ها هي نفحات شهر الخير والبركة عمت المجتمع ككل، فهلا اغتنمناها، فكل عام يأتي رمضان حاملا بذور الخير للمسلمين، ينثرها في قلوبهم، فتحلق أفئدتهم، وتسكن جوانحهم، ويشعرون بفقرائهم، فيتألق عطاؤهم. ويكثر إنفاقهم، ويتحول المجتمع إلى خلية نحل، يلم شملها التكافل الاجتماعي، ليبرهن كل مسلم على إيمانه، بأنه أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، لكي ييسره ربه الكريم المنان لليسرى كما وعد، ويتحول المجتمع المسلم في رمضان إلى خلية نحل متعاونة، يلم شملها التكافل الاجتماعي، الذي يستحثه "الجود" والعطاء الرمضاني، ليبرهن كل مسلم على إيمانه بالله، وشوقه إلى الجنة ونعيمها؛ بأنه أعطى وأتقى، وصدق بالحسنى، لكي ييسره الله لليسرى، فما أحوجنا بعد ثورة يناير أن نفعل المقصد الأسمى من الصوم وهو تقوى الله عز وجل، ويشعر بعضنا ببعض ويعطف الكبير على الصغير ويوقر الصغير الكبير، ونرجع إلى قيمنا ومثلنا العليا، آخذين من شهر القرآن نبراسا لنا. يذكرنا الصوم بمدى ما يعانيه الفقراء من ألم الجوع ولوعة الفقر، يقول رسول الله: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع". فعلى الصائمين أن يذكروا إخوانهم الفقراء المحتاجين، وألا يأخذهم الشحّ أو الخوف من الظروف الاقتصادية ويجعلهم لا ينفقون، وعليهم أن يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره من الجود والصدقة، وليعلموا أن الله هو الرزاق، وليذكروا فضل الصدقة. الإنفاق والمتقون لقد وصف الله المتقين حيث قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إذا فَعَلُوا فَاحِشَةً أو ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 134-136]. الإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو والإحسان، والإقلاع عن الذنوب، هي صفات المتقين: فأما الإنفاق فعلاقته بالتقوى تظهر من: كون المنفق يتقي بصدقته غضب ربه. وجاء في الأثر: "والصدقة تطفئ غضب الرب". ومن المعلوم أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالجود يزيد الإيمان؛ لأنه ينطلق من تقوى الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه: "أنفق بلالاً، ولا تخش من ذي العرش إقلالا". وانظر إلى الصحابي "أبو طلحة الأنصاري" رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92] قال: يا رسول الله! إن الله تعالى قال: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}. وإن أحب أموالي إليّ بيروحاء (بستان جميل في المدينة) وإني جعلتها في سبيل الله. ما أحوجنا ونحن في شهر البر والعطاء إلى الوقوف بجانب إخواننا في سوريا، الذين يواجهون طاغية شريرا، ويتعرضون لموجة قتل وإبادة، وما أحوجنا أيضا إلى مساعدة المسلمين في بورما وهم يتعرضون للاضطهاد من لدن البوذيين، لا بد أن نفعّل المقصد من شهر الصيام ونشعر بالآخرين، إن لم يكن في الوقوف بجانبهم بالمال فعلى الأقل بالدعاء. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر