كان العرب قبل الإسلام يعظمون الأشهر الحرم, ويحرمون القتال فيها ولا يستحلون الحروب فيها, إلي أن ابتدع مبتدعهمالنسيء, فكانوا ينسئون الشهر الحرام( يؤخرونه عن موعده), حين تعجلهم الحاجة إلي الغزو. يقول الشيخ محمود عاشوروكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية قال بن هشام بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم الصحابيعبد الله بن جحش مع ثمانية رهط منالمهاجرين, ليس فيهم منالأنصارأحد, وكتب له كتابا, وأمره ألا ينظر فيه حتي يسير يومين ثم يقرأ الكتاب فيتبع ما فيه, وكان أصحابعبد الله بن جحش,أبو حذيفة بن عتبةوعمرو بن سراقة,وعامر بن ربيعة,وسعد بن أبي وقاص,وعتبة بن غزوان,وواقد بن عبد الله,وصفوان بن بيضاء. فلما سار ليلتين فتح الكتاب فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فأمض حتي تنزل نخلة, بين مكة والطائف ترصد قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فلما قرأه قال: سمعا وطاعة لله ولرسوله, ثم قال لأصحابه قد أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أمضي إلي نخلة أرصد بها قريشا حتي آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن أستكره أحدا منهم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع, أما أنا فماض علي ما أمر رسول الله, فمضي ومضي معه أصحابه ولم يتخلف عنه أحدا منهم, فسلك عليالحجازحتي إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له: بحران, أضلسعد بن أبي وقاصوعتبة بن غزوانبعيرا لهما كانا يعتقبان فتخلفا في طلبه, ومضيعبد الله بن جحشوبقية أصحابه حتي نزل بنخلة, فمرت به عير لقريشتحمل زيتا و إدما وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة. فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم, فأشرف لهمعكاشة بن محصنوكان قد حلق رأسه, فلما رأوه آمنوا وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم, وتشاور القوم فيهم, وذلك في آخر يوم من رجب, فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم, فليمتنعن منكم به, ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام, فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم, ثم شجعوا أنفسهم عليهم, وأجمعوا علي قتل من قدروا عليه منهم, وأخذ ما معهم, فرميواقد بن عبد اللهالتميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله, واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان, وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم, وأقبل عبد الله بن جحشوأصحابه بالعير وبالأسيرين حتي قدموا علي رسول اللهالمدينةفقال لهم: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام, فوقف العير والأسيرين, وأبي أن يأخذ من ذلك شيئا, فلما قال ذلك رسول الله أسقطت في أيدي القوم, وظنوا أنهم قد هلكوا, وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا, وقالتقريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم, وأخذوا فيه الأموال, وأسروا فيه الرجال, فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وسلم: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون البقرة.217