أحيانا يجد المرء نفسه فى مفترق الطرق، ولا يعرف أيها يسلك فى سبيل الوصول إلى غايته وأهدافه، ويحاول أن يتلمس الطريق السليم من تجارب الآخرين، ولذلك تنهال الرسائل على بريد الجمعة طلبا للنصيحة، وسعيا إلى الحل الأمثل الذى يمكنهم به أن يشقوا طريقهم فى نهر الحياة، ونحاول دائما أن نحلل مشكلاتهم، وأن نرصد أسبابها، والعوامل التى أدت إليها، وطرق الخلاص منها، ودائما تكون النتائج مبهرة بفضل العزيمة والجهد والصبر، والأمل فى الله والتوكل عليه، وإليكم الرسالة التالية: أنا سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمري، أعمل فى وظيفة كبرى بجهة سيادية، وقد نشأت فى احدى القرى بالوجه البحرى لأبوين متحابين تربطهما علاقات ود ومحبة وصداقة، ولى ثلاثة أشقاء «بنتان وولد»، ويعمل أبى موظفا بمصلحة حكومية، وأمى ربة بيت كرست حياتها لتربيتنا، فنشأنا على الفضيلة، ورضينا بأقل القليل، وكانت تكفينا نظرة الاعجاب من الآخرين، وكنت أسعد كثيرا، وأنا ذاهبة إلى المدرسة أو قادمة منها مع زميلاتى عندما يسألنى والد احداهن «أنت بنت فلان» فأجيبه: نعم، فيثنى عليه وعلى أصله الطيب فانغرست فى نفسى العزيمة وعرفت الاصرار على التفوق، وانصرفت إلى دراستى فلم التفت إلى «حب المراهقة» الذى يسيطر على الفتيات والصبيان فى سن البلوغ، ولم يجذب نظرى أحد، أو أتوقف عند نظرات الشباب الذين كانوا يتبعوننا من حين إلى آخر فى محاولات مستمرة للفوز باحدانا، ولما وصلت إلى المرحلة الثانوية اقترب منى شاب يدرس فى كلية الطب ويكبرنى بخمس سنوات تقريبا، واستوقفنى فى نهر الطريق، وأبدى حبه لى وبأنه يريد أن يتزوجنى وأن أكمل دراستى بعد الزواج، فقلت له: أنا مشغولة بالدراسة فقط، وأن أى حديث عن هذه المسألة سابق لأوانه، كما أن أبى وأمى هما المسئولان عني، فإذا رغبت فى شيء، تحدث مع أبي، وستجد الجواب عنده، وبعدها بأيام فاتحت والدته أمي، وعرف أبي، وقرأنا الفاتحة على أن يتم الاتفاق على التفاصيل فيما بعد انتهاء دراستى الثانوية، وهذا الشاب من أسرة بسيطة حيث يعمل والده خفيرا لعزبة أحد الأثرياء، ولديه عدد من الأشقاء «بنون وبنات»، ويعيش أشقاؤه المتزوجون فى بيت واحد بنظام زمان حيث تزوج كل منهم فى حجرة بالمنزل، ومعظمهم غير متعلمين، ومن الفروض الواجبة على زوجة الابن أن تعمل معهم فى الفلاحة، وتأتى بالمياه من الترعة، وخلافه من الأوضاع التى كانت سائدة حتى وقت قريب، وربما للآن فى بعض البيوت، ومن المناقشات عرف أبى اننى سأنضم إلى هذا الفريق، ووقتها سوف أتخلى عن دراستي، وسأندمج معهم على طريقتهم، ولا فرق فى ذلك بين زوجة الطبيب الجامعية، ولا زوجة الفلاح التى لا عمل لها إلا البيت. وبالطبع انتهى الموضوع إلى الفشل الذريع، لكنه استمر فى مطاردتى فأصبح يأتينى إلى الجامعة، وأبلغت أهلى بتتبعه لي، فأشارت عليّ والدتى بأن أقول له كلمة واحدة هى «ابعد»، ونقلتها إليه كما هي، وفى