيد معا , ولكن ونظرا للبراعة الشديدة لمؤلفه " هاني كمال " استطاع بحرفية عالية أن يعيد صياغتهما بطريقة عصرية ليخلق من رحمهما نصا جديدا ليتناسب كلية مع ما نعيشه في واقعنا الحالي الفرق بين " أبو العروسة " وأي مسلسل أخر يدعي أنه اجتماعي ثم يتضح عندما نشاهده أنه بعيد بعد المشرقين عن مجتمعاتنا الشرقية , ولا يمت بصلة بعادتنا ولا تقاليدنا الأصيلة المحافظة ! بينما في " أبو العروسة " حدث العكس فقد ناقش كل تفصيلة تحدث في حياتنا صغيرة كانت أم كبيرة , دون أن يقع في فخ مستنقع الموبقات التي ابتليت بها مسلسلاتنا مؤخرا من مشاهد البلطجة والعنف والمخدرات والعري والجنس والكباريهات وكل ما هو بعيد تماما عن حياة غالبية المصريين ! وأهم ميزة في ذلك أنه كذب كل إدعاءات صناع الدراما الذين طالما صدعوا رؤوسنا بأن ما يقدموه في أعمالهم هو محاكاة للواقع , بينما الواقع بريء من أعمالهم التي تتنافي شكلا وموضوعا مع طبيعة وعادات المصريين الحقيقيين وليس المزيفين كما يقدموهم هؤلاء ! بدليل أن أبو العروسة لم يترك شاردة ولا واردة تحدث في حياتنا إلا وتناولها ومن أمثلة ذلك الأزمة الاقتصادية والغلاء الفاحش الذي نعيشه الآن , بالإضافة إلي حالة البطالة التي يعيشها شبابنا والتي قد تدفعهم أحيانا إلي الهجرة غير الشرعية , كما استعرض أيضا الخلافات الزوجية والتفكك الأسري والخيانة , وغيرها من المشاكل التي لم تترك أحد منا إلا وصادفته دون استثناء ! الجميل في المسلسل أيضا أنه لم يكتفي بمجرد سرد هذه المشاكل أو مر عليها مرور الكرام فقط , بل ناقشها بكل عمق ونضج فني , والأجمل أنه أحيانا كثيرة كان يقدم لنا حلولا جديدة مثل المشاريع الصغيرة التي ينبغي أن يتجه إليها الشباب لآن مستقبل وتقدم البلد سيكون من خلالها نستطيع أن نقول وبكل أريحية أن هذا المسلسل توافرت له كل عناصر النجاح تقريبا , ولا يمكن ونحن بصدد ذكرها أن نغفل دور الأبطال الذين كانوا هم أهم عوامل هذا النجاح وعلي رأسهم المارد الفني الجديد " سيد رجب " وطبعا أم العروس المتألقة دوما " سوسن بدر " , بالإضافة إلي باقي الأبطال الذين تفوقوا جميعا علي أنفسهم من خلال مباراة تمثيلية رائعة قادها باقتدار المخرج كمال منصور لكل هذه الأسباب التي ذكرناها وأسباب أخري عديدة لم يتسع المجال لذكرها , كان النجاح الساحق هو حليف أبو العروسة , ولأنه لدينا عدوي التقليد فربما وللمرة الأولي نتمنى أن تنتقل هذه العدوى لباقي المسلسلات القادمة , فهنا فقط ستكون العدوى حميدة لأنها ستصب في النهاية في مصلحة الدراما والفن المصري الذي نتمنى أن يعود لريادته وأمجاده السابقة! [email protected] لمزيد من مقالات علا السعدنى;