أهو شخصية حقيقية أم أسطورية من نسج الخيال؟! اشتهر «جُحا» فى تاريخنا وثقافتنا الشعبية بروح الفكاهة، ووصلتنا نوادره فى تجليات الحياة المتعددة، وأغلبها يتسم بالحكمة والدهاء، وخِفَّة الظِل. فمن هو جحا هذا الذى أضحكنا كثيرا؟. هو شخصية فكاهية حقيقية، معروفة فى كثير من الثقافات القديمة، ونسبها المؤرخون إلى جنسيات مختلفة، وعصور متباعدة، ومجتمعات متفرقة. واسم «جحا» لا يُصرَّف، وهو مشتق من «جاح» مثلما أُخذ « عمرو» من «عامر»، ويقال : «جحا يحجو حجواً إذا رميَ»، ويقال : «حيَّا الله جحوتك» أى وجهك، وجحا يعنى «الوجه البشوش الضاحك». وابتكرت شعوب كثيرة شخصية« جُحا» خاصة بها ملائمة لطبائعها وظروف حياتها، وإن اختلفت أسماءه وحكاياته، لكنه بقى «جحا» الداهية الذى يدِّعى الحماقة عند كل الشعوب، و«جحا المصري» شخصية حقيقية، وهو «نصر الدين خوجة»، و عاش فى تركيا، ثم أتى إلى مصر، وعمل مُدرساً، واشتهر بدعاباته ونوادره الفكاهية، وهى لم تكن مجرد فكاهة للضحك فقط، لكنها تحمل قيما جميلة وعِبَر وعِظات إضافة إلى الكوميديا. ومن نوادر « جحا العربي» أن حاكماً ظالماً استدعاه وقال له: « ياجحا إن من الملوك الذين سبقونى من سمَّى نفسه الحاكم بأمر الله، والمعز لدين الله، المستنصر بالله، وأريدك أن توجد لى اسم مرتبط بالله»، فقال «جُحا» : « أمهلنى يومين»، وبعدهما سأله الحاكم فقال «جُحا» : «أعوذ بالله». و ذات يوم ذهب إلى السوق ليشترى حماراً فصادفه قريبا له وسأله: « إلى أين يا جحا؟»، فأجابه: « إلى السوق لأشترى حماراً»، فقال قريبه: «قل إن شاء الله»، فرد «جحا»: « الفلوس فى جيبى والحمار فى السوق»، وفى السوق سُرقت أمواله فعاد حزيناً وقابله قريبه وهو على حاله هذه وسأله:« أين الحمار؟» فقال له جحا: « الفلوس إتسرقت إن شاء الله». وفى يوم اعتلى منبر أحد الجوامع وقال : « أيها المؤمنون.. هل تعلمون ما سأقوله لكم؟»، فأجابوه: «كلا لاندري»، فقال: « إذا كنتم لاتعلمون فما فائدة الكلام»، وغادر المسجد، وعاد فى يوم لاحق واعتلى المنبر نفسه، وأعاد عليهم سؤاله السابق فأجابوه : «أجل إنا نعلم»، فقال : «ما دمتم تعلمون ما سأقوله فما فائدة الكلام؟»، فحار الحاضرون فى أمره، وإتفقوا على تغيير إجابتهم فى المرة المقبلة، بحيث يقول بعضهم نعم، وبعضهم لا ، ولمَّا أتاهم فى المرة الثالثة وألقى سؤاله، أجابه فريق بلا، وآخر بنعم، فقال «جحا» : « حسناً جداً.. من يعلم خبر من لا يعلم». وذات مرة ضاع حماره فراح يصيح : ضاع الحمار.. والحمد لله فقال له الناس: أتحمد الله على ضياعه؟ فقال : نعم.. لو كنت أركبه لضعت معه ولم أجد نفسى وكان يسكن الطابق العلوى من منزله وطرق بابه سائل فأطل من النافذة وسأله : ما تريد؟ فقال السائل: انزل إلى لأكلمك، فنزل جحا وقال الرجل: أنا فقير الحال أريد حسنة يا سيدي، فاغتاظ جحا منه وقال له : اتبعني، وصعد الرجل خلفه إلى الطابق العلوي، ولما وصلا قال له جحا : الله يعطيك، فأجابه الفقير: ولماذا لم تقل هذا ونحن تحت؟، فقال جحا : ولماذا أنزلتنى ولم تسألنى وأنا فوق. وطلب جار له استعارة حماره، ولم يكن يريد أن يعطيه إياه فقال له : معذرة فقد ذهب ابنى بالحمار إلى السوق، وما كاد يتم كلامه حتى ملأ الحمار البيت نهيقاً، فقال الجار: أنت تكذب يا جحا .. الحمار يملأ البيت نهيقاً وتقول إنه فى السوق، فقال له : يا جارى العزيز أتصدق الحمار ولا تصدق جارك جحا؟! .