الوقت نفسه بعثت والدتى أيضا برسالة شفهية إلى والدته بأن كل شيء نصيب، فثارت ثورة عارمة، وقالت اننى لن أهنأ بزواجى من أحد غير ابنها مدى الحياة! ومرت الأيام وتخرج خطيبى السابق فى كليته، وتقدم لفتاة من بلدة مجاورة لنا، كانت وقتها تدرس بكلية عملية، ولها شقيق واحد يعمل فى دولة عربية، ولديها ميراث كبير من والدها، ووجدها «عروسا لقطة» كما يقولون، فلقد ساعدته فى كل شيء من العيادة التى أقامتها له فى العمارة التى تملكها، والشقة المجاورة لها إلى أدق مستلزمات الزواج، يعنى اشترته بأموالها، وصارت لها الكلمة العليا فى جميع الأمور، فإذا أرادت شيئا نفذته دون أن تبالى بأخذ رأيه، ثم جاءته بعقد عمل فى دولة عربية، وعملت هى الأخرى أيضا، وبعد عودتها افتتحت مشروعا خاصا بها، وأنجبا ثلاثة أولاد، أما أنا فلقد التحقت بجهة كبري، وصار لى اسم معروف فى الوسط الذى أعمل به، وتلقيت عروضا للزواج من كثيرين، لكن لم أقتنع بأى منهم، ولم أجد بينهم من يريد اقامة بيت مستقر، وأسرة يسودها الدفء والأمان، ثم فوجئت بعد هذه السنوات بخطيبى السابق يتصل بي، ويقول إنه يريد أن يتزوجنى فأغلقت الهاتف فى وجهه ولم أرد عليه، وتعجبت من موقفه، ولم ألق بالا لكلامه، أو أحاول أن أجد له تفسيرا. وتقدم لى طبيب من بلدة مجاورة عن طريق أحد المعارف، وشرح لى ظروفه قائلا إنه تزوج من احدى الفتيات ببلدته، وأنجب منها ولدا، وكانت حياتهما تسير بشكل طبيعى لكنها بمرور الوقت أساءت العشرة، ودبت الخلافات بينهما فطلقها وأنه يريد أن يتزوجني، وسأل أبى عنه فعرف أنه من أسرة تتمتع بسمعة طيبة، وتم الاتفاق على الزواج، وعقدنا العقد والزفاف، وتمنيت أن تهدأ أحوالى وأن أعرف طعم الاستقرار، وأن تكون لى أسرة وبيت وأولاد وانتقلت إلى القاهرة حيث أقمت فيها، ولأنه طبيب حر، فلقد اقتضى عمله أن يتنقل بين المستشفيات الخاصة، وكنت أسافر معه أحيانا بعد أن أحصل على اجازة من عملى لبضعة أيام، أو يأتى هو كل اسبوعين أو ثلاثة حسب الظروف، وظللنا على هذه الحال أربعة أشهر، ومن خلال معاشرتى له، اكتشفت أن غموضا يسود حياته، وأحيانا يبلغنى أنه مسافر ثم اكتشف وجوده فى بيت والدته التى تعلم طباعه جيدا، لكنها تخفى عنى الكثير بشأنه، وضقت ذرعا بكذبه، وتذكرت مطلقته التى لم أعرف سبب طلاقها، وعندما واجهته بأمره، وأدرك أنه انكشف أمامي، رأى أن ننفصل لأنى لن أرتاح لاسلوب حياته غير المستقر، وحمدت الله أن الزمن لم يطل بى معه، وتم طلاقنا بعد ستة أشهر من الزواج.. صحيح أنه لم يهنى أو يسئ معاملتي، لكن من تعش ما عشته معه من أحداث، تعذرني، وتدرك أنه شخص غامض، واعتقد أن مطلقته الأولى عانت ما عانيته ولذلك آثرت الانفصال، وأصدقك القول إن هذه التجربة المريرة تركت أثرا غائرا فى نفسي، ولولا يقينى فى الله لانهرت ودخلت فى دوامة اكتئاب لا مخرج منها، وأخذت أدعوه أن يلهمنى الصبر، وأن يساعدنى فى طى هذه الصفحة من