المجتمع الإسلامي شيمته التكافل في شئون الحياة المختلفة علي مستوي الأهل والأقارب وفي المرافق وميادين الحياة والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وعلي نطاق المجتمع بأكمله. وقد تأسست الجماعة المسلمة منذ بدء نشأتها قبل وجود الدولة علي التضامن بين أفرادها وتعايش الكل وفق منظومة ينصهر أفرادها في نسيج متماسك يقوم كل منهم بحاجة الآخر ويتعاون معه ويشد أزره ويقيل عثرته ويفك كربته حتي اعتبرت بنيانا واحدا وجسدا متماسكا عبر عنه حديث الرسول صلي الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي". هذا المعني التكافلي امتد إلي حالة السراء والضراء وفي المشاعر والمواقف في المعايش والنوائب وهي معان تعم الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تعامل بها المسلم مع أخيه المسلم ومع جاره ورفيقه غير المسلم ومع الآخرين أو الأغيار خارج المجتمع الإسلامي. إن تأصيل هذا الأساس التكافلي في الأصول التشريعية والجوانب العملية مبسوطة بمؤيدات نصية وبراهين عملية حتي اعتبرت من خصال المؤمن التقي في مثل قوله تعالي: "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران 134 فقد ربطت الآية بين القيام بواجب الانفاق حالة اليسار والإعسار وتحمل الإساءة والتجاوز عن صاحبها والتخلق بخلق الإحسان والعفو واعتبرت من كانت هذه خصاله من المتقين لله والمحسنين للناس. ويتخطي التكافل فكر الإحسان والمواساة والبر لتهيئة المسلم وإعداده ليسلك طريقه ويكون علي قناعة به إلي تقريره كنظام وطريقة حياة. والشواهد علي ذلك متعددة وعلي أصعدة مختلفة: 1- مع الفقراء والمحتاجين والمساكين: حفلت النصوص بغرس التضامن في نفس المسلم كجزء من الضمير الديني والالتزام القانوني يندرج ضمن الشعائر والواجبات الشرعية. كما في قوله تعالي: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" الذاريات آية .91 وهذا يشير إلي فريضة الزكاة الشرعية التي يجب القيام عليها وتحصيل نصابها من المسلم وجوبا من جانب السلطة العامة كما نبه عليه في خطابه للرسول صلوات الله عليه قوله تعالي: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" التوبة .103 ويظهر كذلك في الحث علي فك كربة المكروبين وإقالة عثرات المتعثرين في مثل قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "من وسع علي مكروب كربة في الدنيا وسع الله عليه كربة في الآخرة ومن ستر عورة مسلم في الدنيا ستر الله عورته في الآخرة والله في عون المرء ما كان في عون أخيه". وعلي هذا النسق يأتي التكافل الإسلامي ليضم في مفهومه معني التوسعة علي من نزلت به فاقة أو ضيق والستر عليه ومد يد المساعدة إليه وهي مفاهيم تستوعب المحتاجين والمضطرين للقيام علي حاجتهم والوفاء بمصالحهم في نطاق حد الكفاية وما يكفي حاجته. ويمضي الإسلام في تعزيز خطته في شمول الضعفاء ومن قعدت بهم الظروف عن الكسب وتوفير سبل العيش الكريم ويجعل القيام بمتطلباتهم كالجهاد والصوم فيما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم "الساعي علي الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل". ومن هنا يكون التضامن واجبا أو مندوبا بين فئات المجتمع وأن لكل فرد حقا في المال وأن الاستحقاق في النصيب يتأسس علي الحاجة وبما يزيل حالة المعاناة والكفاف.