إن الله سبحانه وتعالي يقول يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. فلو نظرنا الي هؤلاء النفر القليل الذين خاضوا غزوة بدر وفتح الله علي أيديهم أنحاء المعمورة. فذلت الرقاب وهابتهم الملوك والقياصرة إنما تم لهم ذلك بجمع كلمتهم واتحاد صفوفهم واتباعهم الفضائل وتركهم الرذائل وكبح جماح نفوسهم وانصرافهم عن البدع والملذات وتمسكهم بحبل الله المتين وطاعتهم لله والرسول فعلينا أن نتقي الله معشر المسلمين ونسلك سبيلهم ونهتدي بهديهم فيعيد الله عزتنا ويمكن لنا في الأرض وما ذلك علي الله بعزيز فاتقوا الله يا أيها المسلمون وليكن في هذا النصر المبين عدة لكم. والله يعدكم بنصره إذا جعلتهم كتاب الله أمامكم فامتثلتم أمره ونهيه واتبعتم سنة نبيكم عند ذلك يلحظكم بعنايته ويؤيدكم ويتولاكم فنحن في هذه الايام في أشد الاحتياج لهذا النصر ولم يأتي هذا النصر إلا بتوحيد الكلمة والصف حتي ينصرنا الله علي أعدائه أعداء الاسلام. هذا يدل علي خلق الحبيب صلي الله عليه وسلم فعندما أخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم يعدل الصفوف بقضيب في يده- فمر بسواد بن غزيه وهو خارج من الصف فضربه بالقضيب في بطنه وقال استقم ياسواد فقال أوجعتني يارسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل فأريد حقي, فكشف الرسول عن بطنه. وقال استقد ياسواد. فاعتنقه سواد وقبل بطنه فقال له الرسول ما حملك علي ذلك. فقال يارسول الله قد حضر ما تري فأردت أن أن يكون آخر العهد أن يمس جلدي جلدك. فدعا له بخير. وأخذ حفنة من التراب وقذف بها في وجوه المشركين قائلا: شاهت الوجوه, اللهم ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم ماهم بها فلم يبق من المشركين رجل إلا امتلأت عينه وأنفه لا يدري أين يتوجه يعالج التراب فينزعه. فانهزموا وأخذتهم غاشية من الرهبة وفي ذلك يقول رب العزة فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فأين نحن من هذا الخلق ألا وهو رد المظالم لأهلها والثقة في الله بأننا طالما أطعناه فسوف ينصرنا بأقل الاشياء وبأقل جهد علي الكفار,كفار هذا العصر وغزاة بلاد المسلمين. تلك الهمم العظيمة التي يحملها أولئك الرجال الموقنين بنصر الله,, وليس في قلوبهم ونفوسهم إلا إعلاء كلمة الله وليس الهدف لديهم إرضاء فلان وعلان( ومن يتوكل الله فهو حسبة) فها هو المقداد بن الأسود رضي الله عنه يقول للنبي صلي الله عليه وسلم:( يا رسول الله), امض لما أمرك الله به, فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسي: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون(24)( المائدة). ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا, إنا معكما مقاتلون, والله لو سرت بنا إلي برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتي تبلغه فدعا له النبي صلي الله عليه وسلم بخير.وها هو سعد بن معاذ سيد الأوس, يقول في ثبات للنبي صلي الله عليه وسلم: قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك علي ذلك عهودنا ومواثيقنا فامض لما أمرك الله. والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لنخوضنه معك, وما نكره أن تلقي العدو بنا غدا, وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء, ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر علي بركة الله. وها هو النبي القائد ينزل علي رأي ومشورة الحباب ابن المنذر في منزل بدر.