حياتي، وعقدت العزم ألا أتزوج مرة أخرى إلا بعد تدقيق شديد، وتمحيص لمن سيشاركنى حياتي. وبلغ خبر طلاقى خطيبى الأول الذى لم يقدر كل ما قدمته له زوجته، وظل يطاردنى حتى بعد زواجي، وكثف اتصالاته بي، وأنا لا أرد عليه، إلى أن أفضى إلى أحد أقاربى برغبته فى الارتباط بى كزوجة ثانية، وأنه ستكون لى حياتى المستقلة وجاءنى قريبى هذا بكل ما سمعه منه، وطلب منى أن أعطيه فرصة لأعرف ما يريده، وألا أغلق الباب فى وجهه، خصوصا بعد التجربة الفاشلة التى مررت بها، فأبلغت والدتى بأمره، والحقيقة أنها تحفظت على الموضوع برمته، وذكرتنى بالوضع القديم قائلة أنه جاءنى هذه المرة ليس بدافع الحب، ولكن رغبة فى الانتقام من رفضه لأول مرة، ولكى أقطع الشك باليقين قررت أن التقى به وأسمع منه كل ما يرغب فى قوله لي، وأن أدرس الموقف بدقة، وقابلته فى مكان عام، ولم يدع لى فرصة للكلام، وانما قال لى أنك لم تتزوجي، وهل تسمين تجربتك هذه زواجا؟.. واسترجع الذكريات القديمة عندما رفضه أهلي، ولم أحدثه عن زوجته، ولماذا يريدنى الآن؟.. وتركته يقول كل ما عنده، وأنا أستمع فقط اليه، ثم قال لى جملة واحدة بينت هدفه من الزواج بى وهى «أنا فقدت السيطرة».. يعنى السيطرة على زوجته فهى تملك كل شىء، وقد وقفت إلى جواره، ولها الكلمة النهائية فى كل أموره، وهذا ما عرفته من صديقتي، التى أشارت عليّ بأن أمنحه الفرصة للكلام لكى آخذ قرارى النهائى بشأنه عن يقين، ثم فوجئت به يطلب منى ألا أخبر أحدا، بهذا الموضوع، فرددت عليه: لم أفهم ماذا تقصد؟.. فقال: يعنى أريد أن يكون هذا الموضوع بيننا. أى أنه لا يريدنى إبلاغ أبى ولا أمى ولا أخوتي، فثرت عليه، وهممت بمغادرة المكان، فقال لى إنه لم يقصد ذلك، وسوف يفاتح والدى فى الوقت المناسب، وكنت صائمة فى ذلك اليوم فأصر على أن أتناول الطعام فى المكان نفسه ثم دخلت أحد المحال وأعجبنى حذاء أقسم أن يدفع ثمنه، وبعدها اتصل بى عدة مرات وفى كل مرة يتحدث عن عمله أو يسألنى عن عملي، وتنتهى المكالمة عند هذا الحد، وأفضيت إلى صديقتى بكل شيء، فقالت لي: اسأليه متى سيتقدم لطلب يدك من والدك، فسألته بما أشارت عليّ به، فقال لى بعد أسبوعين، ثم فى مرة أخرى قال: أنت لك النتائج، وفى مرة ثالثة وجدت زوجته تبعث برسالة إلىّ على الموبايل وتقول «حسبى الله ونعم الوكيل»، فسألته عندما اتصل بي، ماذا تقصد زوجتك بهذه الرسالة؟ فرد عليّ: بما سبق أن قاله لى بأنه فقد السيطرة، ثم غير الموضوع، وكل أسلوبه معى فى المكالمات عبارة عن كلام متواصل، وحديث لا ينقطع عن نفسه، والشقق التى يمتلكها فى القاهرة، والشهرة الواسعة التى نالها، وحديث الناس الدائم عنه، وكلما حاولت الاقتراب من مسألة الزواج والتفاصيل التى بدونها لن تكتمل زيجتنا، يتهرب، ويحوِّل الأمر كله إلى هجوم ضدى بأننى متعجلة، ولا أعطيه الفرصة الكافية! وفى جلسة أخيرة مع أمى قالت لي: أنا تركتك تفعلين ما تريدين