مسلسلين تم عرضهما مؤخرا وأحدثا ضجة لا مثيل لها وهما " سابع جار " " والطوفان " , وما أحدث تلك الضجة كان بسبب جودتهما وجاذبيتهما ثم موضوع العمل والأحداث التي أعادتنا إلي زمن الدراما الاجتماعية الجميلة بعد أن ظلت طويلا مفقودة بفعل فاعل ! " الطوفان " .. هذا المسلسل استطاع ومنذ أول دقيقة من عرضه بل ومنذ إعلان " البرومو " الخاص به , أن يجذب قطاع كبير جدا من المشاهدين , حتى الأغاني التي طرحت قبل عرض المسلسل وقام بغنائها الفنان محمد عادل , حققت وحدها نسبة مشاهدة مهولة وتدور أحداث الطوفان حول حياة أسرة عادية مثل ملايين الأسر المصرية , وتتكون من ثلاثة أولاد وثلاثة بنات , وجميعهم متزوجون وحياتهم مستقرة ولا يعكرها سوي بعض المشاكل المادية وضغوطات الحياة المتعارف عليها , ثم فجأة تدخل قطعة الأرض التي يملكونها في زمام محور قناة السويس فيرتفع ثمنها ليصل إلي أكثر من 300 مليون جنيه ! وليس هناك أخطر من فتنة المال خاصة إذا كان بهذا الحجم الكبير , فانعكس ذلك بدوره علي حياة الأسرة , فتغيرت نفوس بعض أفرادها وأعماهم حبهم وطمعهم للمال لدرجة جعلتهم يقدموا علي قتل أمهم , لأن شهادتها في المحكمة ستطيح بحلم حصولهم علي ورقة مبايعة أرضهم جاءت حلقة قتل الأم " الحاجة صفية " بمثابة طعنة في صدور جميع مشاهدين المسلسل , وأعقب ذلك ثورة علي مواقع التواصل الاجتماعي , حيث ومن فرط الاندماج في المسلسل أختلط الأمر عند رواده , وتعاملوا مع مبدأ قتل الأم علي أنه جريمة حقيقية وليست دراما , لدرجة أنهم هددوا من قتلها من أولادها بعدم الخروج من منازلهم حتى لا يتم الانتقام منهم ! لهذه الدرجة أثر المسلسل وعلم في الناس لا لشيء إلا لأنه تناول أمورنا الحياتية بطعم مصري " مئة في المائة " , وليس كما كنا نشاهده من قبل في مسلسلات معلبة ومستنسخة من مزيج من التركي علي الهندي , فجاءت أبعد ما تكون عن حياة عموم وجموع الشعب المصري وبدوره لفظها وابتعد عنها ! والفضل في نجاح الطوفان لابد أن نشكر عليه كتيبة صناع العمل بدءا من المخرج الكبير خيري بشارة والمؤلف الكبير بشير الديك وكتاب السيناريو وائل حمدي ومحمد رجاء , أما الأبطال وعلي رأسهم نادية رشاد ووفاء عامر وصلاح عبد الله ومحمود الجندي وأحمد زاهر ومحمد عادل وفتحي عبد الوهاب إلي أخر فريق العمل الذين نجحوا جميعا وتفوقوا علي أنفسهم من خلال مباراة تمثيلية رائعة وشديدة الرقي سابع جار .. لم يكن يتوقع أحد أن ينجح المسلسل بهذا الشكل المنقطع النظير ويصل إلي تلك النسبة الطاغية من مشاهدته ومتابعته , خاصة وأنه لا يضم نجوم الصف الأول وميزانيته ليست ضخمة كباقي المسلسلات الأخرى , " وليت صناع الدراما يعلموا أن النجاح لا يقاس بنجومية أبطاله ولا ميزانيته المتخمة بسبب أجورهم الفلكية " ! فالنجاح يأتي بالموضوع الجيد وصدق أداء الأبطال وصدق التناول أيضا , وهو ما توافر في " سابع جار " , الذي نجح ومنذ أولي حلقاته أن يخطف الأنظار إليه لمشاهدته ومتابعة أحداثه بشغف شديد , والتي تدور حول عدد من الجيران يعيشون في منزل واحد من خلال أنماط مختلفة من البشر أوجه الشبه بين المسلسلين وربما كان هذا سر نجاحهما أيضا , أنه أعاد الدراما لحضن الأسر المصرية ذات الطبقة المتوسطة , بعكس ما كانت تظهرها بعض المسلسلات ظلما وزورا , بأن مصر تعيش طبقتين فقط إما عشوائيات أو قصور وفيلات وحياة الكموندات والمنتجعات ! بينما أسقطوا سهوا أو عمدا الطبقة المتوسطة مع أنها تمثل القاعدة العريضة من المجتمع أما أوجه الاختلاف بين المسلسلين هو حفاظ " الطوفان علي نجاحه للنهاية , بينما لم يصمد السابع جار في الحفاظ علي الخط المرسوم له فوقع في فخ ما كنا نرفضه في المسلسلات إياها ! وانسلخ من الهوية المصرية المعروفة بتحفظها وعادتها وتقاليدها وبدل ما كان حديث الناس بنجاحه , تحول إلي سخطهم واستيائهم منه حتى أنهم أطلقوا علي عليه " الجار الشمال " وليس " سابع جار " , بسبب ما يقدمه من نماذج سيئة للمرأة والبنات عبارة عن علاقات محرمة خارج إطار الزواج , وأخري تقوم بالتدخين بشراهة إلي جانب جلوسها مع جارها بالساعات لشرب المخدرات , ثم البنت التي ترغب في الإنجاب بدون زواج ! والحجة الجاهزة دائما عند صناع العمل بأنها نماذج واقعية , ونحن بدورنا نرفض تلك الحجج الواهية , أولا فهذه النماذج وأن كانت موجودة إلا أنها ليست متفشية ولا مستشرية للدرجة التي تستدعي ضرورة مناقشتها , وبالتالي فتسليط الضوء عليها يزيد من ترسيخها وسرعة انتشارها , خاصة عندما يكون المسلسل بنفس جاذبية ونجاح السابع جار فالخطورة هنا أكبر وأعمق وحسنا ما حدث بالتوقف المفاجئ للمسلسل , ونتمنى أن يراعي البعد عن تلك السلبيات في الجزء الثاني منه , فوقتها نكون قد نجحنا بحق وعدنا إلي زمن الفن الجميل , والأجمل أننا نكون قد خرجنا من تخمة الموسم الرمضاني , وخلقنا مواسم أوسع لتشمل العام بطوله وليس مجرد شهر واحد فقط في السنة [email protected] لمزيد من مقالات علا السعدنى;