أثار الكشف عن خلية تجسس إيرانية تعمل في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات بالتنسيق مع الزعيم الجنوبي السابق علي سالم البيض ردود أفعال غاضبة في الشارع اليمني وفي الأوساط الحكومية. وجاء رد الفعل الأقوي علي لسان الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي طالب طهران بالكف عن التدخل في الشأن اليمني, خاصة أن صنعاء كانت منذ بضع سنوات تتهم أطرافا ومرجعيات دينية في إيران بدعم جماعات الحوثيين الشيعة في شمال غرب البلاد في تمردهم علي الدولة اليمنية وخوضهم نحو ست حروب معها. وفي الوقت الذي تبدي أوساط سياسية وحزبية يمنية امتعاضها من الدور الإيراني المتنامي في اليمن ومحاولات طهران المستمرة لوضع موطئ قدم لها في الأرض اليمنية بأي صورة, فإن أوساطا أخري تري أن الحديث عن تدخل إيراني ربما يكون أمرا مبالغا فيه لخدمة مصالح جهات أخري محلية أو خارجية في إطار لعبة الصراع الدولي علي اليمن الذي ربما يعيش تحت الوصاية الدولية والإقليمية عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن. وتبدي هذه الأطراف شكوكا من ربط اسم نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض بقضية التجسس في ضوء موقفه المتشدد من الحوار الوطني المزمع عقده في صنعاء بين القوي اليمنية لصياغة مستقبل اليمن وإنجاز دستور جديد. وكان البيض أعلن صراحة رفضه المشاركة في الحوار وتمسك بمطلب واحد هو فك إرتباط جنوب اليمن عن شماله وهو سقف يراه أغلب اليمنيين أنه غير منطقي ويستهدف تقطيع أوصال اليمن من جديد. تفاصيل التجسس وتشير المعلومات التي نشرت عن ضبط خلية التجسس الإيرانية إلي أنها بدأت نشاطها في العام2005 وأن طهران كانت تخطط لتجنيد30 ألف شخص لإحداث فوضي وتفتيت البلاد وضرب مصالح يمنية وخليجية وعربية. وذكرت المصادر أن الخلية المضبوطة تضم خلايا عدة, منتشرة في المحافظات ويقود كل واحدة منها قائد في الحرس الثوري, ويزيد عدد أفرادها علي خمسين شخصا بينهم نساء, مضيفة أن أفراد الخلايا تم تجنيدهم من قبل النظام الإيراني بالتنسيق مع البيض, الذي يوجد خارج اليمن منذ تعرض حزبه الاشتراكي وقواته لهزيمة في الحرب الأهلية عام1994 جنوب اليمن علي يد القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وأشارت إلي أن الخلية تضم سياسيين بينهم نواب في البرلمان اليمني ورجال دين وإعلاميون ودبلوماسيون عرب وأجانب وعناصر انفصالية في جنوب اليمن وحوثيون في الشمال. ولفتت إلي أن عناصر الخلية المضبوطة تلقت تدريبات مكثفة في لبنان علي يد مدربين من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بالتنسيق مع مكتب البيض في بيروت والذي يتولي حراسته مقاتلون من الحرس الثوري وحزب الله. وأضافت أن التحقيقات كشفت مخططا خطيرا لطهران يتضمن تجنيد آلاف الجنوبيين مستغلة حاجتهم وفراغ الشباب والوضع الاقتصادي الذي يمر به اليمن, وذلك من أجل خلق ساحات احتجاجية رافضة للوحدة لجعل البلاد منطقة للفوضي وإقلاق الأمن فيها, وكذلك السيطرة علي مضيق باب المندب وتعريض الملاحة الدولية للخطر إضافة إلي تحقيق أهداف سياسية وعسكرية إستراتيجية وضرب المصالح اليمنية والخليجية والأمريكية والأوروبية في