تشعرك تصرفات بعض المسئولين أن لديهم قدرة عجيبة على التعايش بهدوء واستقرار مع الوضع الراهن بكل تعقيداته، بدرجة تدعو للضيق مما يحدث، حتى خطواتهم دائما تأتى متأخرة إذا تحركوا! فقد ألقى قتيل «مقهى» النزهة الضوء على مهازل «المقاهى» وشاهدنا تحركات سريعة ومتلاحقة من الأحياء والشرطة على التوازى لغلق المخالف منها، وظهر الأمر على أننا كنا فى انتظار هذا الحادث المؤسف لكشف عورات مجتمعنا! فجأة انتابت المحليات حالة من النشاط غير المعتاد، وتوجهت جحافل قواتها صوب عدد معتبر من «المقاهى» لغلقها بالشمع الأحمر، فقد كشرت عن أنيابها التى كانت فى غفوة عمدية طويلة، نبتت خلالها زروع خبيثة بعد أن وجدت البيئة الخصبة لنموها، وأضحت مشاهدة المخالفات أمراً عادياً سواء كانت «مقاهى» أو أشياء أخرى، مثل سير آلاف مركبات التوكتوك غير المرخصة بلا حسيب أو رقيب، ثم تبدأ الحملات المعنية بالتحرك صوبها فور وقوع حادث مفجع والعياذ بالله. الحديث عن حالة التعايش السلس مع الكوارث، تجاوز كل الحدود والأعراف بطريقة مبهرة ومحيرة فى نفس الوقت، لتصنع لنا مشاهد حياتية، يعجز أبرع مخرجى السينما فى تقديمها. خذ عندك الصورة القادمة، لا يكاد يخلو طريق رئيسى أو فرعى من وجود «المقاهى» وهى طرق يمر على أغلبها كبار المسئولين، وفى بعض الأحيان يجلس بعضهم عليها، وهذا حقهم فهم يثبتون للشعب أنهم منهم ومثلهم، ومعظم هذه «المقاهى» غير مرخصة، تعمل وتستهلك مياها وكهرباء.. إلخ، بلا سند من القانون، وتحقق أرباحا بغير تحصيل ضرائب، منهم من يتحصن بجلسائه، وآخرون يتدثرون بعباءة الفساد، فإذا صدر قرار بالغلق، تجد ذات المقهى بعد سويعات قليلة شرع فى العمل، بل وبطريقة أكثر بجاحة، فيقتطع الرصيف المقابل له، وأحيانا جزء كبير من الطريق، مما يسبب عرقلة المرور، كل هذا دون خجل، وفجأة تشاهد السادة المسئولين ينددون بفساد المحليات التى باتت واقعاً نعيشه، ولا تحاول أن تسأل نفسك من المخلص؟ لأن حيرتك ممكن أن تبدد إذا علمت أنها منظومة قوية، أحيانا أشعر أنها أقوى من القانون، ولا أخشى أن أقول إنها تعلوه للأسف الشديد، منظومة تملك من النفوذ ما يؤمن لها الحماية القصوى من أى بطش أو مسألة. وإلا بماذا نفسر وجود آلاف من المقاهى بلا ترخيص، تعمل على مدى الساعة بلا حسيب أو رقيب، مقابل بضع إتاوات تذهب لبعض الناس المعلومة لتركها ترتع كيفما تشاء، لتضيع على الدولة ملايين الجنيهات شهرياً، لو كانت هذه الأماكن مرخصة. ثم نتحدث عن النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد، كلاشيهات حفظها البسطاء عن ظهر قلب، تبكيهم تارة وتضحكهم أخرى، فهى لا تغنى من جوع. السؤال الأهم، لماذا لاتتم محاسبة المقصرين والمهملين، أى حصانة يتمتعون بها؟ من المسئول عن وجود مقاه بلا ترخيص؟ من المسئول عن وجود مدارس تتعامل مع أولياء الأمور بعلياء أحمق وكأنها دولة داخل الدولة، تتلاعب بهم كيفما تشاء دون أى مواجهة تذكر. من يقف وراء الآف السيارات «الميكروباص» غير المرخصة التى تعربد فى الشوارع غير مكترثة بالغير، ولا تخشى كاميرات المرور، هل نعلم أن الطريق الدائرى وغيره من الطرق المهمة، يعانى إهمالاً منقطع النظير قد يؤدى إلى إصابتا بكوارث نحن فى غنى عنها، و لماذا لانتحرك إلا بعد الفاجعة؟ الأحد الماضى انهار كوبرى المشاة بالكيلو 26 طريق الإسكندريةالقاهرة الصحراوى، وكان السبب اصطدام سيارة بجسم الكوبرى، حلقة متجددة فى مسلسل التعايش مع الواقع الأليم، ولأن الحادث لم يسفر عن وقوع ضحايا سيمر مثلما مر شبيهه، دون أن نعلم السبب، أو كيف يمكن تلافى وقوع هذا الخطأ مرة أخرى. متى يتحرك المسئولون فى الوقت المناسب، هل تتذكرون قرار رفع الجمارك عن الدواجن المستوردة، ثم العدول عنه بعد ضغوط منتجى الدواجن المحلية، التى أدت إلى رفع الجمارك عن أعلاف الدواجن المستوردة، وقتها تعهد المنتجون بالحفاظ على سعر معقول للدواجن المحلية، فهل تحقق وعدهم، وهل حققت الحكومة تعهدها بمراجعة وعدهم، والسماح باستيراد دواجن معفاة من الجمارك تيسيراً على الغلبان الذى تركته لقمة سائغة فى أيد جشعة، أترك لحضراتكم الإجابة، فأنتم أكثر علماً بها. أضف إلى ذلك الزيادات المطردة فى الأسعار، تحت مبررات زيادة سعر الدولار، رغم أن سعره شبه ثابت منذ بضعة أسابيع، لا الحكومة حمت المواطن ولا حصلت الضرائب المطلوبة على مكاسب التجار المهولة، ولا سعت لفرض سطوتها على الأسواق! واقعنا غريب، أناس يفعلون ما يحلو لهم بأريحية تثير الحنق، ومسئولون تيبست مفاصلهم، جعلت حركتهم بطيئة جدا، بشكل يصدر اليأس والإحباط للناس، وحكومة لا تحرك وازعا صوب مهازل مؤذية، تحدثت عن بعض منها كمثال حى على اللامبالاة والتطنيش، ومواطن ألهته الحياة بأزماتها التى تأتيه كالأمواج المتلاطمة، حتى تصادق مع القلق، وتآنس مع الفزع، ما أن يخرج من حفرة، حتى يقع فى الأكبر منها. حكومة لا تتحرك إلا بعد الفعل، لتتخذ رد الفعل، ومسئولون فرضوا علينا انتظار قتيل آخر حتى ينتفضوا! [email protected] لمزيد من مقالات عماد رحيم