كثيرٌ من الكتاب يفرحون بالنقد خاصة إذا كان بناء يستندُ إلى دليل ويُجافى الهوى؛ وذلك لما يُحققه ذلك النوع من النقد من إثراء لفكر الكاتب، ورفع لسقف معرفته، أو تصحيح مساره وإعادته إلى الجادة في حالة الزيغ والشطط. ولا شك أن في ذلك نصرا للمعرفة، وترسيخا لصولجان الكلمة، التي قد تكون ترياقا يشفى الجراح، أو شرارة تشعل نار الفتن، وتؤجج الخلافات التي تفت في عضد الأمة وتصيبها بالوهن والضعف. وإذا كان ذلك النوع من النقد مرغوبا فيه، فإنه يقف على نقيضه نوعٌ آخر هو في حقيقته شتمٌ وتجريحٌ، وحمم نابية يُلقى بها الناقدُ في وجه الكاتب لمجرد أنه خالفه الرأي، أو جاء ما يكتبه ليهدم قناعات ورؤى انتصر لها الناقد دونما دليل يقويها، أو استنادا إلى قول مرجوح رغم وجود ماهو أرجح منه؛ ومن المؤكد أن في ذلك غلقا لباب المعرفة، وهدما لحظيرة العلم التي تتسع لكثير من الأفكار، وتحرص على تلاقحها، وليس هدمها ورفضها بالكلية. والحقيقة أن ذلك النقد الهدَّام الذي يظن صاحبه أنه صاحب الحق ومن خالفه شيطانٌ مريد، أو مفكر ٌمارق هو أشواك في طريق المعرفة، وسدود منيعة بين الكاتب والجمهور، إذ ربما يؤثر فيه النقد، ويصده عن الكتابة، فيحرم جمهور قرائه المعرفة، التي تُمثل خلاصة تجاربه وعصارة أفكاره ! وهذه الصورة المقيتة من صور النقد التي تعتمد على الشتم، واجتزاء سطور من مقال الكاتب ينتصرُ بها الناقد لفكره المريض، هي أشبه بمن يقرأ قوله تعالى: ويلٌ للمصلين ويسكت، فيظن السامع أن الويل والهلاك لمن يُصلى، ولكنه لو أكمل لعلم السامع أن المقصود هو من يسهو عن صلاته، ومثل ذلك أيضا من يسكُت على كلمة الصلاة في قوله تعالى: يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى...، ولكنه لو أكمل لفهم السامع أن المقصود من الآية السكران حتى يعيَ ما يقرأ، والجُنب حتى يغتسل. فاجتزاء بعضٍ من مقال الكاتب هو نوعٌ من بتر الجملة عن سياقها، وهو أسلوب رخيص يغذى أفكار أصحاب الرأى الواحد الذي يعتبر نفسه الصواب المطلق ومن عداه على ضلال مبين. فمهلا عزيزي الناقد وكن مؤدبا في نقدك، وإذا كان قد أُثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قوله : رحم الله امرءا أهدى إلى عيوبي، فإنه كان يقصد أصحاب النقد البناء المستند إلى دليل، البعيد عن الهوى، والذي يُقدمه صاحبه بأسلوب مُؤدب بعيدٍ عن الشتم والتجريح كما يفعل البعضُ من نقاد اليوم. Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى;