المثل الشعبى هو الحكمة العفوية البعيدة عن التكلف، وأدب الوسط الشعبى الذى ينتقل من السلف للخلف شفاهة، لاستخدامه فى الحياة اليومية. وقال العرب قديما : «الأمثال مصابيح الكلام». .................................................. يقول أ.د. حامد طاهر فى كتابه «الفلسفة المصرية من الأمثال الشعبية» إن الحكمة الشعبية (المقصود الأمثال) تعد أعمق تأثيرًا فى حياة الشعوب من الفلسفة النظرية التى كان ينتجها كبار الفلاسفة، ويتناقشون ويتصارعون حولها فى دوائر خاصة بهم وحدهم، دون أن يسمع بهم كثير من الناس! ولأن الحضارة المصرية القديمة، وما تلاها من عصور الاحتلال الأجنبى كانت تقوم على نظام حكم ديكتاتورى فى كثير من الأحيان، كان من الصعب أن يظهر فيلسوف مصرى يدعو إلى مبادئ الحرية والعدل والمساواة. لذلك راح حكماء الشعب السِريون يصوغون خلاصة تجاربهم، وآرائهم، وملاحظاتهم الصائبة فى الأمثال الشعبية، التى أصبح لدينا منها تراث يضم عشرات الآلاف. والأمثال الشعبية التى نستخدمها مزيج من كل العصور التى مرت بها مصر منذ الحضارة المصرية القديمة، مروراً بالعهد القبطى، ثم العصر الإسلامى. والمدهش أننا نجد قائل المثل يتغير أسلوبه ونبرة صوته كأن روح صانع المثل تتلبسه وهذا التغير يضفى على المثل نكهة مصرية محببة. لكن ماذا فعل الموروث الشعبى مع الرجل؟ وهل يثق العقل الجمعى بالرجل كما وثق بالمرأة؟. «يا خاين وعامل من الليل ستارة بكرة يروح الليل وتظهر الأمارة». حيث تٌذكر المرأة الرجل أنه عندما يخونها ويعتقد أنه استطاع أن يٌخفى خيانته فإنها ستكتشف ما يٌخفية ولو بعد حين، ويٌلمح المثل هنا غالبا إلى الحاسة السادسة عند المرأة التى تجعلها تشعر بخيانة زوجها لها. ويقول أيضا «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للميه فى الغربال»، ويدل المثل على انعدام الثقة بالرجال، كاستحالة بقاءالماء فى الغربال حيث سيتسرب فورا من فتحاته. و»بره وجوه فرشتلك وانت مايل وإيه يعدلك»، أى انعدام الأمل تماما فى إصلاح سلوك الرجل، خصوصا إن كان زوجا. وعن مفهوم الرجولة فى الأمثال نجد «لو كانت الرجولة بالشنبات كان الصرصار سيد الرجال»، أو «لو كانت الرجولة بالصوت العالى لكان الكلب سيد الرجال». حيث لا تكون الرجولة بطول الشارب، وليست أيضا بالصوت العالى أو غلظته. فالرجولة سلوك وأفعال. و»اللى يشوفك يفتكرك فارس فى ساحته ميعرفش إنك حتى الشراب شاحته»، ويؤكد المثل على أهمية الرجولة، وأنها لا تكون بفروسية كاذبة أمام الناس، لكن بالعمل النبيل والسلوك الراقى، وكسب المال الذى يكفى الأسرة حتى لا يضطر إلى «شحاتة» الشراب. و»الراجل الخايب خلفته كتير زى البطيخة القرعة لبها كتير»، وهذا المثل ينفى أن كثرة الانجاب دليل على الرجولة. والمصريون عادة يستعينون بالأمثال فى أحاديثهم للتدليل على صحة كلامهم، أو لتوجيه النصيحة، وكثير من الأمثال تنصح المرأة بطرق تعامل الرجل