قمت بوضع مشروع للبيت المحلى الذى يلائم العصرولم يهتم أحد لن تنجح المشروعات الصغيرة دون النهوض بالحرفيين وتغيير نظرة المجتمع تجاههم
الدكتور أحمد عطا عميد كلية الفنون التطبيقية الأسبق هو أحد رواد التصميم الداخلى فى مصر، وقد أسهم فى تطويروتجديد العديد من الصروح المهمة، ومنها مبنى وزارة الخارجية وجامعة الدول العربية ومجلس الشورى،واتخذت كلية الفنون التطبيقية فى أثناء توليه عمادتها فى الفترة من 1988إلى 1991 مجموعة من الخطوات الحيوية لربط الكلية بالمجتمع وإثراء الذوق العام، وخروج تصاميم الطلبة من القاعات المغلقة إلى مراكز الإنتاج والتصنيع . والتصميم الداخلى لدى دكتور أحمد عطا مرادف للجمال والإبداع،ومحاكاة للغة الأناقة والفخامة و«راحة العين» والبساطة فى آن واحد ، وهى لغة يبرع فى تجسيدها عبر تصاميم وخامات وأفكار مبتكرة ينطلق بها فى فضاء الجمال والرقى، التى حول بها الكثير من الرموز و المشاريع، إلى واحة تنطق بالإبداع والمهنية معا. .................. ومع احتفال الكلية العريقة بمرور 179 سنة على إنشائها ، وهو الاحتفال الذى سيكشف الكثير عن تاريخها الطويل، ومع الإعلان أيضا عن عودة مركز التصميم والفن فكرة د.عطا التى أطلقها فى التسعينات من القرن الماضى إلى الساحة الفنية قريبا كان لنا هذا الحوار معه حول مشواره الفنى، ورؤيته للتصميم الداخلى وصناعة الأثاث فى مصر الآن ، وسبل الارتقاء بالذوق العام، و طلبة كليات الفنون فى مصر، وكيفية توظيف علم التصميم الداخلى فى نشر قيم الجمال فى البيت المصرى فى ظل الظروف الاقتصادية، والاتجاه إلى البيوت ذات المساحات الصغيرة. ماذا تقول عن كلية الفنون التطبيقية مع اقتراب الاحتفال بمرور179 سنة على إنشائها؟ هى كلية الحياة والبيئة والمجتمع، يتضافر فيها الجمال مع الوظيفة، وهى منذ القرن التاسع عشر تمثل قبلة لكثيرين ممن يتميزون بالإبداع و الذوق الفنى العالى. ما الفرق بين مفهوم التصميم الداخلى والديكور؟ إذا حاولنا تبسيط الأمر فيمكننا القول إن هندسة الديكور تهتم بتوزيع الأثاث فى المكان، أما التصميم الداخلي Interior Design فيهتم بكل ما يتعلق بتفاعل الإنسان وتواصله داخل المكان، ذلك أن التصميم الداخلى هو مجموع التخطيط والتصميم للفراغات الداخلية،وتوظيفها لصالح كل احتياجات الإنسان بالاستعانة بعناصر إبداعية مبتكرة وجديدة. لا يٌعد الاهتمام بالتصميم الداخلى إذن رفاهة ؟ إنه وثيق الصلة براحة الإنسان وبحاضره ومستقبله ،وعلى سبيل المثال تؤدى غرفة الطفل وما نسمح له بها من مساحة فراغ دورا جوهريا فى تمتعه بسعة الأفق، وفى قدرته مستقبليا على الإبداع و الابتكار. إن الأمروثيق الصلة فقط بالذوق الرفيع، وحسن الاختيار كاختيار الألوان والفراغ والأثاث،والتماهى مع العصر، والاستلهام من التراث والهوية. كيف ترى الاهتمام بالجمال فى مصر ؟ ثقافة الجمال تراجعت ، وانعكس ذلك على البيت المصرى وجميع المؤسسات، فما الداعى على سبيل المثال للإصرار على قطع الأثاث الضخمة التى تأخذ مساحة كبيرة من المكان، و لا تترك فراغا كافيا للعين وللحركة ، وتستلزم الكثير من الوقت والجهد فى التنظيف والترتيب، فى حين كان البيت يتسم زمان بالذوق و الاهتمام بالتفاصيل ،وحتى قطع الأثاث الضخمة فإنها كانت تتماشى وقتها مع العصر، والآن من الممكن الاستعانة بالعديد من البدائل ،مثل مستنسخات للوحات الفنية والأثاث متعدد الوظائف. إن المصممين فى ألمانيا بعد الحرب العالمية ابتكروا أثاثا شفافا و glass furniture زجاجيا وشبيها بالزجاجى يساعد على الإحساس بالاتساع فى المساحات الصغيرة لأنه يجعلك تشعر بما وراءه و يريح العين ، فأين نحن من ذلك؟. لكن أين دور المصمم المصرى فى ابتكار أفكار جديدة ؟! وضعت من قبل فكرة مشروع أطلقت عليه «البيت العصرى الحديث» ليناسب مساحات البيوت الصغيرة ، ويقوم على فكرة أن الأسرة تبدأ باثنين وتنتهى بإثنين بعد زواج الأبناء أو سفرهم ، ولذلك ينبغى أن يقوم