طلبني الاستاذ الدكتور عبد الملك عودة ذات يوم في أوائل السبعينيات وكان يشغل آنذاك منصب مساعد الاستاذ هيكل للشئون الادارية والمالية وقال لي :«ابراهيم نافع» رايح البنك الدولي وانت حتمسك مكانه لغاية لما يرجع وقتها كنت محررا بالأهرام الاقتصادي . كانت هذه هي اول مرة يحدثني احد عن الاستاذ ابراهيم . مضت بضعة أشهر عاد نافع الي الاهرام وعندما إلتقيت به بعدها بفترة قال لي :«انا رجعت لاني عايز الأولاد يتربوا في مصر بأخلاقنا وعاداتنا وقيمنا». عكست هذه العبارة جانبا في شخصيته لمسته فيه طيلة زمالتي له لفترة تعدت الثلاثة عقود تعاونت فيها معه في اكثر من مجال البداية كانت بتكليفي بصفته آنذاك رئيسا للقسم الاقتصادي بالاشراف علي الصفحة الاقتصادية للأهرام في العدد الاسبوعي ليوم الجمعة . وأذكر اني كنت أحاول أن أعرض عليه محتوي الصفحة بصفته رئيسا للقسم قبل إرسالها إلي المطبعة ولكنه كان يرفض مراجعة الصفحة ثقة منه في وتشجيعا منه لي علي العمل وتحمل المسئولية واتخاذ القرار. إبراهيم نافع تميز بالخلق الكريم وهدوء الاعصاب وعدم الانفعال والحرص علي معاونة الجميع حتي ولو كانوا قد أساءوا إليه، فلم يحمل ضغائن ضد اي فرد ولم يعل صوته ضد أي فرد ولم يتعال علي أحد وكان يتسم بالتواضع والمحبة للجميع فبادلته حبا بحب ولم نسمعه يوما أو سمعنا عنه أنه قد شتم فلانا أو نال منه سواء في حضوره أو غيابه ، كان شديد الاحترام لنفسه وللاخرين بكل الحب والود. كان متواضعا حتي في اتصالاته التليفونية واذكر مرات كنت معه ويطلب مصادر أو مسئولين ويقول انا إبراهيم نافع من الاهرام ولا يذكر حيثيات وظيفية أخري ومن قصص تواضعه والحرص علي حقوق الآخرين وإعطاء كل ذي حق حقه انه في أحد ليالي صيف منتصف السبعينيات طلب ان اصطحبه في لقاء مع وزير الري المرحوم عبد العظيم أبو العطا وذهبنا معا ومعنا المحرر الشاب الناشيء أسامة سرايا وكان ذلك بمثابة تدريب لنا علي مقابلة المسئولين ومحاورتهم. ولكن الأهم أنني فوجئت بنشر الموضوع بالأهرام وعليه ثلاثة أسماء هو وأنا وأسامة سرايا وهذا درس آخر تعلمت منه الحفاظ علي الحقوق . أصبح إبراهيم نافع رئيسا لتحرير الاهرام وسط مظاهر حب من مؤسسته كلها وتبدلت الظروف وتغيرت المواقع ثم شغلت منصب رئيس تحرير الاهرام الاقتصادي بقرار من الراحل الكريم عبدالله عبد الباري رئيس المؤسسة آنذاك وأعددت خطة العمل ومتطلباتها واحتياجاتها وذهبت إليه باعتباره رئيسا للتحرير فقال لي :«خطة العمل أنت مسؤل عنها ولكن أعطني الجزء الثاني وهو احتياجاتك ومتطلبات تنفيذ الخطة». كان هذا هو أسلوبه الفريد في الإدارة ... عدم مركزية القرار وتفويض كامل للسلطات مع ثقة تامة في القيادات . مرت الأيام والسنون في عمل شاق بالأهرام الاقتصادي كان لا يبخل علينا خلالها بكل ما نطلبه من مساندة ودعم مشجعا لكل تطوير . غير أن اخطر وأهم من هذا ما أدين له به شخصيا حين تعرضت لمواقف مهنية شديدة الصعوبة والقسوة وكان رد فعل إبراهيم نافع ووقفته هي وقفة رجل بمعني الكلمة مدافعا وقويًّا وليس مهادنا أو متخاذلا أو مضحيا بأحد قيادات الأهرام في سبيل إرضاء شخص أو مجموعة أو سلطة، واعلم علم اليقين انه لم يقم بذلك سعيا لبطولة أو لتلقي الشكر ، لقد فعل هذا كله بقلب سليم دون انتظار جزاء ولا شكور. وفي مجلس إدارة الاهرام وكنت عضوا به لسنوات طويلة تحت قيادته اذكر انه كان يستمع إلي كل ما يقال ويرحب بكل فكرة و رأي يطرح في الاجتماعات وأذكر أيضا ان أهم تلك الاجتماعات ما كانت تعقد لمناقشة الوضع المالي للمؤسسة تمهيدا لإعلان توزيع الأرباح والحوافز وكان لا يقبل تخفيضها عن العام السابق لها فقد كان يشعر بمدي الحاجة وانتظار العاملين لها. في بعض السنوات كانت الموارد لا تغطي المبلغ المطلوب للحوافز وكنا نقول له:«البركة فيك يا أستاذ ابراهيم» وبالفعل كان لا ينام الا إذا تأكد أن المبلغ المطلوب دخل خزينة الاهرام ليسعد العاملين، ومرة أخري كان يكفي ان يقول لمحدثه تليفونيا أنا إبراهيم نافع من الاهرام ليصل الشيك الي الاهرام ولتحل كل المشكلات المستعصية . رحمه الله رحمة واسعة بما قدمه للأهرام و«الأهراميين» والجماعة الصحفية ولبلده لمزيد من مقالات ◀ عصام رفعت