إن فكرة رعاية الكنيسة وليست رئاستها, هي الأمر المطروح الآن علي الساحة, وأن الفكرة الرعوية لشعب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيدة عن فكرة رئاسة شعب الكنيسة أو رئاسة الإكليروس فيها أي القسوس والشمامسة. في المفهوم الكنسي العقائدي فإن الرئاسة هي رئاسة الخدمة وإتمامها, فالأسقف حينما يقوم بخدمة الكنيسة في قعاساتها لا يرأس وظيفيا القس أو القمص, إنما يرأس مراسم الخدمة وطقوسها متقدما أمامهم, فليس هناك علاقة وظيفية مدنية تجمع طاقم خدمة الكنيسة من أساقفة وقسوس وشمامسة مثل الدرج المهني العادي, بل هم مجموعة متجانسة من أصحاب الشركة بروح واحدة في الخدمة لتتكامل دون سطوة أو سلطان بل بروح التكافل والتكامل بينهم. إن فكرة رعاية الكنيسة قدمها الإنجيل لشخص الأسقف ثم يليها القس ويليها الشماس كدرجات ثلاث أساسية, فلا يوجد في الكنيسة قانونيا وعقائديا كلمة بطريرك ولكنها رتبة وليست درجة اشتقت لتمييز الأسقف الأول الذي يتقدم الأساقفة الآخرين المشرفين علي أبروشيات الكنيسة جمعاء, فسمي الأسقف الأول المتقدم علي الأساقفة الآخرين بكلمة بطريرك, ثم إن الأسقف الأول البطريرك قد أعطي طقسيا ولغويا كلمة البابا وهي مشتقة منABBA القبطية ومنEPop اللاتينية أي الأب الكبير الذي يحتضن كل الرعية. والبطريرك يتساوي مع جميع الأساقفة في الحقوق والواجبات التي يتمتع بها كل أسقف, وهي إطلاقات طقسية خمسة وهي وضع اليد والتبشين ومحاكمة الاكليروس واعداد الميرون وتقديس اقامة الغذاري. إن رئاسة البطريرك للكنيسة هي رئاسة خدمة, فلا يرأس البطريرك أيا من الأساقفة رئاسة وظيفية أو بكرامة روحية انجيلية طقسية أعلي, إن ما يميز البطريرك هو المتقدم في الصفوف من حيث بدء طقوس الخدمة وإتمامها. إنه من الثابت قانونيا وكنسيا إن كل الطاقات والمميزات الروحية التي لأبسط قس هي ذاتها التي للبطريرك لا يزيد عليها قيد أنملة فلا يوجد في المفهوم المسيحي كهنوت كبير أو كهنوت صغير, فالكهنوت واحد إذ قدمه ومنحه السيد المسيح لكل من أعطاه خدمة السرائر أمام مذبح الكنيسة. نعود إلي المفهوم السابق شرحه وهو فكرة رئاسة الكنيسة, فهي ليست فكرة رئاسة شعب الكنيسة, إذ ما يجب فهمه أن البطريرك ليس رئيسا اجتماعيا لشعب الكنيسة ولا رئيسا شعبيا لشعب الكنيسة ولا زعيما أو قائدا لشعب الكنيسة, فهذه المفاهيم مفاهيم باطلة في المعني الحقيقي للإيمان المسيحي, فلا يوجد في الإيمان المسيحي قيادة إنسان لإنسان أو وضعه تحت توجيهه ورسم طريقة حياته, فإن الذي أتي به الإيمان في الأناجيل المقدسة هو الذي رسم طريق الحياة والسلوك الإيماني الذي يخضع له البطريرك وبقية الأساقفة والقسوس والشمامسة سواء بسواء. من أجل ذلك ظهرت أهمية معرفة القانون الكنسي للراعي والرعية بحيث يخضع الجميع لتطبيقه, وأن يجادل كل الآخر من حيث صلاحية التطبيق, فلا يخاف الراعي أن يطالبه الرعية بالقانون الواحد الواجب التطبيق بينهما, فلا تحجب يا سيادة البطريرك مفردات القانون الكنسي بصراحته ونوره أمام الكل حيث يخضع الكل ويتبارك به الكل. ويتعاظم مقام البطريرك بتطبيق القانون علي نفسه. إن المهمة العظمي الذي يضطلع بها البطريرك