هذه أول جمعة فى 2018. هذه أول خمسة أيام فى السنة التى تلت السنوات السبع العجاف التى عاشتها مصر من 2011 وحتى 120 ساعة مضت. هذه لحظات فارقة فى تاريخ المحروسة الأقدم من التاريخ... نحن على بعد خطوات قليلة من أصعب سنوات مرت على مصر.. بل هى الأصعب فى تاريخها.. ونحمد الله أنها وَلَّتْ ونشكر الله أننا تخطيناها!. تخطى ما كان مخططًا لنا فى السنوات السبع.. هو قهر جديد للمستحيل.. هو انتصار وراء انتصار على مؤامرات لا تنتهى.. هو تفكيك حلقات حصار فولاذية سياسية واقتصادية وعسكرية أرادوا بها استسلام مصر وفوجئوا بعدها بصلابة شعب مصر!. لكل هذه الأمور.. هذا وقت مراجعة النفس.. مراجعة كل منا لنفسه.. ليعرف ويتمسك بهذه المعرفة.. يعرف أننا نجحنا فى تخطى الأصعب وأننا نقدر على أى صعب والنجاح أيًا كان المستحيل الذى نواجهه!. فى السنوات السبع العجاف.. فقدنا أعزاء.. فى الجيش والشرطة فى حرب الإرهاب.. نحتسبهم عند الله شهداء.. وندعو الله أن يلهم عائلاتهم كل الصبر وكل الإيمان بقضاء الله . علمتنا السنوات السبع العجاف.. ألا تلهينا حرب الإرهاب عن معركة البناء.. وهذا الأمر لم يَغِبْ لحظة عن الرئيس السيسى المدرك تمامًا أن الإرهاب جزء من حرب أكبر وأشمل معلنة على مصر.. الانتصار فيها.. بالدبابة والمدفع.. والمزرعة والكوبرى والطريق والمصنع!. وهذا ما رأيناه.. حرب رهيبة شرسة ضد جماعات الإرهاب تحارب بالوكالة عن أمريكا وإيران وتركيا وقطر و.... فى نفس الوقت أكبر معركة بناء فى تاريخ المحروسة!. بناء اقتصاد مصر من أول وجديد لأجل أن تكون مصر فى المكان والمكانة التى تستحقها.. وهذا مستحيل فى وجود الدعم القائم من قبل نصف قرن!. مستحيل فى غياب وسائل جذب الاستثمار!. مستحيل فى ظل فجوة تتسع كل لحظة بين الاستهلاك والإنتاج!. ولأن المستحيل تعلمنا كيف نقهره فى أكتوبر 1973.. هذا المستحيل هدمناه وتخطيناه.. وهذا ما سَطَّرَه الشعب المصرى للتاريخ.. وقدمه الشعب المصرى للعالم فى 30 يونيو 2013 لينفرط عِقْد المستحيل بحفر قناة السويس الجديدة فى زمن هو الإعجاز.. وشبكة طرق جديدة وأكثر من 100 كوبرى.. وفى ذات الوقت جددت مصر شبكة طاقتها الكهربائية وهذا الأمر وحده معجزة.. وعشرات المشروعات المخطط لها بدقة وعناية بدأ العمل فيها ومنها ما بدأ الإنتاج فعلا.. وعشرات المدن السكنية الجديدة يتم تشييدها وأغلبها يتم السكن فيها بعد شهور!. آخر ما تم افتتاحه قبل رحيل 2017 أربعة مشروعات تبدو عادية بالمقارنة لما تم ويتم.. إلا أننى أراها عظيمة وعبقرية!. نتكلم عن الأنفاق الأربعة التى تم حفرها تحت قناة السويس.. التى اكتشفنا بعد هزيمة 1967 أنها أكبر وأصعب مانع مائى عرفته الحروب فى العالم!. الأنفاق الأربعة مشروعات استراتيجية.. جمعت الأمن القومى مع الاستثمار!. مشروعات تأخرت 44 سنة وكان لابد منها. بعد حرب أكتوبر 1973. الأنفاق الأربعة تحت قناة السويس.. هى فى الواقع اختبار آخر مذهل ناجح للقدرات المصرية.. التى نجحت فى حفر قناة السويس فى وقت قياسى.. ونجحت فى بناء محطات الكهرباء التى أنقذت مصر من ورطة طاقة مؤكدة.. نجحت مصر ونجاحها مازال الألمان فى دهشة منه!. نجحت فى بناء شبكة طرق فى وقت مذهل.. نجحت فى إنشاء أكبر مزارع سمكية فى