وكلى ثقة فى رجاحة عقلك وحسن تفكيرك، ولعلك الآن تبينت أنه غير جاد، فهو شخص «هايف»، ويريد الارتباط بك بعيدا عنا للانتقام منا جميعا، لاننا رفضناه من قبل، وأدركت الفخ الذى يرسمه لي، وأيدت صديقتى وزوجها كلام والدتي، وعندما اتصل بي، فرغت شحنة الغضب فيه، وقلت له «أنت بتتسلي، وقدامك اسبوع لكى تطلبنى من أبي، وإلا عليك أن تنسى هذا الموضوع تماما، فما تفكر فيه لن يكون»، فقال أنه لن يتصل بى وإذا اتصل لا أرد عليه، لكنه سوف يثبت لى صدق وعده بعد عيد الفطر»، وبعدها أخذت قرارى بأن ابتعد عنه، وأن أرسل إليه ثمن الحذاء والطعام عن طريق زوج صديقتي، وهو رجل فاضل كرر رأى الجميع بأنه غير جاد، وهكذا تأكدت أن «الهالة» التى يصنعها حول نفسه تخفى ضعفه الشديد وعدم ثقته بنفسه أمام زوجته التى تعرف حقيقة أمره، وأنه لا يجرؤ على أن يأتى تصرفا على غير رغبتها، أو أنه إذا فعل ذلك سيكون خائنا لها، ولن تدعه يفلت دون محاسبة، وحسب ما قاله لى أبى «إن من ليس له خير فى زوجته وأولاده لن يكون له خير فيّ، وربما تنطبق هذه المقولة أيضا على مطلقى الذى لم أتأن فى الموافقة عليه. فهل ترانى على صواب فى موقفي، أم اننى تسرعت فى الحكم عليه؟ وهل رجال هذا الزمان لا يفكرون إلا فى أنفسهم، وإرضاء نزواتهم؟ وما ذنب من تثق فى كلام رجل يلاحقها باسم «الحب» بينما يسعى لإرضاء رغبة مكبوتة لديه، سواء بتحقيق الحلم القديم، أو الانتقام من رفضه، أو ممارسة السيطرة وحب التملك الذى لم يستطع أن يمارسه على زوجته؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: القاسم المشترك بين مطلقك وخطيبك الأول الذى يسعى إلى السيطرة عليك، بعد سنوات من زواجه وأنجابه ثلاثة أولاد، هو الرغبة فى تملكك، والانتقام من رفض أسرتك له، فهو يريد أن يؤكد أنكم أخطأتم برفضه، وأنك تتزوجينه الآن، وهو زوج لأخرى ولديه بيت وأولاد، بل ومن الواضح أنه يخطط لأن تكونى زوجة له فى الخفاء، وقد أفصح عن مكنون نفسه بطلبه منك ألا تخبرى أحدا بأمر علاقتكما، ولا أباك أيضا، وراح يستخدم فى سبيل هدفه كل وسائل الضغط عليك بما فيها تذكيرك الدائم بخطأ زواجك من الطبيب الذى رأى أنك فضلتيه عليه، ولم يكن أهلا لك، وينكر عليك أن تسمى ارتباطك بزوجك السابق زواجا، ثم يعدد ثروته بأنه صار لديه أملاك وعقارات وأموال، وأنه سيلبى لك كل مطالبك المادية.. وهو يقول لك ذلك من باب التعالي، وأن مثله لا يمكن رفضه، وقد ذكرتنى معاملته لك، وفلسفته فى الحياة بما تعلمناه فى الصغر من أن السنبلة الفارغة ترفع رأسها فى الحقل، وأن السنبلة الممتلئة بالقمح تخفضه، بمعنى أنه لا يتواضع إلا كبير ولا يتكبر إلا صغير، ومبعث التكبر الذى يتصف به هو أنه يتصور نفسه فوق كل من حوله، ولذلك سعت زوجته لنيل رضاه فحققت له كل ما كان يحلم به من شقة وعيادة، ومال وفير، ثم اكتشف فجأة أن المقابل فادح، وأنه لم يعد له وجود ولا قيمة لدى زوجته التى تفعل