يجيء قرار محافظ القاهرة بفرض غرامة بيئية، قدرها عشرة آلاف جنيه على أصحاب السيارات، أو مالكى العقارات، أو اتحادات شاغليها الذين يستخدمون المياه فى غسل السيارات أو رش الشوارع، خطوة إيجابية على طريق تنفيذ القانون، والحفاظ على مقدرات الناس وحماية مصالحهم. فإهدار مياه الشرب فى غير غرضها، هدر عجيب، اعتاد الكثيرون عليه باعتبار المياه لا تنفد، وتناسينا ما تنفقه الدولة على تنقيتها وتوصيلها للمستخدمين، من هنا تتضح أهمية الحفاظ عليها، ولكن هل تنفيذ عقوبة هدرها على أحد مالكى السيارات الذى تم ضبطه يهدر المياه بغسل سياراته فى الشارع، يمكن أن يشكل أحد أنواع الردع لمن تسول له نفسه فعل ذلك؟ فى الحقيقة ينتابنى الشك فى حدوث ذلك، لعدة أسباب، يرأسها، عدم وجود قوة فاعلة لتنفيذ القانون، فعدد السيارات فى القاهرة يتخطى المليون تقريبا، وأصحابها منهم من يغسل سياراته فى الشارع، أو الأماكن المعدة لغسل السيارات، التى لم يوضح المحافظ كيفية التعامل معها، وهل هى مستثانا من فرض العقوبات؟ وكلنا نشاهد كمية المياه المهدرة فى غسيل السيارات، وما هو الفارق بين غسيل السيارة فى مغسلة، أو غسلها فى الشارع؟ ثانياً، هل سيتم تعيين أفراد تجوب الشوارع وجراجات العمارات ليلا ونهاراً لضبط المخالفين؟ ثالثاً، نصل لنقطة أراها أكثر أهمية، كيف تتعامل محافظة القاهرة مع باقى المخالفين بيئياً؟ مثل المقاهى وورش السيارات وما شابه، هل يتم تحرير مخالفات لعشرات الآلاف من المخالفين؟ هل تتم متابعتهم؟ والعمل على عدم تكرار المخالفة؟ الإجابة أنتم أدرى بها. فمما لا شك فيه، أن لدى محافظة القاهرة من خلال أحيائها حصرا لكل المقار المخالفة، بدءا من العقار الذى أغلق جراجه وحوله لغرض آخر، وبات على سكانه وضع سياراتهم فى الشارع الذى أصيب بجلطات جعلته مسدوداً و بالتالى بات المرور منه كحلم صعب المنال. والمطاعم والمقاهى المخالفة للاشتراطات البيئية والصحية، ألا يوجد قانون يردعها، فما بالنا بمن يعمل منهم دون أى ترخيص من أى جهة، بل الأكثر غرابة من صدر بحقه أحكاما بالغلق، وما زال يعمل بأريحية عجيبة! كيف يمكن إقناع المواطن بعدم مخالفة القانون، والامتناع عن غسيل سيارته بالشارع، وهو يرى كل يوم منذ خروجه من بيته وعودته إليه، كما لا يحصى ولا يعد من المخالفات ترتع وتجهر بأفعالها دون توقف، وهو يعلم تماماً أن نقطة مياه تساوى حياة، ولكنه يأمل و يتمنى ألا تتكدر حياته كل يوم بمنغصات ما أنزل الله بها من سلطان. شوارع يتم عمل مطبات لتهدئة السيارات، لتسيير عبور الناس، أمر محمود، ولكن أن تصنع المطبات بهذه الطريقة المستفزة التى قد تؤذى السيارات فى بعض الأحيان، أمر مزعج ومضر، وكان يمكن تنفيذ المطبات بطريقة تجبر قائد السيارة على التهدئة، دون أن تؤذيها. ولكنه الاستسهال! مقاه انتشرت كالنار فى الهشيم، غير مرخصة فتستخدم الكهرباء والماء، وهكذا لا يتم حساب التكلفة الحقيقية لقيمة الكهرباء وأيضاء الماء، كل ذلك يعرفه ويشاهده الناس، إضافة إلى عملها حتى شروق الشمس، تسبب كل درجات الإزعاج للسكان المجاورين، وأمامها يتم تكديس السيارات، ناهيكم عن اقتطاع جزء كبير من الشارع وضمه للمقهي، لتتحول هذه المقاهى لنقاط خانقة للمرور، فنزيد معاناة الناس بلا جريرة ارتكبوها! وعندما يقرر الناس الشكوي، تنزل الحملات مدججة بكل الأدوات، ترافقها الكاميرات لتصور إنجازاتها، تغلق بعض من المقار المخالفة، وفور ذهابها، تعاود نشاطها، وهكذا تتكرر الحملة و يتكرر الفتح بعد الغلق، و تستمر الدائرة بلا توقف، ويظل المواطن فى انتظار تطبيق القانون، الذى يصيبه الإحباط من تكرار الشكوى وطول الانتظار، إلى أن يتسلل اليأس لنفسه فيقنع بأنه يبذل جهداً بلا عائد، لتداعب الأسئلة عقله، باحثاً عن إجاباتها. متى يتم تنفيذ القانون على كل المخالفين، وكيف؟ القاهرة هى العاصمة، وهى أكبر المحافظات سكاناً وأيضا الأكبر فى عدد الأحياء الإدارية، ظلت تعانى كثيرا، وكانت أكبر مشكلاتها، العشوائيات، إلى أن قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى القضاء عليها، وبالفعل لمس المواطن بيديه وشاهد بعينيه، علاجاً ناجزاً لكارثة العشوائيات، والأسمرات وروضة السيدة دليل حى على ما أقول. القاهرة هى الأكثر ازدحاماً مرورياً، وجزء من علاجه يكون بتسييل جلطات الشوارع التى تسببها نقاط الاختناق التى نعلم سببها جميعا، ولكن كل ما تحتاجه تطبيق القانون بحسم ومتابعة. القاهرة تحتل النسبة الأكبر بين كل محافظات الجمهورية فى عدد المخالفات التى تتنوع بين مخالفات البناء، أو وجود «محال» بلا ترخيص، أو غير مكتملة الاشتراطات البيئية والصحية. القاهرة تئن، وقاطنوها يضجون من بلطجة المخالفين، وبات من الضرورى حمايتهم من سطوتهم التى تجبرت بشكل مفزع! وأخيراً، القاهرة تتجمل وبصدق من خلال خطوات أشرنا إليها، ولكن ليس بفعل مسئوليها، ولكن بفضل محبيها. فهل أضحت القاهرة فى حاجة ماسة لتدخل سريع ينقذها من براثن المخالفات التى أضنت سكانها؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة، لاسيما بعد تطبيق أول غرامة بيئية على أحد ملاك السيارات بعد ضبطه متلبسا بغسلها فى الشارع!.