ابتسمت وأنا أردد «أحرام على بلابله الدوح، حلال للطير من كل جنس؟» قفز هذا البيت إلى ذاكرتى فور متابعتى قصة وضع كاميرات على أبواب حمامات كلية الصيدلة بالإسكندرية، والتى أرى أنها حادثة لا تخلو من ظرف وطرافة، أما الشعر فصحيح أن أمير الشعراء أحمد شوقى كتبه فى منفاه بالأندلس معبرا عن شعوره بالغربة والحنين إلى مصر واستنكر فيه قسوة الاستعمار الذى يحرم الأوطان على أبنائها المخلصين وتباح للغرباء من كل جنس ليستمتعوا بخيراتها مثلما يباح الدوح والشجر لكل أنواع الطيور الغريبة ويحرم على بلابله التى تعيش فيه، إلا أننى رأيت أن هذا البيت ينطبق على حالة الصيدلة، لأن مافعلته العميدة وإن كان غير مقبول على الإطلاق ولكنه لا يبعد كثيرا عما يحدث للعالم كله من مراقبة ليل نهار عن طريق الهواتف المحمولة ألا تكاد تلك الهواتف تنام معنا فى أسِرتنا كل يوم، ألا تبلغ هذه الهواتف بالإشارة من نكون وما نفكر به؟ أليست هندسة المعلومات التى تغرق حياتنا تحد من حرياتنا الشخصية! ألم تجرح مواقع التواصل بيوتنا وتشهر ببعضنا بإرادتنا ورغبتنا، ألسنا من نضع ونحن بكامل قوانا العقلية كتاب حياتنا على تلك المواقع؟ أليست تكنولوجيا الهواتف الذكية والأقمار الصناعية العالمية فوق رءوسنا تراقب كل حركة لنا كل ثلاث دقائق وتلتقط صورا لكل وجه مناَ وكل لوحة أرقام للسيارات وتعرف شبرا شبرا فى أرجاء المعمورة، ألم تجعل بطاقاتنا سلعة إجرامية قيمة ولها سوق من المشترين! لقد أصبحت هذه التكنولوجيا وغيرها مكونا رئيسيا فى صياغة التوتر والشك وزرع الخوف فى نفوس البشر على وجه البسيطة. «جيمس كانتون» من أهم علماء الدراسات المستقبلية فى العالم ذكر فى كتاب له عن المستقبل البعيد أن تكنولوجيا المراقبة ستتتبع الناس أينما كانوا بحلول عام 2025، وسيكون هناك شريحة للتعقب والمطاردة للسيطرة على تحرك الفرد وأن مئات العلامات اللاسلكية تختبئ فى ملابسنا لمراقبة سلوكنا ، وأن شريحة ذكية لبطاقات الهوية وقواعد بيانات المستهلك تكشف معلومات شخصية وتتنبأ بما سوف نشتريه وما نفكر فيه، ويشير كانتون إلى أن الناس فى العالم باتوا معرضين للخطر الإلكترونى، فلصوص الهوية يسرقون أكثر من 40 مليون شخص سنويا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأكثر من 100 مليون شخص فى العالم، وهذه الأرقام فى تزايد، وأن قراصنة الحاسب الآلى يسرقون المليارات من حسابات الأفراد المصرفية. إن كل بريد إلكترونى يتم مسحه إليكترونيا وتحليله وتخزينه حتى يستطيع المسئولون البحث عن رسائل تمثل تهديدا مرسلا أو مستقبلا من أى فرد فى أكثر من مائة دولة بما فى ذلك الولاياتالمتحدة. أما الظٌرف فى هذه القصة فهى الأسباب التى ساقتها عميدة الصيدلة لتبرير ما فعلته من أن الحمامات تعرضت للسرقة. يطيب لى استدعاء فطنة وظرف وذكاء جحا فى التعامل مع المواقف الصعبة، فقد خرج جحا ذات يوم من المسجد فلم يجد حذاءه فوقف يصرخ أمام الناس بأعلى صوت ويهدد «أقسم بالله إن لم تحضروا لى حذائى فسوف أفعل كما فعل أبى فتجمع الناس حوله مندهشين وسألوه وماذا فعل أبوك؟» فكرر تهديده فخاف الناس منه وأحضروا له حذاء جديدا ثم سألوه ماذا فعل أبوك يا جحا؟ قال ذهب إلى البيت حافيا! أستدعى أيضا حكمة سليمان الحكيم عندما جاءه رجل وقال له «لى جيران يسرقون أوِزى» فنادى للصلاة جامعا الناس وبعدها خطب فيهم وقال لهم إن أحد الناس يسرق أوِز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه فمسح رجل رأسه فكان هو المريب الذى قال خذونى وكان هو من سرق جاره وأمر سليمان بالقبض عليه، لقد كشف سليمان الفاعل دون أن يوسع دائرة الاشتباه أو يزرع الخوف والشك والريبة بين الناس. إننا أمة فى خطر وسيزداد إن لم نستفق من هذه الغفلة. لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى