مما قرأت وأعجبنى أن كبار السن هم حقا البركة الخفية، وأحوج من أطفالنا إلى التدليل والاسترضاء والحنان والرفق، والرحمة والصبر، فالكلمة التى كانت لا تريحهم حال قوتهم، تجرحُهم الآن، أما الكلمة التى كانت تجرحهم، فإنها تذبحُهم.. لقد فقدوا الكثير من حيوية الشباب، وعافية الجسد، ورونق الشكل، ومجد المنصب، وضجيج الحياة، ولم يعودوا محور البيوت وبؤرة العائلة كما كانوا قبل، فانتبه ولا تكن من الحمقى فتشقي! إنهم أيضا قد يرقدون ولا ينامون، وقد يأكلون ولا يهضمون، وقد يضحكون ولا يفرحون، ويؤلمهم بُعدُك عنهم، وانصرافُك من جوارهم، واشتغالُك بهاتفك فى حضرتهم، ويحتاجون من يسمع حديثهم، ويأنس لكلامهم، ويبدو سعيدا بوجودهم، كما أن حوائجهم أبعد من طعام وشراب وملبسٍ ودواء، فيحتاجون إلى بسمةٍ فى وجوههم، وكلمةٍ جميلة تطرق آذانهم، ويد حانية، وعقلا لا يضيق برؤياهم، وهم يراوحون بين ذكريات ماضٍ ولى ويزداد بعدا، وآمال مستقبلٍ آتٍ وقد لا يجيء، ويعانون فراغا يحتاج إلى عقلاء رحماء يملؤونه، فلقد غادر بهم القطار محطة البهجة، وصاروا فى صالة انتظار الرحيل.. إنهم قريبون من الله، دعاؤهم أقرب للقبول، فاغتنم الفرصة قبل نفاد الرصيد، واجعلهم يعيشون أياما سعيدة وليالى مشرقة ويختمون كتاب حياتهم بصفحات من البر والسعادة حتى إذا خلا منهم المكان لا تصبح من النادمين.. اغتنموا الفرصة لكيلا تندموا . محمد مدحت لطفى أرناءوط موجه عام سابق بالتعليم