وتنصح الرجل بكثير من حكم الحياة. و«حطى جوزك فوق السطوح لو ليكى نصيب فيه مش هايروح». وهذا المثل نصيحة للمرأة ألا تقلق من الزوج متعدد العلاقات فإذا كان من نصيبها سيعود إليها حتما، وهذه النصائح ظلم بالغ للمرأة وتدليل وتشجيع للزوج الخائن ليفعل ما يريد، لأن الزوجة ستكون بانتظارة فى النهاية. وايضا «جوزك على ماتعوديه وابنك على ماتربيه»، وهنا نجد المثل ينصح المرأة بأن تعود زوجها من البداية على ما يلائمها، وما تحبه وتبغضه من طباع لتكون الحياة أكثر يسرا. و»قصقصى ريش طيرك قبل ما يلوف على غيرك»، وهذا المثل يٌوجه المرأة لضرورة تقييد زوجها بسحب الأموال منه حتى لا يتزوج بامرأة أخرى، وفيه تجن واضح على الرجل إذ ليس من العدل التعامل معه دائما كمجرد ممول يجب الأخذ منه بقدر المستطاع، وكأن ما يُبقيه فى بيته هو عدم قدرته المالية فقط. وكذلك «يغلبك بالمال تغلبيه بالعيال». يعود الموروث الشعبى مرة أخرى ليؤكد على المرأة أنها يجب ألا تترك فرصة لزوجها أن يكون صاحب مال، وإن حدث هذا فلتٌنجب له أطفالا كثرا لتزيد من مصاريفه. و»النسوان اللى يعملهم تجارته.. يا خسارته». والمقصود أن من يجعل عشق النساء غاية وهواية فخسارته فادحة. ويقول أيضا «إن كبر ابنك خاويه». أى حين يكبر الابن يجب على الأب أن يصادقه ويتجنب النهر والأمر. ونلاحظ من مجموعة الأمثال والنصائح السابقة أن هناك دائما توصيفا للرجل بأنه خائن وغير مؤتمن، فهل الخيانة طبع فى الرجل أم أنها عادة اكتسبها نتيجة تهاون المجتمع معه؟. لكن هناك أمثال تٌعلى شأن وقيمة الرجل عامة والزوج خاصة إلى حد كبير على قمة الأمثال وهى كثيرة ومتنوعة، «الراجل فى البيت رحمة ولو كان فحمة»، والمثل يؤكد ضرورة وجود الرجل فى البيت مهما كانت طبيعته، وربما يرجع ذلك للفكر الشرقى الذكورى بضرورة وجود رجل بجانب المرأة. مثل «ضل راجل ولا ضل حيطة».و«نار جوزى ولا جنة أبويا». و«الراجل قانون زوجته»، و«الراجل ميعيبوش غير جيبه». وتنتصر هذه الأمثال لمصلحة الرجل حيث يدعو بعضها للحفاظ على وجوده فى البيت مهما كان سيئاً، وذلك أفضل من وجودها وحيدة مع الحوائط، ويوضح المثل الآخر أن الحياة مع الزوج مكروه الطباع صعب المعشر مهما بلغت صعوبتها أهون من الرجوع لبيت الأهل حتى لو كانت الحياة معهم جنة، ويؤكد المثل الأخير كل المعانى السابقة، ويزيد عليها أن الرجل هو صاحب اليد العليا فى كل الأمور أيا كانت. وهذا التفكير المتعصب للرجل والعارى تماما من الصحة سبب تحمل كثير من النساء (خوفا من نظرة المجتمع) لرجال لم يأخذوا من الرجولة إلا اسمها، وبالتالى يكون سببا لخروج أبناء غير أسوياء. و«الراجل من غير كرش مايسواش قرش». وهذا المثل يدافع عن الرجل صاحب الكرش متماشيا مع الأمثال التى تدافع عن الرجل أيا كان سلوكه أو شكله. كما يقول المثل «جرى الرجالة زى بحر النيل، وجرى الولايا زى نقط الزير»، و«ما يجيبها إلا رجالها». فالرجل وحده القادر على حل المشكلات، ومهما اجتهدت المرأة، فهو بأقل مجهود يتفوق عليها فى الإنجاز. و«الرجالة غابت والستات سابت» وكأن المرأة بدون الرجل تسير على هواها من دون عقل ولا ضمير. والتناقض فى الأمثال الشعبية ليس بجديد أو بغريب ولعل هذا التناقض يرجع لاختلاف العصور التى انتقل منها المثل أو لاختلاف طبائع البشر والظروف المحيطة لتأليف المثل، لهذا نجد أمثالا تناقض بعضها فى المعنى، مثل «جنازة بتار ولا قعدة الراجل فى الدار»، أو «قعدة الدودة فى الغيط ولا قعدة الراجل فى البيت». وهذا المثل نقيض المثل الذى يٌمجد وجود الرجل فى البيت مهما كان سلوكه بل يؤكد أن جلوس الرجل فى البيت دون عمل متعب للمرأة، لأنه لا يكف عن الطلبات والأوامر ويركز فى كل صغيرة وكبيرة، والموت أهون على المرأة من هذا، ويأتى مثل آخر يوضح أن المهم وجود رجل يٌشعر المرأة بالأمان وليس أى رجل «جبت الاقرع يونسنى كشف راسه وخوفنى». وأخيرا نجد بعض الأمثال التى تتسم بالاتزان وتوضح أن الرجل والمرأة مكملان لبعضهما البعض فيوضح المثل أن «إذا كان الرجل بحر فان المرأه جسر»، و«الرجل بلا امرأة رأس بلا جسد». وإذا كانت معظم الأمثال جاءت فى مصلحة الرجل ومعه إلا أن البعض منها وجه إليه اللوم بعدة صور، مثل «راحت رجال العز والهيبة وقعدت رجال ما تخشى العيبة». ويوجه المثل اللوم لرجال هذا الزمن ويتهمهم بأنهم لا يشبهون جدودهم فى هيبتهم، ولا يعرفون العيب ولا يهتمون بالخطأ. واهتمت أمثالنا الشعبية بأهمية القدوة وخصوصا الرجل لأن الموروث الشعبى يرى الرجل هو أساس البيت والأسرة، وبالتالى هو القدوة الرئيسية لأبنائه وزوجته. «الأب عاشق، والأم غيرانة، والبنت فى البيت حيرانة». و«إذا كان رب البيت بالدف ضارباٌ.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقصٌ». و«جوزى يكدب عليَ وأنا أكدب على الجيران». و«من شابه أباه فما ظلم». وبرغم كثرة الأمثال التى تخص الرجل إلا أن الملاحظ أنها فى الأغلب قصرت دور الرجل دائما على كونه زوجا، ولم تهتم به كإنسان له وظائف حياتية أخرى فهو أب وابن وأخ، وهو فى هذه الأدوار سند وحبيب، ومرات كثيرة عون وعقل وحكيم، فلماذا أغفل الموروث الشعبى كل هذه الأدوار للرجل؟! ولعل هناك أمثال أشارت لهذه الوظائف لكنها نادرة جدا، فهل يرجع هذا لأن بناء الأسرة والاهتمام بكل جوانبها غالبا ما يقع على جانب المرأة؟ وإذا كان هذا الحال فهل ساهم الموروث الثقافى فى تثبيت هذا المفهوم، وتحجيم عقل الرجل ومنعه من التفكير ببقية أدوار الحياة، واعطائها للمرأة والاكتفاء بدور السيد والممول، وهل هذا التوحد الوظيفى الذى فرضه المجتمع على الرجل أدى إلى سهولة فعل الخيانة عنده أم لتقبل العقل الجمعى لهذا الفعل من الرجل؟. وهذا ليس رأيا شخصيا، بقدر ما هو محاولة لتحليل معانى الأمثال ومدلولاتها. لأنها ترمومتر أفكارالشعوب. ودعوة للتفكر وإعادة توزيع الأدوار باتزان حتى تستقيم الحياة والمجتمع.