هى طبيبة ابنة طبيب شهير, ومع مجموعها الكبير فى الثانوية العامة ونبوغها الوراثى المبكر فى المواد العلمية, لم يكن دخولها كلية الطب اختيارا قدر ما كان مسارا طبيعيا لعائلة أغلبها أطباء من النابغين. وهكذا أصبحت سالى حافظ بهجت ابنة الدكتور الراحل حافظ بهجت أستاذ طب الأنف والأذن والحنجرة طبيبة, ومارست المهنة 15 عاما كاملة, تزوجت وأنجبت وأخذتها دوامة الحياة لكنها غير سعيدة وغير راضية تمارس حياتها العادية تذهب إلى عملها صباحا وتعود لتهتم بأولادها بقية النهار. .تلاحق الدقائق والساعات وتحتاج ليوم إضافى كامل لتنجز كل المهام الملقاة على عاتقها, تذاكر للأبناء وتصرخ وراءهم وتعتنى بمنزلها وتنام كل ليلة مكتئبة وتصحو وهى كارهة حياتها، لكن هل يمكنها التوقف؟.. لا وقت حتى للبحث عن إجابات. كان السؤال الذى يكدر صفوها هل هذه حياتي, هل هذا ما أريده؟ كانت امرأة يحسدها الجميع فلديها البيت الجميل والأولاد الأصحاء والزوج المحترم والوظيفة المرموقة فماذا ينقصها؟ هل هى بالفعل امرأة نكدية تهوى تعذيب نفسها وجلد ذاتها وتعيش دور الضحية.. خمسة عشر عاما ولا تشعر بشيء سوى التعاسة وعدم الرضا ولا تعرف السبب وكل شيء يسير فى مساره المرسوم بالنهار فى الوظيفة وبقية اليوم مع الأبناء حتى جاء اليوم الذى تعرضت فيه لكسر فى ساقها أجبرها على المكوث فى البيت ثلاثة أشهر كاملة. هنا امتلكت سالى الوقت الكافى لإعادة التفكير فى حياتها وماذا تريد، ازدادت اكتئابا فوق اكتئابها ووزنا فوق وزنها وتقول لم أكن أقوى حتى على النهوض والوقوف على قدمى ولا أريد أن أتحدث مع أحد ولا حتى أولادى وفى شدة إحساسها بالتعاسة كان قرارها هو السفر بمفردها، فطوال 15 عاما لم تحصل على إجازة من أى شىء.. وما إن وضعت حقائبها فى الفندق المتواضع فى العاصمة الإسبانية مدريد حتى بدأت تجوب الشوارع على غير هدى وتقول: كنت أبكى بحرقة ولا أعرف السبب ولا أعرف ماذا أريد وما الذى ينقصني؟ كان أول قراراتها بعد العودة الاستقالة من الوظيفة المرموقة.. لن أكون طبيبة بعد اليوم.. لا أريد ولن أكون ولم يكن حلمى ولا رغبتي ثم قررت الابتعاد عن ضوضاء المدينة إلى منزل ريفى تملكه العائلة فى منطقة كرداسة وهناك اكتشفت حبها للزراعة وشيئا فشيئا كان الأصدقاء يأتون لزيارتها ويستمتعون بقضاء يوم فى الريف بعيدا عن الضوضاء وأصبح العدد فى تزايد فراقت لها فكرة أن تحول حبها للزراعة إلى هدف لحياتها وعمل يروق لها.. لكنها لا تعرف أى شىء عن إدارة المشروعات أو المسائل المالية المتعلقة.. إذن فلتتعلم وتدرس من جديد وتبحث عمن يقدمون الدعم لرواد الأعمال والمشروعات الصغيرة لكن واجهتها المشكلة الكبرى وهى السن.. فقد اقتربت من الأربعين وهذه البرامج تستهدف الشباب الأصغر. وتقول لم ينتبنى اليأس وبحثت عمن يساعدنى ونجحت فى التواصل مع واحدة من أكبر شركات ريادة الأعمال التى أطلقت مسابقة لاختيار عدد من السيدات وتدريبهن على مشروعات ريادة الأعمال. نجحت سالى بتفوق فى المسابقة وحصلت على منحة دراسية فى جامعة هارفارد، وعندما عادت كانت تعرف ما تريد واستطاعت تحويل البيت الريفى المهجور إلى منتجع صديق للبيئة يستقبل الأطفال ورحلات المدارس ويقضى فيه الأطفال يوما كاملا يزرعون ويحصدون ويتعلمون ويلعبون مع حيوانات الحقل ويتعلمون مهارات إعادة التدوير وورش عمل للطاقة الشمسية والمتجددة مع فندق صغير للاستضافة. مشروع سالى فاز بجائزة كواحد من أفضل المشروعات الخضراء فى دول البحر المتوسط وكرمتها وزارة الصناعة العام الماضى كما فازت بجائزة خاصة كواحدة من أفضل رواد الأعمال فى مصر عن مشروعها (خضرة) لتدريب تلاميذ المدارس الحكومية على الزراعة. الأهم أن سالى أصبحت أخيرا راضية عن حياتها وتقول أشعر أخيرا بأننى زوجة سعيدة وأم أفضل لأبنائى.. علاقتى بزوجى وأبنائى أكثر قربا، أصبحت أرى الفخر فى نظرة زوجى لى وحديث أولادى عنى وتلمع عيناها وهى تقول: أنا الآن سالى التى أريدها.. أعرف ما هى رسالتى فى الحياة.. أنا الآن أفضل..