العلم المنسوب إليه تلك الأسلحة هو الجيوفيزياء أحد العلوم الجيولوجية الذى يدرس الخواص الفيزيائية للكرة الأرضية ويكشف استناداً إلى ذلك بنيتها وما يرتبط بها من ظواهر طبيعية مثل الزلازل والبراكين ونشوء الجبال...إلخ. كما تمتد اهتمامات هذا العلم إلي المحيط الجوي للكرة الأرضية وتأثيراته الإيجابية والسلبية علي حياة البشر, وما يتعرض له كوكب الأرض من تأثيرات صادرة عن الكواكب الأخري. فكرة الأسلحة الجيوفيزيائية مبنية علي تطوير وسائل عالية التقنية من شأنها الإحداث عن بعد لظواهر جيوفيزيائية أرضية وجوية مدمرة في منطقة العدو تؤدي إلي إبادة طبيعية لجنوده دون الاشتباك المباشر معهم. وهذا اتجاه في غاية الخطورة يمثل طفرة نوعية في تطوير أساليب الحرب ووسائلها. ولكي نفهم أبعاد هذا الموضوع ينبغي أولا معرفة بنية الكرة الأرضية, فهي ليست كتلة مصمتة, بل تتألف من نطق متكورة فوق بعضها بدءا من اللب حتي السطح الخارجي. تتمايز النطق عن بعضها فيزيائيا من حيث حالة التماسك المادي والحرارة والكثافة والحساسية المغناطيسية والكهربية. ما يهمنا من تلك النطق البنائية في موضوعنا هو النطاق الخارجي للكرة الأرضية والذي يسمي النطاق الصخري. ويمثل غلاف الأرض الجامد الذي نعيش فوقه. يبلغ سمكه في مجال القارات من ثلاثين إلي خمسين كيلومترا تقريبا, ويمتد عمقه تحت الجبال العالية إلي قرابة سبعين كيلومترا وتحت المحيطات إلي خمسة حتي عشرة كيلومترات فقط. وبذلك لا يبلغ سمك النطاق الصخري نسبة الواحد بالمائة من نصف قطر الكرة الأرضية الذي يقدر طوله بستة آلاف وثلاثمائة وثمانية وسبعين كيلومترا. وهو لا يلتف حول الكرة الأرضية كغلاف صخري متماسك بل يتجزأ إلي ستة ألواح كبيرة وعدة ألواح صغيرة. الألواح الستة الكبيرة هي: اللوح الأمريكي, واللوح الأوروبي( ويشمل أوروبا والقسم الأكبر من سيبيريا), واللوح الإفريقي( الذي نعيش فوقه), واللوح الهندي, واللوح الصيني, واللوح القطبي الجنوبي. الخطير في الأمر أن كل الألواح الصخرية غير ثابتة, بل تتحرك طافية فوق نطاق من الصهير الصخري الساخن لدن القوام ولذا يسمي النطاق الواهن أو المائع ويمتد سمكه حوالي ألف كيلومترفي عمق الأرض ويستمد حرارته من الطاقة الإشعاعية لعمليات التفتت النووي في جوف الأرض. تتسبب تيارات الحمل الحراري داخل الصهير الصخري في تحريك الألواح الطافية فوقه, مما يجعلها تتباعد أوتتقارب فتصطدم واحدة بالأخري أو تحتك بها أو تركب فوقها أو تغوص تحتها. ويؤدي ذلك إلي تصادمات غير مرنة بينها تباغتنا في أوقات لايمكن التنبؤ بها. وتتباين النتائج التدميرية تبعا لعنف الارتطام. فقد يؤدي إلي هزات أرضية خفيفة, أو إلي موجات زلزالية مهلكة كالتي حدثت في هايتي يوم الثاني عشر من يناير, وتشيلي يوم السابع والعشرين من فبراير هذا العام. وأقرب مثال لزلزال مدمر هو الذي حدث منذ أيام في إقليم كينجهاي شمال غرب الصين وارتفع عدد ضحاياه حتي الآن إلي مايقرب من1500 قتيل وعشرة آلاف جريح. وقد يكون التدمير في صورة ثورة بركانية عارمة نعاصر مثالا حيا لها في أيسلندا. ولا ننسي موجات المد البحري العاتية التي تنجم عن الزلازال البحرية. وبطبيعة الحال فإن أكثر الأماكن علي وجه الأرض عرضة لتلك الكوارث الطبيعية هي الواقعة علي حدود التقاء الألواح الصخرية, حيث تتعرض القشرة الصخرية للتوتر الأشد. وهذه المناطق الحرجة معروفة جيولوجيا علي امتداد العالم ويمكن استهداف أي منها