على خلاف مناطق العالم الأخرى يحتل الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب الباردة المرتبة الأولى عالميا فى مؤشرات عدم الاستقرار السياسى والأمنى, بما يشهده من صراعات وأزمات وحروب وتشابكات خارجية, فالشرق الأوسط به أكبر عدد من الصراعات فى سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال, وأكبر عدد من التنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها من عشرات التنظيمات الإرهابية, كما يحظى بأكبر عدد من اللاجئين والنازحين والمهاجرين, بل امتدت شظايا نيران المنطقة إلى بقية مناطق العالم الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب واللاجئين والهجرة غير الشرعية. الشرق الأوسط ومنذ الغزو العراقى للكويت وحرب الخليج الثانية, لم يشهد مرحلة واحدة من الاستقرار, فبالإضافة إلى الأزمة المزمنة وهى القضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى, أضيفت أزمات جديدة بداية بحرب الخليج الثالثة والغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وانتهاء بمرحلة الانتفاضات العربية فى عام 2011 والتى كانت أكثر سخونة لما تميزت به أزماتها من تعقيدات وصراعات وحروب عنيفة وبروز الفاعلين من غير الدول ،وتعرض بعض دوله لانهيار الدولة الوطنية واستمرار تلك الأزمات فى وضع اللاحل كما فى ليبيا وسوريا واليمن والصومال. ثمة مجموعة من العوامل تفسر لماذا الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم سخونة: أولا: الأهمية الإستراتيجية التى يحظى بها الشرق الأوسط سواء فى جغرافيته السياسية وممرات الملاحة الدولية المهمة التى تمر من خلاله, أو نتيجة موارده الضخمة من النفط والغاز, والذى لا يزال يشكل عماد الاقتصاد العالمى, ومن ثم يمثل محركا أساسيا فى سياسات الدول الكبرى تجاه المنطقة, حيث أصبح الساحة الأساسية للحرب الباردة الجديدة ولصراعات القوى الإقليمية الكبرى كالولاياتالمتحدةوروسيا والصين أو القوى الإقليمية كتركياوإيران وإسرائيل, فهو منطقة رخوة أغرت تلك الدول إلى تعظيم مصالحها ونفوذها السياسى والاقتصادى, وتسببت لعبة المصالح وتعارضها بين تلك القوى إلى اندلاع العديد من أزمات المنطقة وإطالة أمدها حيث تدخلت كل قوى لدعم طرف موال له, مما غذى حالة الاستقطاب الداخلى وتعقد تلك الصراعات. وزادت رخاوة المنطقة وهشاشتها بعد ثورات الربيع العربية ،حيث رأينا صعود أدوار مثل إيران التى استخدمت وكلاءها فى المنطقة مثل حزب الله اللبنانى والحوثيين فى اليمن وعشرات الميليشيات فى العراقوسوريا كعصائب أهل الحق والنجباء والفاطميون ..إلخ, لتعظيم نفوذها وتمددها عبر المنظور الطائفى ومفهوم نصرة المظلوم,الذى يقتصر على الشيعة فقط, بينما وجدت تركيا ضالتها فى توظيف تيارات الإسلام السياسى والإخوان كأدوات لإحياء العثمانية الجديدة, أما روسيا فقد سعت لتعظيم دورها ووجودها فى المنطقة فى لعبة الصراع والتنافس الإستراتيجيى مع الولاياتالمتحدة ونقله من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط, وهو ما دفع الولاياتالمتحدة بدورها إلى إعادة انخراطها بشكل أكبر فى المنطقة وأزماتها خاصة فى عهد ترامب, بينما قامت إسرائيل بتوظيف تلك الحالة من السيولة فى العالم العربى لتنفيذ مخططاتها سواء فرض سياسة الأمر الواقع والتوسع فى الاستيطان والقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية, أو فى إزالة أى تهديد إستراتيجى لها بانهيار العديد من الجيوش العربية كما حدث فى سورياوالعراق. وكانت المحصلة النهائية أن القوى الخارجية سواء الدولية أو الإقليمية هى المحرك الاساسى لتفاعلات وأزمات وصراعات المنطقة فى مقابل تراجع الدور العربى فى إدارة أزماته. ثانيا: إشكالية الدين والسياسة فى المنطقة, والتى جعلت العلاقة بينهما فى حالة تعارض وتصادم دائم, نتيجة لدخول تنظيمات الإسلام السياسى على خط السياسة, وتوظيف الدين لأغراض سياسية للوصول إلى الحكم وخدمة أجنداتها وأجندات القوى الدولية التى تدعمها, وسعت لتوظيف الربيع العربى ولعبة الديمقراطية التى لا تؤمن بها, للوصول إلى غايتها وعندما فشلت لجأت للعنف, وهو ما تجسد فى ظهور تنظيمات مثل داعش وغيرها, التى شوهت صورة الإسلام. ثالثا: هشاشة البيئة العربية, خاصة غياب ثقافة الديمقراطية والإدارة السلمية للنزاعات والصراعات والاختلافات وفشل التعايش فيما بينهما, فعندما انهارت بعض الأنظمة العربية الاستبدادية, كان البديل هو التطرف والإرهاب والفوضى, ودخلت أطراف المجتمع فى نظرية مباراة صفرية كل منها يسعى للقضاء على الآخر, وتحولت الاختلافات العرقية والدينية والطائفية واللغوية إلى عوامل للصراع والتناحر, بدلا من أن تكون عوامل للثراء كما هو فى بقية مناطق العالم الأخرى التى تشهد مثل هذه الاختلافات, كما اختزلت الديمقراطية فى أدوات شكلية فى صندوق الانتخابات دون بناء ثقافة الديمقراطية التى تقوم على المواطنة والتسامح والتعايش وتقبل الآخر وإعلاء المصلحة الوطنية العليا كدائرة مشتركة تجمع الجميع فى وطن واحد. تبريد الشرق الأوسط يحتاج إلى بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها القوية, وبناء أسس الديمقراطية الصحيحة, وبناء نموذج التنمية السليم الذى يرتقى بمستوى معيشة المواطنين ويدفع فى اتجاه توظيف الموارد البشرية والطبيعية صوب الإعمار وليس للهدم أو الصراع, وقبل ذلك كله وقف كل أشكال التدخلات الخارجية وأن يستعيد العالم العربى زمام الأمور, وتدرك الشعوب العربية أن تكلفة التعايش والبناء والسلام أقل كثيرا من تكلفة الصراع والتناحر الباهظة من دمار وقتل ولاجئين وإعاقة التنمية. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد