يمكن الربط بسهولة بين ثلاثة أحداث مهمة تمت خلال الأسبوعين الماضيين وكان محورها البحر الأحمر. الأول كان زيارة الرئيس التركى أردوغان للسودان، وحصول تركيا على حق إدارة جزيرة «سواكن» السودانية والتى تحتل موقعا إستراتيجيا على البحر الأحمر. الحدث الثانى تمثل فى لقاء وزيرى الخارجية المصرى سامح شكرى والسعودى عادل الجبير على هامش اجتماع اللجنة العربية السداسية المعنية بالقدس فى عمان، وأكد البيان الصادر عن لقائهما اتفاق الوزيرين على أن «أمن البحر الأحمر يعد إمتدادا للأمن القومى العربى.» وكان هناك أيضا اللقاء الأحدث الذى تم يوم الثلاثاء الماضى بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الأريترى أسياس أفورقى، وكان أمن البحر الأحمر أحد قضاياه النقاش به. المسألة لا تتعلق بسواكن فقط، بل تحولت منطقة البحر الأحمر الى ساحة للتنافس الدولى والاقليمى، وقامت العديد من الدول بمد نفوذها وتعزيز وجودها العسكرى بها، هناك على سبيل المثال سباق محموم على إقامة قواعد عسكرية بدولة جيبوتى حيث أقامت الولاياتالمتحدة أكبر قاعدة عسكرية لها فى إفريقيا (معسكر ليمونييه) يتمركز فيها أكثر من أربعة الاف عسكرى وتستخدمها فى العمليات العسكرية فى القرن الافريقى والبحر الأحمر. فرنسا هى الأخرى لاتزال تحتفظ بها بقاعدة عسكرية منذ العهد الاستعمارى وتضم الفين جندى. أيطاليا أيضا أنشأت عام 2003 قاعدة عسكرية بجيبوتى، ومنذ 2011، تتمركز فرقة تابعة لقوات الدفاع اليابانية فى قاعدة بجيبوتى. وكذلك قامت الصين بالاتفاق مع جيبوتى على إقامة قاعدة عسكرية بها ستكون أول منشأة عسكرية للصين خارج البلاد، وقامت بتدشينها فى أغسطس الماضى. منطقة البحر الأحمر مهمة لهذه الدول جميعا باعتبارها الممر للتدفقات البترولية اليها. إذا انتقلنا الى إريتريا، التى تقع أيضا على البحر الاحمر وشمال جيبوتى، فسوف نجد تقارير صحفية تشير الى أن دولة الامارات تقوم ببناء قاعدة عسكرية ضخمة بها، وأنها وقعت اتفاقا عام 2015 مع اريتريا لاستخدام ميناء «عصب» لأغراض عسكرية، وفى فبراير الماضى وافق برلمان «جمهورية أرض الصومال» التى أعلنت انفصالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991، على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية فى مدينة بربرة على ساحل خليج عدن. قطر أيضا ليست بعيدة عن الساحة وتسعى لمد نفوذها بإريتريا منذ سنوات طويلة، وقد توسطت فى النزاع الحدودى بين جيبوتى وإريتريا وأقنعت البلدين بتوقيع إتفاق سلام بينهما فى الدوحة عام 2010، ووضعت جنودا لها على الحدود بينهما. لا يمكن أيضا إغفال التقارير التى تتحدث عن وجود عسكرى إيرانى و إسرائيلى فى البحر الاحمر والقرن الافريقى. أما تركيا فهناك تعاظم لدورها بالمنطقة، وزيارات متعدة للرئيس التركى أردوغان لها، منها زيارة اثيوبيا وجيبوتى والصومال فى 2015، وزيارة أخرى فى يونيو2017 شملت كينيا وأوغندا والصومال وكذلك الزيارة الأخيرة لاردوغان منذ أسبوعين الى السودان. وبالإضافة للحصول على حق إدارة جزيرة سواكن والتى من المتوقع أن تصبح مرفأ للبحرية التركية، فإن تركيا افتتحت فى سبتمبر الماضى أكبر مركز عسكرى بالصومال، وأعلنت أنها سوف تستخدمه لتدريب 11 الف جندى صومالى، وهو ما يوفر لها موطئ قدم بهذه المنطقة. المؤشرات كثيرة على تزايد التنافس الدولى والوجود العسكرى بالبحر الأحمر وامتداده بالقرن الافريقى وشرق إفريقيا، وهى منطقة تمثل عمقا استراتيجيا لمصر، ولها تأثير كبير على أمنها القومى، وكذلك على الأمن القومى العربى. والمسألة لا تتعلق فقط بتهديد حرية الملاحة عبر قناة السويس وباب المندب، ولكن هناك أيضا تهديد للمشاريع الإقتصادية والتنموية التى أعلنت دول مثل مصر والسعودية إنشائها بمنطقة البحر الأحمر سواء بشكل منفرد، أو فى إطار التعاون المشترك بينهما. التحرك المصرى لمواجهة مثل هذه التحديات يمكن أن يتضمن ثلاثة محاور، الأول هو دعم الوجود العسكرى المصرى بالبحر الأحمر، ومما لاشك فيه أن إعلان مصر عن إنشاء «أسطول جنوبى» ستكون منطقة البحر الاحمر وامتدادها هى نطاق عملياته، سيمثل أداة مهمة فى حماية المصالح والأمن القومى المصرى، كما أنه يبعث رسالة للدول الكبرى والاقليمية بأن مصر شريك أساسى فى هذه المنطقة، وأنها سوف تسعى لتأمين مصالح بها.محور التحرك الثانى هو المزيد من التعاون والتنسيق مع الدول العربية الشقيقة وخاصة السعودية والإمارات فى حماية المصالح المشتركة لها بالبحر الأحمر، لأن أمن البحر الأحمر ليس قضية وطنية فقط و لكنها ترتبط أيضا بالأمن القومى العربى فى مواجهة الأطراف غير العربية. المسار الثالث للحركة يتعلق بالأداة الدبلوماسية، ومن المهم هنا بلورة دائرة جديدة للسياسة الخارجية المصرية يمكن أن نطلق عليها «دائرة البحر الأحمر» تتعامل مع دول هذه المنطقة وامتدادها فى شرق إفريقيا فى إطار رؤية متكاملة، وبحيث تصبح هذه الدائرة و«دائرة شرق المتوسط» دوائر جديدة يكون لهما أولوية فى حركة الدبلوماسية المصرية. ولك يامصر السلامة. لمزيد من مقالات د. محمد كمال