حقيقة الأمر لا يوجد شيء اسمه منتدى القاهرة الإستراتيجي. وهذا المقال يدعو لإنشاء مثل هذا المنتدي, ومن ثم تصبح الأسئلة الجديرة بالإجابة هى ما المقصود بهذا المنتدي؟ ولماذا تحتاج مصر له ؟. نقطة البدء فى الإجابة عن ذلك هى أن العالم له نخبة فكرية، وأن هذه النخبة تلعب دورا رئيسيا فى صياغة التوجهات الكبرى فى العالم، والترويج لرؤى معينة بالنسبة لقضايا أو دول محددة. هذه النخب تتكون من مجموعة من المفكرين الاستراتيجيين و الباحثين و الشخصيات الإعلامية والسياسية. أعضاء هذه النخبة هم من يقومون بكتابة مقالات الرأى بالصحف الدولية الكبري، أو يطلون على شاشات محطات التليفزيون العالمية للإسهام فى تشكيل الرأى العام بشأن قضايا مختلفة، أو يخرجون نتاج فكرهم من خلال مطبوعات وندوات تنظمها مراكز الأبحاث يعملون بها, باختصار هؤلاء هم قادة الرأى العام فى العالم. جانب من هذه النخبة يلتقى بشكل دورى للتفاعل والحوار فى منتديات ومؤتمرات تعقد فى مدن مختلفة بالعالم، وربما يكون أشهرها هو «منتدى دافوس» الذى يعقد سنويا بسويسرا، و شهد يناير الماضى نسخته الثامنة و الأربعين، والتى شارك فيها ما يقرب من الفين وخمسمائة شخص من المؤثرين فى العالم من مجالات السياسة و الإعلام و قطاع الأعمال. هناك منتديات أخرى أقل حجما ولكن ليست أقل تميزا و تأثيرا، وتركز بشكل أكبر على القضايا الإستراتيجية ومنها «مؤتمر ميونخ للأمن» الذى يعقد بألمانيا فى فبراير من كل عام، والذى أصبح المنتدى الأبرز لمناقشة القضايا الأمنية فى العالم، وشارك فيه هذا العام مايقرب من اربعمائة و خمسين من القادة و المفكرين و الباحثين من العديد من دول العالم. روسيا أيضا تنظم منتدى إستراتيجيا يطلق عليه «منتدى فالداى للحوار الدولي» والذى ينظم بشكل سنوى ويتحدث فيه الرئيس بوتين، ويخرج من إطاره منتديات فرعية لمناقشة قضايا إقليمية، مثل مؤتمر فالداى لقضايا الشرق الأوسط الذى عقد منذ أسابيع قليلة فى موسكو. الهند أيضا لها المنتدى الخاص بها، ويسمى « حوار رايسينا « والذى يعقد بشكل سنوى بالعاصمة نيودلهي، وشارك بالحضور فى اجتماعه الأخير فى يناير الماضى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، والقى الكلمة الافتتاحية به. بعض الدول العربية أنشأت مثل هذه المنتديات، فهناك «حوار المنامة» والذى يعقد سنويا بالعاصمة البحرينية، ويجتمع فى إطاره العشرات من الشخصيات السياسية والمفكرين الاستراتيجيين من العديد من دول العالم، لتبادل وجهات النظر إزاء التحديات الأمنية. وهناك أيضا «ملتقى أبوظبى الإستراتيجي» الذى يعقد بالعاصمة الإماراتية سنويا، و»قمة الحكومات» بدبي، وغيرها من الأمثلة. ماذا إذن عن مصر؟ نحتاج بالتأكيد لتوطيد علاقتنا و حوارنا مع نخبة العالم الفكرية و الإستراتيجية، لأن هذه النخبة - كما أشرت سلفا تمثل قادة الرأى العام على المستوى الدولي، و ما تكتبه أو تقوله يسهم بشكل إيجابى أو سلبى على صورة دول العالم، ومنها مصر. جانب من هؤلاء هم من يكتبون فى الواشنطن بوست أو النيويورك تايمز أو يظهرون على شاشات السى إن إن، والبى بى سي، وغيرها. علينا أن نتحرك فى اتجاهين، الأول هو زيادة المشاركة المصرية فى المنتديات الدولية السابق الإشارة اليها، والتى يلاحظ أن مشاركة مصر فى بعضها تكاد تكون معدومة أو محدودة، أحد أسباب ذلك يعود الى أن قدرات العديد ممن ينتمون للنخبة المصرية - إلا فيما ندر- أصبحت محلية و لا تملك أدوات الحوار و المشاركة الإيجابية على المستوى الدولي. ولكن السبب الآخر هو أن المشاركة فى بعض هذه المنتديات لاتحتل الأهمية الكافية فى الإدراك المصرى على المستوى الرسمى أو غير الرسمي. الاتجاه الثانى وهو الأهم يتعلق بضرورة تنظيم منتدى إستراتيجى تستضيفه مصر، ويحمل اسم القاهرة أو أى مدينة مصرية أخرى ، ويعقد بشكل سنوي، و يتم دعوة شخصيات دولية من الباحثين و المفكرين الاستراتيجيين وصناع القرار السياسى الحاليين والسابقين للمشاركة فيه لمناقشة قضايا مصر والمنطقة و العالم. فوائد مثل هذا المؤتمر عديدة، منها الحوار مع نخبة العالم، والتعرف عن قرب وبشكل مباشر على أفكارهم وهواجسهم. كما أنه أيضا يتيح فرصة لعدد أكبر من النخبة المصرية للتفاعل مع هذه النخبة الدولية، ويتيح كذلك فرصة لتثقيف الرأى العام حول القضايا المثارة فى المؤتمر من خلال نقلها بواسطة وسائل الإعلام. والأهم مما سبق أن مثل هذا المنتدى سيتيح لمصر عرض بضاعتها و توضيح سياساتها و مواقفها لهذه النخبة الدولية، سواء أثناء مناقشات المؤتمر، أو الجلسات التى قد تنظم على هامشه مع كبار المسئولين المصريين...مصر قادرة على تنظيم مثل هذا المنتدي، و تكلفته بسيطة بالمقارنة بفائدته الكبيرة. لمزيد من مقالات د. محمد كمال