" السعادة لا تترك خلفها ندبات ..لا تتعلم من السلام الكثير " شاك بولانيك صديقتى كارو لقد كانت رحلة شاقة ، لم يكن من السهل على دخول عالمك فأنا أتهرب من كل ما يتعلق بالاكتئاب ، و أعافر دوما للفوز ضده ، و لكنك امسكت بيدى و اصطحبتنى معك فى رحلتك إلى الغرفة المظلمة التى ليس لها أبواب و المعروفة لدى الجميع باسم " الاكتئاب " ، و على قدر صعوبة الأمر فقد تعلمت منك الكثير عن مرض العصر الذى يغتال الكثيرين فى صمت . " نسخة معيبة" هكذا التقينا ، هذا الكتاب الذى لفت نظرى بالمركز القومى للترجمة ، احساس ما جذبنى للعنوان ، و كنت انت هناك تنتظرينى يا كارو بين ضفتى الكتاب . من خلال الكتاب ستعلم أشياء كثيرة عن الاكتئاب ، و سترى نفسك و ستكتشف عنها بعض الأمور ، و لكن إن أردت فى النهاية أن تجد إجابة حاسمة ، عزيزى/تى فى أمور النفس لا يوجد مثل تلك الإجابات ، و لكنك ستتعلم أن تحاول التعامل معها و أن تنمو من خلالها . ما أستطيع أن أقوله عقب رحلتى مع كارو ، هو أن القبول هو المفتاح الذى تبحث عنه للخروج من هذه الغرفة المظلمة بلا أبواب ، فعليك أولا ان تعترف أن لديك مشكلة و أنك تحتاج مساعدة ، و حتى ينقشع الظلام عليك أن تتخلى عن الماضى المؤلم ، و تكف عن القلق ، و تحاول الاستمتاع بحاضرك .
نسخة معيبة " نسخة معيبة " استطاعت أن تستمر لمدة أشهر على رأس قائمة الكتب الأفضل مبيعا فى ألمانيا ، و كاتبتها سارة كوتنر مذيعة معروفة و كاتبة مقال ، فاجأت الجميع فى 2009 ، بنشر أول رواية لها " نسخة معيبة " و على الرغم من ذلك حققت أعلى المبيعات ، لأن الرواية تلمس روح العصر ، و تمس الرجل و المرأة و الكبير والصغير ، لتتقاطع مع حياة الجميع . و يأتى مسمى الرواية " نسخة معيبة " كناية عن بطلته " كارو " ، و الثقافة الألمانية تهتم بتتبع أصل الأسماء ، فكارو هو اختصار لكارول أو كارولا فى الجرمانية القديمة وكارولا فى اللاتينية ، و تعنى السيدة الحرة القوية الحالمة ، و قد قصدت الكاتبة أن تبتر الاسم الأصلى ليبدو ناقصا و معيبا . كارو تصف نفسها على أنها إنسانة متعِبة ، و يصفها صديقها المقرب بأنها نسخة معيبة لعصبيتها الزائدة و نفاذ صبرها وثورتها لأتفه الأسباب و حساسيتها الزائدة و شعورها بالحزن وشكواها المستمرة ، و البطلة نفسها تقر بما فيها من صفات معيبة ، و لم تكن كذلك طوال الوقت فكان يعرف عنها أنها شخصية قوية ولكن تظل متعبة لمن حولها . وقد اختارت الكاتبة " الاكتئاب " الشبح الخفى الذى يهدد النفس البشرية ، ليكون موضوع روايتها ، فهناك الكثير من البشر يعانون فى صمت من اضطرابات نفسية متعددة ، كنتاج لطبيعة الحياة اليومية المتسارعة وتعقيداتها الكثيرة ، و لا يسلم منه و لا غنى و لا فقير ، و لا كبير ولا صغير . تعرضت كارو لعدد من الأزمات فاقت طاقة احتمالها ، جعلها لا تقوى على الاستمرار فى حياتها اليومية بشكل عادى ، وجعلها تلجأ لعلاج نفسى متخصص . تنسج كوتنر باحترافية المعلومات العلمية عن أعراض الاكتئاب و أسبابه و إمكانات علاجه بلغة أدبية بسيطة ، و قدرتها على وصف الحالة النفسية للبطلة بدقة . و خلال الرواية نشارك كارو رحلة معاناتها أثناء فترة المرض و العلاج ومعاناتها من نوبات الخوف و الوحدة و الرثاء للذات وعدم التكيف ، و أثناء ذلك لا تشعر بلغة تشاؤمية أو حزينة تسيطر على الرواية ، بل تكسوها روح مرحة وساخرة ، و تنجذب لحياة كارو راغبا فى أن تعرف ماذا سيحدث لها ، و كيف ستشفى . ونتعرف على أسباب اكتئابها