ما يحلو لها، ولا يستطيع أن يرفع صوته عليها، بدليل العبارة التى أفلتت من لسانه بأنه فقد السيطرة على بيته، فقالها لك فى لحظة غاب فيها عقله، فنطق بها لسانه دون أن يدرى أنه أفصح بها عن مكنون نفسه. والحقيقة أنه لا يختلف كثيرا عن مطلقك، فكلاهما من نفس المعين، فلقد طلق الأول زوجته لأسباب لا تعلمينها، وربما هى التى طلبت الانفصال عنه بعدما رأت منه ما تستحيل معه الحياة الزوجية، فهناك أمور مهما نتناولها بالتحليل يظل هناك خيط غامض لا يمكن كشفه إلا بالعشرة، ومن الواضح أنك أسهمت بتفكيرك الخاطئ فيما وصلت إليه برغم رجاحة عقلك، وحسن تدبيرك للأمور، ونجاحك فى عملك بالجهة المرموقة، فبصراحة شديدة وكما هو واضح من تجربتك أنك كنت تسعين إلى الزواج من رجل يتمتع بوظيفة مرموقة، وفضلت من يحمل لقب دكتور، حتى وإن كانت كل الدلائل تشير إلى أنه لن يكون الزوج المناسب لك. ولاشك أنك أخطأت أيضا حينما انسقت إلى كلامه المعسول، بأنه يحبك، ويخاف عليك بدرجة تفوق خوف أبويك عليك، فلو أنه يحمل لك هذا الشعور الجارف بالحب لزار أباك على الفور، وطلبك منه مادمت قد أبديت موافقتك عليه، لكنه لم يفعل، ولن يفعل أملا فى أن يلين موقفك منه، وتستجيبى له، فيتزوجك بعيدا عن أهلك، وربما يقنعك بالزواج العرفى حتى لا تعلم زوجته، وتقلب المنضدة على رأسه.. كل هذه سيناريوهات ربما كان يخطط لها لو أنك ركنت الى طلباته، ولم تستعينى برأيى صديقتك ووالدتك بما لديهما من بعد نظر فى تحليل شخصية هذا الطبيب بحكم القرب من أسرته، فمن عادة الناس فى الأرياف أنهم يعرفون كل شيء عن بعضهم البعض، ويبدو كل منهم للآخرين كتابا مفتوحا، يقرأه دائما ويحلل كل كلمة فيه. وحتى لو سلمنا جدلا بأنه صادق فى سعيه للزواج منك، ولكن بعيدا عن زوجته فهل مثله يؤتمن عليك؟.. إن رؤية أبيك بأنه من ليس له خير فى زوجته وأولاده لن يكون له خير فيك كلام صحيح تماما، والحقيقة أننى لا أؤيد أبدا ما يذهب إليه البعض بالزواج من واحدة واثنتين، وثلاث، إذ سيظل الزوج يتحايل بكل الألاعيب حتى لا تعرف زوجته الأولى شيئا عن زيجاته الأخرى، وهنا تحضرنى قصة شيخ تزوج بغير علم زوجته الأولى التى أحست بذلك، ولكن بلا دليل، وكلما أثارت الموضوع أمامه أقنعها بأن ما تتخيله وهم، ثم اتفق مع زوجته الثانية، وكانت مقتنعة بعدم إخبار زوجته الأولى واتفقا، على خطة لإقناعها بأنه لم يرتبط بأخري، وذهبت زوجته الثانية الى بيته وقت صلاة الظهر، وقالت لزوجته الأولى إنها تريد أن تستشير الشيخ فى أمر مهم، فرحبت بها، وطلبت منها أن تنتظره الى حين عودته من الصلاة، ولما عاد الى البيت أخبرته أن امرأة فى الصالون تنتظره، فدخلا معا عليها، واستمع إليها، فحكت له ما جاءته تستطلع رأيه فيه، حيث قالت إن لها زوجا تحبه ويحبها، ولكنها لاحظت فى الأيام الأخيرة ما جعلها تشك فى أنه تزوج عليها، وفاتحته فيما راودها من شكوك، فأنكرها وأقنعها أنها وساوس