المنطقة. نفي إيراني وكعادتها سارعت إيران إلي نفي الاتهامات اليمنية علي لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهما نبرست الذي أكد أن بلاده ترفض جميع أشكال التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري, بوصفه إجراء غير مقبول. واللافت أن صنعاء التي كانت تفضل دائما استخدام تعبيرات حذرة علي لسان وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي عند التطرق إلي العلاقات مع إيران ودعمها للمتمردين الشيعة في صعدة, فضلت هذه المرة الحديث بلغة قوية لا مواربة فيها, حيث دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي طهران إلي وقف التدخل في شئون بلاده وتوعد برد مؤلم وبفضحها أمام العالم. واتهم الرئيس عبدربه في خطابه الذي بثه التليفزيون طهران بدفع أموال لمن سماهم ضعفاء النفوس وتسخير قرابة خمس قنوات للتحدث عن اليمن. وقال: كفي وإذا لم يتوقفوا سوف نتخذ إجراءات ستكون مرة عليهم, واكد وجود وثائق ومعتقلين تدين إيران. ودخل وزير الإعلام اليمني علي العمراني علي خط الهجوم الحاد علي إيران عندما قال أن خلية التجسس الإيرانية التي تم الإعلان عن اكتشافها كانت تقوم بعمل تجسسي تحت غطاء التجاري ولها فروع في مدينتي عدن وتعز. وقال العمراني ان سياسة ايران في اليمن تقوم علي استغلال الظروف التي تمر بها البلاد والبحث عن الجماعات المتطرفة والتي لها مصالح خاصة وتقدم لها كافة أشكال الدعم السياسي والإعلامي والمادي بهدف الإضرار بمصالح اليمن. ودعا الوزير اليمني طهران إلي إقامة علاقات مع الشعب اليمني وليس مع جماعات متطرفة لا تريد الخير لليمن لأن ذلك يضر بالعلاقات بين البلدين. تصعيد لكن ما هو احتمال سير العلاقات بين صنعاء وطهران والمواقف المحتملة التي يمكن أن تتبناها القيادة اليمنية في الفترة القادمة؟ في هذا الصدد تشير مصادر يمنية إلي توجهات تدرسها الحكومة لتصعيد سقف الإجراءات الاحتجاجية لمواجهة ما وصفتها بالتدخلات الإيرانية السافرة في الشأن اليمني, تنفيذا لتوجيهات أصدرها الرئيس عبد ربه منصور هادي. وتوقعت المصادر أن تبادر صنعاء إلي استدعاء سفيرها في طهران للتشاور في حال لم تبد الحكومة الإيرانية تجاوبا يذكر مع طلب الرئيس هادي, فضلا عن احتمال توجيه إشعارات وشيكة لعدد من الدبلوماسيين في السفارة الإيرانية بصنعاء تتضمن طلب مغادرتهم اليمن باعتبارهم غير مرغوب فيهم, وصولا إلي إجراءات تصعيدية أكبر من قبيل طرد السفير الإيراني نفسه من البلاد. وتجدر الإشارة إلي أن الحديث عن تدخل إيران في الشأن اليمني ليس جديدا فقد نظر القضاء اليمني أكثر من مرة قضايا تتصل بمحاكمة متهمين بالتجسس لصالح إيران, وحرصت صنعاء أكثر من مرة علي الإمساك بشعرة معاوية مع طهران, لكنها المرة الأولي التي يدخل فيها الرئيس اليمني علي خط الهجوم والنقد خاصة أن إيران تحاول أن تتحكم في ملفين مهمين في الساحة اليمنية وهما قضية الحوثيين في صعدة والحراك الجنوبي الداعي إلي الانفصال وهما ملفان لهما حساسية خاصة في تقرير مصير اليمن السياسي في الفترة المقبلة, بغض النظر عما يثار عن مواجهات سياسية وأمنية خفية بين إيران من جهة ودول الخليج وأمريكا من جهة أخري تدور رحاها علي أرض اليمن.