فى أحدث فيلم للنجم مات ديمون يطل علينا بطل سلسلة أفلام الأكشن الشهيرة «بورن» بوجه كوميدى أو يفترض أن يكون كذلك حسب التعريف المصاحب لفيلم «تصغير» أو «Downsizing» لكن ما تم عرضه طوال 135 دقيقة هى مدة أحداث الفيلم يطرح العديد من التساؤلات، ليس فقط حول تصنيف الفيلم وإنما حول الهدف النهائى من إنتاجه. .......................... الفكرة الرئيسية تدور حول زوجين من الطبقة المتوسطة يعانيان من أوضاع مادية غير مستقرة تمنعهما من تحقيق أحلامهما فى الحصول على منزل فخم ورصيد بنكى، فيقرران الاشتراك فى مشروع واعد لتصغير الحجم وينتقلان للعيش فى أرض الأحلام التى يتمتع كل من يعيش فيها من صغار الحجم بحياة مرفهة، لكن عندما يذهب الزوج يكتشف أن حياة «عقلة الأصبع» ليست بالرفاهية التى حلم بها. نحن إذن أمام فكرة اجتماعية بالغة الثراء ومتعددة المحاور يمكن أن تصلح أساسا لبناء فيلم مميز من عينة أفلام الكوميديا السوداء التى اشتهر بها الثنائى ألكسندر بايان وجيم تايلور مخرج الفيلم وكاتب السيناريو فى ثالث تعاون بينهما بعد الفيلمين الناجحين «طرق جانبية» عام 2004، و«الأحفاد» عام 2011، اللذين ينتميآ لنفس النوع ونالا عنهما العديد من الجوائز المهمة. لكن ما يمكن رصده فى فيلم «تصغير» أن الخيط الأساسى للفكرة تاه فى تفاصيل غير مهمة غرق فيها الثنائى وأغرقا معهما أحداث الفيلم والمشاهدين أنفسهم، حيث أخفقا بدرجة ملفتة فى التركيز على خيط واحد للأحداث يمكن أن يقودا معه المشاهدين لطريق واضح المعالم، أو على الأقل التركيز على قضية ما إذا جادل البعض بأنه لا يجب على صناع الفيلم توجيه المشاهدين لنهاية معينة. الغريب بالنسبة لى على الأقل معرفة أن الفيلم الذى بدأ التجهيز له عقب انتهاء بايان وتايلور من فلميهما الأول معا «طرق جانبية» استغرقت كتابته منهما ما يقارب من عامين ونصف العام، ثم تأجل إنتاجه أكثر من 8 سنوات كاملة ليبدأ تصويره فى أبريل من عام 2016. مصدر الغرابة أن صانعى الفيلم حصلا على وقتهما الكامل وربما الإضافى أيضا لتقديم قصة محكمة، لكن على العكس فى حالتنا هذه بدا أن طول الفترة التى استغرقتها عملية الكتابة والتجهيز للفيلم أدت إلى غرق الثنائى فى تفاصيل غير ضرورية بشكل أثّر على تماسك الفكرة الرئيسية للفيلم. قصة «تصغير» بشيء من التفصيل تدور حول زوجين شابين هما بول وأودرى سافرنيك «مات دايمون» و «كريستين ويج» يعيشان حياة متوسطة المستوى حيث يعمل الزوج كمعالج فيزيائى لإصابات العمل وتعمل الزوجة بائعة. يعانى الزوجان من عدم القدرة على شراء منزل كبير أو «منزل الأحلام» حيث يعيشان معا فى «بيت العائلة» الذى نشأ فيه الزوج وتزوجا فيه بعد وفاة والدته. فى تلك الأثناء تنتشر فى وسائل الإعلام الأخبار عن مشروع علمى نجح علماء نرويجيون فى تطبيقه لتصغير حجم الإنسان العادى ليكون مثل عقلة الأصبع بطول لا يزيد عن 12 سم، ويجد الزوجان أن بعض أصدقائهما قاموا بتصغير حجمهم بالفعل ويعيشون فى مدينة الرفاهية أو «ليشيرلاند» التى تم إنشاؤها خصيصا لصغار الحجم. يبدأ الثنائى بالتفكير فى تصغير حجمهما خاصة بعد أن حضرا عروضا تسويقية للمشروع واكتشفا أن مدخراتهما (بما فيها ثمن منزل العائلة) التى لا تزيد عن 140 ألف دولار تساوى مئات الملايين فى مدينة صغار الحجم التى تستطيع فيها الزوجة شراء طقم كامل من الألماس بقيمة 83 دولارا فقط. فى اليوم المخصص للخضوع لعملية التصغير يذهب الزوج أولا حسب نظام العملية على أن تلحق به زوجته لكنه بعد أن استفاق يكتشف أن الزوجة جبنت عن تنفيذ العملية وبالتالى عليه أن يعيش وحيدا فى العالم الجديد. يعيش بول حياة نمطية مملة ويعمل كموظف فى «كول سنتر» حتى يتعرف إلى جاره الصربى دوسان «كريستوف والتز» الذى يعمل فى تهريب البضائع المرفهة من العالم الحقيقى إلى عالم الصغار، ويقنعه بحضور حفلاته الصاخبة، وهناك يستيقظ صباح اليوم التالى ليلتقى مع الخادمة الآسيوية نوك لان «هونج شاو» بقدم صناعية يتعرف عليها أنها معارضة فيتنامية تم تهريبها إلى أمريكا وتعرضت لبتر قدمها اليمنى خلال ذلك. يعرض بول على نوك لان المساعدة فى ضبط قدمها الصناعية الرخيصة، فتطلب منه اصطحابها إلى حيث تعيش للمساعدة فى علاج جارة لها ومن ثم يمكنه ضبط قدمها الاصطناعية. يكتشف بول الجانب المظلم من مدينة الرفاهية حيث الفقر والمرض والجوع، لكنه خلال محاولته المساعدة يقوم بإتلاف قدم نوك لان الصناعية بالخطأ، فيعرض مساعدتها حتى يتم تصنيع قدم جديدة لها، وبالفعل يذهب كل صباح لمنزلها ليحملها على ظهره ثم يعمل فى التنظيف بدلا منها، حتى اصطحبته لتنظيف منزل جاره دوسان نفسه. يعرض دوسان على بول فكرة للهرب من المأزق الذى وضع نفسه فيه بأن يخبرا نوك لان أنهما سيضطران للسفر إلى النرويج حيث المستوطنة الأصلية لصغار الحجم لكنها تتمسك بالسفر معهما، وخلال الرحلة تنشأ علاقة عاطفية بين بول ونوك لان. فى النرويج يفاجأ بول بأن الطبيب النرويجى صاحب مشروع التصغير ومعه سكان المستوطنة الأصلية سيتخلون عن مدينتهم والانتقال إلى مستوطنة أقاموها تحت عمق الأرض بمئات الأمتار هربا من نهاية العالم التى اقتربت بفعل الاحتباس الحرارى. وعندما يقرر بول الانتقال معهم تقابله عقبة أن نوك لان لا تريد الانتقال حتى لا تبتعد عن رعاية جيرانها المرضى والفقراء فى «ليشيرلاند»، وبعد جدال طويل يتخلى بول عنها وعن صديقه دوسان مفضلا الذهاب إلى المستوطنة الآمنة، لكنه فى الطريق يتخلى عن الفكرة ويعود لاصطحاب نوك لان والعودة إلى الفقراء الذى يشاركها رعايتهم، وينتهى الفيلم بمشهد بول يوزع الوجبات على فقراء المدينة الترفيهية. الفكرة كما يتضح فى السطور السابقة غنية بالقضايا الإنسانية والاجتماعية التى كان يمكن أن تشكل نسيجا جيدا لفيلم محكم ومترابط، حيث يمكن التركيز مثلا على قضيتى الانتهازية وافتقاد العدالة وإنها ليست مرتبطة بحجم البشر وإنما بسلوكياتهم، وان أى وعود بوجود حياة تخلو من المعاناة مجرد أكاذيب دعائية ليس لها على أرض الواقع وجود، بدليل ما تعرضت له نوك لان من ظلم فى بلادها ثم حياة الفقر التى تحياها هى والعشرات غيرها دون ذنب، كذلك كان يمكن إبراز قضية سوء تعامل البشر مع المناخ للدرجة التى باتت تهدد وجودهم نفسه على الأرض من خلال مشكلة الاحتباس الحرارى. لكن صانعى الفيلم لم يتعمقا فى أى قضية منهما وإنما اكتفيا باستعراض سطحى للقضيتين دون الغوص أو تحليل الأسباب والدوافع، كما أخفقا – فى رأيى- فى تقديم كوميديا إنسانية بالتوازى مع القضايا الجادة اللهم إلا فى بعض مشاهد الجار دوسان والمناضلة الفيتنامية نوك لان التى أدت دورها ببراعة شديدة الممثلة هونج شو ما أهّلها للترشح لأكثر من جائزة سينمائية كأحسن ممثلة مساعدة. يحسب على المخرج والسيناريست أيضا الاستغراق فى مشاهد لا تضيف للبناء الدرامى للأحداث بقدر ما أدت إلى «مط» مدة عرضه إلى ساعتين وربع الساعة تقريبا، ومن ثم تسريب شعور بالملل لدى المشاهدين خاصة مع ضياع الخيط أو الفكرة الرئيسة التى يمكن أن تحافظ على تفاعلهم مع الأحداث، فكان يمكن مثلا حذف أول ربع ساعة من الفيلم بالكامل دون أى مشكلة. كذلك ورغم اجتهاد بايان فى تقديم تصور حقيقى لعالم صغار الحجم إلا أن بعض المشاهد سقطت منه سهوا منها مثلا إغفال سبب انتقال بول من فيلته التى حصل عليها فور انتقاله للمدينة المرفهة إلى شقة صغيرة فى عمارة، حيث لم يوضح الفيلم سببا لذلك سوى أنه كان عليه الانتقال حتى يلتقى بجاره الذى ستبنى على علاقتهما معا بقية الأحداث. أخيرا لم يتضح لى ما أهمية دور زوجة بول التى جسدتها الممثلة المعروفة كريستين ويج حيث لم تتعد مشاهدها 4 أو 5 مشاهد لم تكن مؤثرة فى الأحداث اللهم إلا مشهد انسحابها من عملية التصغير، ويزيد من العجب معرفة أن هذا الدور كانت مرشحة له الممثلة ريز ويذرسبون قبل انسحابها ربما لإدراكها أنه لن يضيف شيئا لمشوارها السينمائى وربما يسحب منه.