الشيطان الذى لم يرض بالانسجام التام بينهما وأراد أن يثبت الشكوك فى نفسها تجاهه، وكلما أثارت الموضوع معه أقنعها بأن ما تتوهمه بعيد تماما عن الحقيقة. وبعد أن انتهت من عرض مشكلتها قال لها الشيخ: اسمعى يا ابنتى: زوجك صادق، فهذه وسوسة شيطان أراد أن يفسد بينكما فاستعيذى منه، وأبعدى الشكوك من رأسك، ثم أضاف: لماذا نذهب بعيدا، هذه زوجتى عشش ابليس فى رأسها وأوهمها بأننى متزوج، وكلما قدمت لها الأدلة اقتنعت ولكنه لا يتركها حيث يعود إلى وسوستها فترجع إلى فتح الموضوع من جديد، وأنا أمامك أقول: إن كانت لى زوجة خارج هذه الغرفة فهى طالق!! وهنا قفزت زوجته الأولى من الفرح، وقبلت ركبتيه، وقالت: ما بعد هذا شيء، سوف أدحر إبليس، ولن أعود للشك مرة أخري!! هذه القصة الحقيقية تكشف عن رجل كاذب، وعن زوجه ثانية ألغت نفسها ووجودها، واقتنعت بأن تظل زوجة فى الخفاء، ولا يعلم بزواجها أحد، وأحسب أن أى امرأة عاقلة ترفض ذلك، فما بالنا بمن هى مثلك من رجاحة العقل والجمال والأخلاق؟.. بكل تأكيد فإن قرارك بالبعد عنه هو عين الصواب، فأعيدى إليه الهدية التى اشتراها لك عندما قابلتيه وأنذريه عن طريق زوج صديقتك الذى تمتدحين أخلاقه، بألا يعاود الاتصال بك أبدا لأنك سوف ترفضينه حتى وإن طلق زوجته، واستجاب لكل طلباتك، فهو غير مأمون العواقب وأظنه سيصاب بالخزى عندما يعرف أن جميع من حولك عرفوا بموقفه الغريب، وأرجو أن تنسى ما فات وتتعلمى من الماضي، فكلنا نخطئ ونصحح الأخطاء، ونلتمس الطريق الصحيح بعد أن نستوعب الدرس، ويحضرنى قول البرت أينشتين، بأنه اذا أحس أحد بأنه لم يخطئ أبدا فهذا يعنى أنه لم يجرب أى جديد فى حياته، وقد أعجبنى فيك أنك كنت تسألينه عن أشياء فى حياته، فيعيد عليك كلاما جديدا، فأفضل طريقة للتعامل مع الكذاب بعد كل فترة، هى سؤاله عن نفس الموضوع الذى كذب فيه، والاستمتاع بالتحديثات التى تطرأ على إجاباته، ولعلك لمست تحديثات لا حصر لها دلت لك على أنك كنت ستنساقين نحو الهاوية إذا انجرفت فى طياته، وأرجو ألا تنجرفى فى تيار أمثال مطلقك، وخطيبك السابق غير الأمين على أسرته، ولا تيأسي، ولا تقولى إن حظى فى الدنيا رديء، ولكن قولي، هذا قدر ربى وما قسم، واعلمى أن الوسادة تحمل رأس الغنى والفقير، الصغير والكبير، الحارس والأمير، ولكن لا ينام بعمق إلا مرتاح الضمير، وأعتقد أن ضميرك سوف يرتاح تجاه هذا الرجل الذى ادعى كذبا أنه يحبك، ولكنه فى قرارة نفسه يريد أن ينتقم من رفضك له، ولا تقارنى نفسك بالأخريات، فأنت لك خصوصية، وقد وهبك الله الكثير من نعمه، وأنصحك بنصيحة أدولف هتلر، حينما قال «لا تقارن نفسك مع أى شخص فى العالم، وإن فعلت ذلك فإنك تهين نفسك»، وأحسب أنك أكبر من ذلك، وكلى يقين وإيمان بأن الله يدخر لك ما فيه الخير، فلا تلتفتى وراءك، وانظرى دائما إلى الأمام، وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وهو وحده المستعان.