وحياتها من الأب الذى اهمل دوره فى تربية ابنته ، للأم التى كانت تعانى الاكتئاب فتترك الابنة وحدها طويلا ولا تمنحها الدعم العاطفى اللازم و تضربها ، و زوج الأم الذى يؤذيها وهى طفلة ، و الوظيفة التى كانت تحبها و فقدتها ، والأصدقاء الذين لم يعودوا أصدقاء ، والصديق الوفى الذى يقف جانبها فى المحنة ، والحبيب الذى لا تحبه ولكنها تخشى تركه خوفا من الوحدة ، وخذلانه و تركه لها ، حتى تعثر أخيرا على الرجل الذى يحتويها بكل ما لها و ما عليها ، و يشاركها معاناتها ويدعمها للخروج منها .
مفاتيح على عالم الاكتئاب إن ألمك أى عضو فى جسدك فأنت تسرع للطبيب ، فما بالك ان كانت النفس هى التى تتألم . علاج الروح يشبه حركة الزمن اللانهائية ، إن النفس البشرية أكثر تعقيدا من كسر مضاعف فى الجمجمة ، والعلاج يستمر لفترة طويلة ، و لا يمكن للنفس أن تتجدد وتتغير بشكل كامل ، و لكن الأهم من ذلك أن الإنسان يمكن فى وقت ما أن يشفى من هذا المرض .
تقول الكاتبة على لسان بطلة الرواية : " أنا مؤمنة بأن العلاج النفسى ليس عارا كى نخفيه ، فأنا أعلم أن كل واحد من بين عشرة مواطنين يعانى من الاكتئاب أو من مرض نفسى آخر ، و أعلم كذلك أن الروح يمكن أن تمرض كما يمرض الجسد " . و الكتاب يمنحنا مجموعة اضاءات على مرض الاكتئاب : - وفقا للاحصائيات فى 2011 ، هناك 140 مليون مريض بالاكتئاب على مستوى العالم ، و فى مصر يصل عددهم إلى مليون و 400 ألف . - الجميع قد يمر بحالات حزن و إحباط ، و لا يعنى هذا أنه مريض بالاكتئاب ، إنما هى أعراض اكتئابية عارضة من أعباء الحياة . - الاكتئاب نتيجة لجذور و تراكمات عميقة بالنفس ، فهو كضرس العقل المزمن ، يختبأ طول الوقت تحت الجلد ، و يجمع الصديد ، إلى أن يأتى شخص ما و يفتح الجرح ، فيخرج الصديد ، ولكن المهم أن نعرف جذور المشكلة ، حتى نبدأ بتطهير الجرح و نساعد على التئامه . . - الاكتئاب درجات يبدأ بفترات طويلة من القلق و يتدرج إلى أن يصل لحالات اكتئاب شديدة . - الاكتئاب يشعرك برغبة فى الانطواء والابتعاد عن الناس وعدم الرغبة فى العمل ، التعب ، قلق داخلى واضطراب المزاج ووجود حرب طاحنة بداخلك تنهكك ، و تشعر كأن قلبك مقبوض وغير قادر على التنفس ،و مع ازدياد الشعور بالاكتئاب ينقلب لأعراض عضوية ، فتعانى من اضطرابات النوم ، وفقدان للشهية ، وانعدام الرغبة فى الحركة و ممارسة أى نشاط . - شعور الخوف إن سيطر عليك ، قد يصيبك بنوبات هلع وذعر ، و المخاوف التى تساور الإنسان راسخة بداخله ، فنحن نحملها بداخلنا لسنوات ، و لا يمكن التخلص منها بشكل كامل ، الأمر كله يكمن فى إمكانية التعامل معها . - الأحاسيس مجهدة ، و ليس فقط الحزن و الألم و الخيبات ، و لكن حتى الفرح أحيانا يصيبنا بالاجهاد ، و كذلك احساس الاشتياق لشخص ما ، و الذات الغاضبة والثائرة تستنزف المرء و تشعره بعدم التوازن و عدم الرضا عن حياته ، و شعور رثاء النفس يعد من أكثر المشاعر إجهادا للنفس . - مع توالى الصدمات يشعر المرء أنه أصبح لا مبالايا ، ذلك ليس سوى تكنيك تتبعه النفس كدرع واقى لحماية نفسها باستخدامها عجزها عن الإحساس بالأشياء . - الرأس تفرز عند التوتر الشديد دهونا ، و مواد أخرى بغزارة ، و تساعد الدموع على إخراجها من الجسم ،تماما كغسيل المعدة ، بعدها يشعر الشخص بالهدوء . - لك كل الحق أن تحزن ، و تنفس عما بداخلك ، حتى لا يؤذيك كثرة تراكمات ما تتجنبه ، و تفرغ الشحنة السلبية بداخلك ، و تعيد التوازن لحياتك .
دعامات الحياة - الحياة المتوازنة تقوم على خمس دعامات ، الأسرة و الحياة العاطفية والسكن والوظيفة و الأصدقاء ، فقدان أحدهم أو عددا منهم يصيبك بعدم التوازن . - الاكتئاب يصيب البعض أحيانا بالوراثة ، و المرأة هى الأكثر تعرضا للاكتئاب من الرجل . - الأمهات عندما يعانين من الاضطرابات النفسية و الاكتئاب لا يستطيعون إعطاء أطفالهم الدعم المعنوى و العاطفى اللازم . - ترك الطفل وحده لفترات طويلة ، يجعله مطارد بإحساس الوحدة ، مما يعرضه للاكتئاب الذى يجعله يشعر بالوحدة حتى وهو وسط الناس . - انفصال الوالدين من أسباب الانطواء و الاكتئاب .
فى طريق العلاج - عندما تبدأ العلاج عليك أن تشعر بنفسك بشكل أكبر ، و تسألها ماذا تشعر الآن ؟ و لماذا ؟ وكيف تتخلص من تلك المشاعر السلبية ؟ هل حققت تقدما ؟ هل تشعر أنك أفضل ولو قليلا ؟ هل أنت مستعد للاستغناء عن الأقراص ؟ هل أصبحت قادر على مواصلة حياتك بشكل طبيعى؟ . عليك أن تشعر بنفسك اكثر ،كن أكثر ودا معها ، دلل نفسك ، تصرف بطفولية ، نظم تنفسك، استمتع باللحظة التى تعيشها ، دع الماضى ولا تقلق بشأن المستقبل ، كل ما عليك أن تفكر فيه ، هو الحاضر . - التدريب الذاتى -شرائط سمعية تساعدك على الاسترخاء - هو تكنيك للاسترخاء يعتمد على الايحاء الذاتى ، و هو أسلوب معترف به للتغلب على التوتر والاضطرابات النفسية . - العلاج الجماعى مفيد فى جعلك تشعر أنك لست وحدك ، و أن هناك آخرون يعانون مثلك ، فأنتم مشتركون فى المعاناة وتهتمون بعضكم ببعض . - حاول أن تأخذ خطوات صغيرة للمشاركة فى الحياة بإيجابية ، عليك أن تحارب للحصول على حقك فى عيش حياة طبيعية وسعيدة ومتوازنة . - لا تتعجل النتيجة وواظب على العلاج ، فبداخلك طبقات متعبة ومنهكة ، ستحتاج لوقتا لتتشافى . - على الناس أن يعوا ان مريض الاكتئاب لم يسعى لذلك و هو ليس سعيدا بما يمر به فأرجوك لا تزيد الطين بلة ، لا تتفه من مشاكله فمن كثرة ما تحمل أصبحت أقل الأشياء تضغط على أعصابه و تجعله يشتكى و يغضب و ينقم ،و أيضا لا تسخر منه ، و لا تطالبه بأن يتوقف عن ذلك و يكن متفائلا، فهو لا يملك زرا سحريا لتعديل المزاج .. فإن لم تستطع دعمه فتوقف عن مهاجمته و إصدار الأحكام بحقه .