بجانب بقية الأساقفة هي القيادة الروحية الإيمانية للشعب المسيحي عن طريق ممارسة وسائط النعمة, وهي الأسرار السبعة التي تحكم أركان الكنيسة وتعلم الشعب كيفية الحياة في نطاق هذه الأسرار الخفية التي ليس لها شكل مادي منظور ولكن لها رؤية سمائية قلبية يعيشها الإنسان المسيح في نطاق هذه الرعاية الروحية. إن الذي تطلبه الكنيسة من البطريرك المنتظر( الأسقف الأول) أن يكون بعيدا عن كل قيادات العالم ومشكلات العالم ونزاعات العالم وحروب العالم, لكن مستغرقا في الصلاة من أجلها, لكن لا يجوز للبطريرك إبداء الآراء السياسية أو الحكومية العامة إلا في نطاق ما يتعلق بحقوق أفراد مجتمع الكنيسة وحرياتهم ومشكلاتهم الخاصة, بحيث لا يكون ذلك في صورة شكوي فيه أو تذمر, بل إن يعرض ذلك عرضا أمينا مستلهما حمايته وتعضيده ونصرته من خالقه, هذا هو حقيقة البطريرك وقوته وكيانه الروحي. ليس لك أيها البطريرك التدخل في الأحداث اليومية حكومية أو إدارية أو قضائية, بل يجب أن تكون مشاركتك بصلاتك فعالة بإنسانية طيبة في كل المناسبات المفرحة والمجاملات الخاصة مدعما لها بالطلبات القلبية, ودون أن يكون لك مثول أمام الهيئات والمؤسسات والمواسم لأن بذلك تسقط كرامتك الروحية والإيمانية كخليفة للكاروز مرقس الرسول, فلا تكن صورة مكررة كالمسئولين المعينين من الدولة للحضور في اجتماعات المناسبات كشكل من أشكال تمثيل المجتمع القبطي في هذه الأماكن, فهذا يعكس طائفية بغيضة ينكر علي المصريين المسيحيين صفة المواطنة الشاملة لجميع أفراد شعب الأمة. إن الشعب المصري المسيحي يرفض أن يجعل البطريرك مرجعا وملاذا يرجع إليه من أفراد الشعب بشكواهم من حياتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم مع مؤسسات المجتمع, فلا رجوع للبطريرك بطلب أو شكوي في الأمور الوطنية, فلاشك أن أحد المواطنين المتمتع بأدبية خاصة ومركز روحاني خاص, لكن لا إشراك له في مشكلات المصريين المسيحيين إذ لهم كيان ووقت وامكانية ومواطنة ذاتية منفردة قادرة علي أن توصله إلي هدفه لدي كل مرافق الدولة ومؤسساتها بلا مانع. ليس لك يا سيادة البطريرك أي كيان مدني حكومي داخل الدولة إذ ليس لك كيان اعتباري خاص كشكل دستوري معبرا عن المسيحيين, فهذا يجعلك جزءا من الكيان السياسي في الدولة وهو ما يفقدك لكيانك الكرازي الروحي خلفا للقديس مرقس الرسول كاتب الانجيل الرابع في كتابنا المقدس. لأن الشعب المسيحي يعرفك كجزء من كيانه الكنسي فقط وقد خلعت حلة السياسة الأرضية. ومن ثم لا يطيق احاطتك بالحراسة والمراسم المختلفة كنسيا لإضفاء الرسمية عليك والتي ينفر منها كل مثقفي شعبك ومحبيك علي السواء. إن كان لك يا ابينا البطريرك المختار من الله حسب إيماننا, مواهب أخري غير التعليم والوعظ والتربية الروحية, إياك أن تظهرها لشعب المسيحية الذي يتبع رعايتك لكنيستك بوجودك بين صفوفهم معزيا ومباركا, فلا تحاول أن تؤكد ذاتك بمواهب مخالفة لكيانك الروحي المقدس في الله وإلا تكون قد أخذت مجدا وكرامة إنسانية زائلة كالآخرين وتناولك الناس كأي كاتب أو روائي أو شاعر غافلين كرامتك الروحية التي سقطت من عيونهم. الرئيس بمحكمة الاستئناف السابق