رأيت الوزير الدكتور هشام عرفات فى عربات المترو.. وفى الفلوكات النيلية.. ورأيته داخل عربات القطارات وفى أكشاك التحويلات مع المحولجية.. صوره تتصدر المواقع والأخبار. كما رأيته استقل جرار القطار بدلاً من دخوله عربات النوم.. والمعني أنه فضل الوقوف والعمل على الجلوس.. وقف طوال زمن الرحلة بجوار أحد أهم عناصر نجاح السكك الحديدية، وهو السائق وفَضَل مسامرته على الراحة.
كرر الوزير الوقوف بجوار المواطن فى المترو أكثر من مرة واستمع له.. ووقف داخل كشك التحويلات مع المحولجي.. وأكد عرفات المعنى مرة تلو الأخرى فى أحد البرامج الحوارية فقال: انتقدونى أنا ولا تنتقدوا السائقين، فهم يقودون جرارات انتهت صلاحيتها منذ فترة كبيرة، بكفاءة عالية جدًا، ويوفرون علينا ملايين الجنيهات.. ولولاهم لتوقفت حركة القطارات.
الرجل يحاول جاهدًا تطوير السكك الحديدية.. ومشاكلها التى تراكمت عامًا بعد عام.. وأظنه جاداً فى تلك المحاولة.. ولعل محاولاته تكون مختلفة عن غيره وناجحة.. نتمني ونأمل.
ولعله يقرأ ويناقش ما أكتبه اليوم عما يعانيه الغلابة داخل محطة رمسيس للقطارت (المحطة الأهم والأكثر تأثيرًا والرئيسية لكل منظومة السكة الحديد)
مشهد أول: صوت امرأة طاعنة فى السن تأتي من خلفى أو تمر بجانبي وهي تقف على عتبات سلالم نفق داخل المحطة، تسأل كل عابر: "والنبي يا ابني تشيل الشنطة دي لغاية الرصيف التاني تنزلها لى وتطلعها"
مشهد ثان: صوت مجموعة رجال من خيرة أبناء المحروسة تهتف: "يلا يا شباب.. إيديكم معانا علشان نشيل الراجل المعاق بالكرسي المتحرك بتاعه، ننزله ونطلعه من النفق ليصل لقطاره".
كلا المشهدين وغيرهما من المشاهد اليومية المؤلمة التى أراها.. لا يليق بمحطة رمسيس للقطارات.. فلا يعقل أن تكون محطة كبيرة وعريقة لا يوجد فيها سلالم متحركة أو مصاعد كهربائية لصعود ونزول المسافرين وخاصة كبار السن والمعاقين وأصحاب الحاجات وأصحاب الشنط الكبيرة المثقلة والأمهات اللواتي يحملن أطفالاً.
لا يعقل أن تكون محطة مخصصة للسفر ليست مؤهلة لتداول وصعود وهبوط شنط السفر، الشنط التى يختلف حجمها وبالتالى وزنها من مسافر لآخر.. محطة فيها المسافر يحتاج إلى أن ينتقل من رصيف إلى رصيف وأحيانا كثيرة يضطر إلى استعمال النفق.. حينها لا يستطيع النزول والطلوع بحرية مع متعلقاته.. فيطلب مساعدة الغرباء.. "ويلا هيلا هوب".
هنا لابد للدكتور عرفات أن يتدخل كما وقف بجوار مواطن المترو وبجوار سائق القطار.. عليه أن يقف بجوار مسافر السكة الحديد داخل المحطة.. لا نتكلم عن نظافة القطارات، ولا عن التدخين فيها ولا عن الباعة الجائلين، ولا عن تأخرها، ولا الزيادة المستقبلية فى أسعار تذاكرها.. ولكن عن الخدمات الرئيسية فى أهم محطة للقطارات بالجمهورية كلها.
علي الدكتور عرفات أن يبني مجموعة من السلالم المتحركة فى نهاية كل رصيف بشكل جمالي تربط كل أرصفة المحطة بعضها ببعض.. من أول محطة كوبري الليمون حتي محطة المناشي.. مرورًا بالأرصفة الرئيسية داخل محطة رمسيس.
التكلفة ليست مهمة حتي لو كانت عدة ملايين.. فقد سمعت الرجل يتكلم عن 18 ألف مليون (18 مليارًا) لتطوير أنظمة الإشارات والسلامة وإحلال وتجديد فى السكك الحديدية. لن يُضير أحد لو زدناها عدة ملايين لتسهيل انتقال مئات الآلاف من رصيف إلى رصيف يوميًا.. وبطريقة آدمية مريحة.. وليس شرطًا أن يكون نزولًا إلى نفق.. ممكن أن يكون صعودًا إلى كوبري يربط بين جميع الأرصفة ويريح جميع المسافرين.
المستغرب أن محطة رمسيس وفرت سلالم متحركةً للمطاعمِ والمحالِ التجاريةِ بغرض تسهيل وصول الزبون إلى هذه المطاعم.. ووفرت كوبري للموظفين يربط شرق المحطة بغربها حتي لا يتعبوا من النزول والطلوع على السلالم والأنفاق بين الأرصفة.. بينما نسيت تمامًا.. المسافر الذى يحمل شنطة همومه على كتفه.. أو أحيانا يكون مقعدا ويسير بكرسي متحرك. فهل يفعلها الدكتور النشيط هشام عرفات؟!