بقذائف تفجيرية عنيفة تزلزل الأرض تحتها. وقد ذهب الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز في تصريح صحفي له يوم السابع من فبراير الماضي إلي حد الاتهام الصريح للولايات المتحدةالأمريكية بتسببها في زلزال هايتي الذي بلغت قوته سبعة. وأدي إلي مقتل قرابة المائتي ألف نسمة. ويعتقد شافيز أن الولاياتالمتحدة كانت تختبر سلاحا جيوفيزيائيا يستهدف بنية القشرة الصخرية. ولا يقل الغطاء الجوي للكرة الأرضية أهمية بالنسبة للأسلحة الجيوفيزيائية عن الغطاء الصخري, فهو يمثل مجالا خصبا للتلاعب بالأحوال الجوية في سماء العدو وإحداث تغيرات مناخية مدمرة في منطقته, مثل الجفاف أو الأعاصير أوالسيول الجارفة أوالإخلال بالتوازن الحراري, كما يمكن من خلاله إلحاق أضرار صحية بجسم الإنسان بعضها كامن يتعلق بجهاز المناعة أو النظام الجيني, علاوة علي التحكم عبره في نظم الاتصالات الكهرمغناطيسية والالكترونية للعدو. ويستخدم لتحقيق تلك الأهداف العدائية نطاقان من الغلاف الجوي, هما النطاق الأوزوني والنطاق الأيوني أو الأيونوسفير. فعلي ارتفاع حوالي خمسة وعشرين كيلومترا فوق سطح الأرض توجد طبقة من غاز الأوزون تلتف حول الكرة الأرضية كغطاء واق يمتص مجالا محددا من الأطوال الموجية فوق البنفسجية من أشعة الشمس ويمنعها من التسرب إلي الأرض فيجنب الكائنات الحية تأثيرها الهدام علي خلاياها وأنظمتها الوراثية. ومن هذا المنطلق يسهل استخدام الأوزون كسلاح فتاك باتلاف طبقته في سماء العدو عبر صواريخ تحمل' الفريون' علي سبيل المثال. أما الأيونوسفير فيمتد نطاقه من ارتفاع ثمانين كيلومترا إلي قرابة الخمسة آلاف كيلومتر فوق سطح الأرض, وهو مشحون كهربيا لأنه زاخر بالأيونات والإلكترونات الحرة نتيجة تأين جزيئات غازاته بفعل الموجات فوق البنفسجية والسينية في أشعة الشمس. وترجع أهمية الأيونوسفير إلي كونه المجال الذي تنعكس علي طبقاته الأيونية الموجات الكهرمغناطيسية التي تتيح التواصل اللاسلكي علي أوسع مدي, ويمكن من خلاله التحكم في نظم اتصالات العدو كهرومغناطيسيا وإلكترونيا وإتلافها. وقد بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية عام1990 برنامجا بحثيا لدراسة نطاق الأيونوسفير اطلقت عليه إسمHAARP, وهي الأحرف الأولي لكلمات انجليزية ترجمتها العربية' برنامج البحث الشفقي النشط في مجال التردد العالي', يشترك في تمويله سلاح الجو الأمريكي والبحرية الأمريكية وجامعة ألاسكا ووكالة البرامج البحثية المتقدمة للدفاع. الغرض المعلن من هذا البرنامج هو الدراسة التحليلية لمجال الأيونوسفير واستقصاء إمكانية تطوير تكنولوجية إيونوسفيرية عالية المستوي من أجل الاتصالات اللاسلكية وأغراض الترصد والمراقبة لاكتشاف القذائف والصواريخ علي سبيل المثال. المثير للشك في هذا البرنامج أنه حدد ضمن أهدافه التطبيقية رسم خرائط تفصيلية للبنية تحت الأرضية في بلدان ذكر منها مثالين, هما إيران وكوريا الشمالية. ويرتاب الكثيرون وفي مقدمتهم الخبراء الروس في نوايا هذا البرنامج الخفية. وللأسف فإن الأبحاث في مجال الأسلحة الجيوفيزيائية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل الحديثة ليست قاصرة علي الولاياتالمتحدةالأمريكية, بل تتنافس معها في هذا النشاط التدميري دول أخري. ولم تعترف أي دولة حتي الآن بحيازتها لأسلحة جيوفيزيائية. وسوف يثبت الغد أن ما كنا نعتبره بالأمس خيالا علميا أصبح واقعا مرعبا.