تصميم البيت على فكرة التغير و الأثاث متعدد الاستخدامات، بما يتلاءم مع أحوال الأسرة وعدد أفرادها، وحولت الغرف فى هذا المشروع إلى أركان، ركن للطعام وركن للمذاكرة، بحيث لا يكون البيت كله قائما على الغرف المتكاملة، وهو اتجاه جديد يغزو العالم الآن، ويهتم بالمساحات المفتوحة، مع الاهتمام بالخصوصية التى تتلاءم مع التقاليد المصرية، لكن للأسف ربما تقف الأسرة ضد هذا المشروع ، فكيف لها أن تقتنع بهذه الأفكار والبعض يشترى قطع أثاث للزينة، ويخاف عليها لدرجة وضعها فى مكان لايقترب منه سوى الضيوف، بل إن هناك مساحات فى الشقق يمنع أهل البيت من دخولهابدعوى المحافظة عليها! الخلاصة لا تغيير حقيقى فى ظل تمسك الأسرة المصرية بمفهومها عن الجمال، والعادات القديمة التى عفا عليها الزمن. هذا يقودنا مرة أخرى إلى قضية الارتقاء بالذوق العام و ثقافة الجمال ؟ بالتأكيد، وهو ما يتطلب جهدا من المدرسة والبيت، إذ يبدأ الإحساس بالجمال منذ الطفولة ولذلك كانت للمدارس العريقة فى مصر تهتم بالطريقة الصحيحة لتناول الطعام و اختيار الملابس، وغرس حب الفنون والآن يمكن تحقيق ذلك عبرالعدالة الثقافية، بمعنى أن يتوجه المعنيون بالثقافة إلى الناس فى كل مكان بالكتب والعروض الفنية والندوات. إلى أى مدى ترى تأثير ثقافة الجمال على طلبة كليات الفنون أيضا ؟ هناك مشكلة حقيقية فى طريقة قبول الطلبة بكليات الفنون،كيف يمكن قبول طلبة من المفترض أنهم سيقودون الحركة الفنية بكل مجالاتها وهم لا يتذوقون من الأصل الجمال ؟! وكل ما جعلهم يتأهلون للإلتحاق بالكليات الفنية هو مجموعهم المرتفع الذى حصلوا عليه بسبب الحفظ؟!. وأين دور اختبارات القبول فى التقييم منذ البداية ؟ لا تقيس القدرات الحقيقية ولا الموهبة ، ولا الثقافة، ودائما ما أقول لطلابى إن المصمم الذى لايقرأويتثقف، ويذهب إلى المتاحف والمعارض التشكيلية والعروض الفنية و الأوبرا ،ولا يستمع إلى الموسيقى لايمكن أن يكون مصمما مبتكرا ذات يوم. تبرز قضية إحياء الحرف المصرية وارتباطها بدور المصمم ؟ لابد من الاهتمام بالحرفيين ومنحهم المكانة الإجتماعية التى يستحقونها، فمن ينفذ تصميمات المهندسين هم الحرفيون، والحرفى المصرى كانت «يده تتلف فى حرير» على سبيل المثال النجارالمصرى عماد مدينة دمياط التى كانت قلعة للأثاث اليدوى فى العالم، أين هو الآن وأين هذه القلعة العظيمة ؟. لماذا حرصت الآن على إحياء «مركز الفن والتصميم» للكلية بعد سنوات من التوقف؟ لأن عودته ضرورة ملحة خاصة مع الحراك الذى تشهده مصر فى مجال الانتاج والتصنيع والاهتمام المتزايد للدولة بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ولابد من التعاون بين الكلية وبين الشركات والمصانع والمجتمع المدنى، بحيث يتم عرض تصميمات الطلبة ومشاريع التخرج على جهات الإنتاج لتنفيذها، وعملنا نماذج لها كى تكون فرصة لكى يروج الطلبة تصميماتهم من ناحية وتستفيد المصانع بضخ أفكار شابة بعد الحصول على حق الانتاج من ناحية أخرى. إذن لا ينبغى للكلية أن تبقى حبيسة أسوارها ؟ بالتاكيد.التواصل بين الحياة الجامعية والمجتمع ضرورة ملحة وأتذكر عندما كنت عميدا للكلية فقد عملت على تحقيق ذلك من خلال التواصل مع محافظ الجيزة، وبعض الوزراء مثل وزير الزراعة الذى طلبت منه شخصيا تشجير الكلية وزراعة نباتات فى الأجزاء المختلفة من الكلية،و جعلت الطلبة يسهمون طواعية فى طلاء الكلية وتجميلها كى يصبحوا أكثر محافظة عليها، ودعوت أشهر خريجيها من فنانين ورجال أعمال ومنهم كمال الشناوى وعبد المنعم مدبولى إلى مؤتمر كبير بها، لأعزز الانتماء. كيف ترى العاصمة الإدارية الجديدة ؟ أراها من أهم المشروعات القومية التى أقامها الرئيس عبد الفتاح السيسى، إذ تحل أزمة التكدس السكانى فى القاهرة، وتعيد الوجه الحضارى لعاصمة مصر، خاصة أنه تم التخطيط لها جيدا، ومن يحاول التقليل من أهمية هذا المشروع إنما «ينتمى لكلام المصاطب»، غير العلمى أو المدروس.