الشرق وأيضًا التوقيت أذهل الصينيين.. وجاءت الأنفاق الأربعة تحت قناة السويس.. اختبارًا جديدًا فى مجال مختلف.. إلا أن المصريين لا يعرفون المستحيل!. قد يسأل البعض هنا.. كل هذا النجاح الذى تم.. ونتكلم عن سنوات سبع عجاف عاشتها مصر؟. نعم.. مصر واجهت سبع سنوات عجاف بداية من 2011 وحتى أيام مضت.. وهى أزمة اقتصادية تتعرض لها مصر كل فترة زمنية.. وتصادف أنها جاءت مع «الربيع العربى».. وربما أنهم جاءوا «بالربيع» معها.. ليجهزوا على مصر فى أسرع وقت!. أزمة اقتصادية مرعبة فيها مصر.. ويجىء لها «الربيع العربى» الذى كان هدفه إسقاط دولة وليس رحيل نظام!. معادلة مستحيلة مرعبة.. الحل الوحيد لها.. حرب أهلية وتقسيم مصر!. كل الافتراضات.. تقود إلى الفوضى «الخلاقة»!. كل الطرق نهايتها.. حرب أهلية!. لكن كل هذا وذاك لم يحدث.. لأن مصر فى معية الله.. ولأن فى مصر شعبًا وجيشًا.. شهد لهما الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم!. السنوات الثلاث الأولى.. من السنوات العجاف.. عاشت مصر حالة من الفوضى التى هدفها.. صدام ودماء وحرب أهلية وتقسيم مصر!. بفضل الله وعبقرية الشعب ووطنية الجيش.. نجت مصر من كل ما حدث لدول «الربيع العربى» الأخرى فى 30 يونيو 2013.. إلا أن مصر فى هذه السنوات الثلاث.. لم ينضرب خلالها مسمار واحد فى مشروع!. مصر خلالها انغلق فيها أكثر من خمسة آلاف مصنع!. مصر خلالها تم استباحة 150 ألف فدان أرضًا زراعية بالبناء عليها!. مصر وقتها «موقوف» حالها.. بالمظاهرات الفئوية المدبرة.. الكل لا يعمل والكل يريد مضاعفة الرواتب والحصول على أرباح!. مصر خلالها تقترض لضمان توفر رغيف العيش!. كل هذه الفوضى المدبرة تجتاح مصر.. التى هى أيضًا هبت عليها السنوات العجاف.. ومع ذلك بقيت مصر ولم تسقط مصر!. لا تسألنى كيف.. لأن كل الشواهد تشير إلى حتمية السقوط وحتمية الحرب الأهلية!. 30 يونيو أزاحت الإخوان.. ومصر أو جيش مصر.. يدرك أن القادم إرهاب.. وكان على جيش مصر أو قائد جيش مصر.. أن يحصل على تفويض من الشعب لجيشه.. لمواجهة إرهاب محتمل قادم.. وحدث هذا فى 26 يوليو 2013.. والتفويض «وَقَّعَه» 40 مليون مصرى.. نزلوا ميادين مصر!. وبدأت حرب الإرهاب.. وعبقرية قائد مصر هنا.. الحيلولة أن تلهينا الحرب عن معركة البناء.. لأن أى لحظة تأخير تأخذ مصر كلها إلى المجهول.. وكيف لبلد أن يعيش يومه وهو يستهلك فقط ولا ينتج.. وهو يستورد فقط ولا يصدر.. احتياطيه النقدى فى طريقه للنفاد.. والأهم أن البلد ليس فى ظروف طبيعية.. إنما هو فى حرب ضد الإرهاب.. وبمعنى أدق فى حرب ضد عدة دول كبيرة ودولة صغيرة فلوسها كثيرة.. وجميعهم يفكر ويخطط ويرعى ويمول الإرهاب الذى نحن فى حرب ضده!. السنوات التى تلت 30 يونيو وحتى الآن.. صعبة صعبة.. وبقدر صعوبتها نجحت مصر فى التحدى المستحيل الذى تواجهه!. نعم تحدٍ تخطيه واجتيازه مستحيل!. كيف؟. لابد من إصلاح اقتصادى جذرى.. وهذا معناه قرارات بالغة الصعوبة والقسوة.. وهذه القرارات لم يحاول رؤساء مصر من الاقتراب منها وليس التفكير فيها.. إلا أن الرئيس السيسى فعلها وهو يعلم أنها جراحة خطرة لابد منها.. وأن فترة نقاهتها ليست قليلة والتعافى منها سيأخذ وقتًا.. وفترة النقاهة هى الآثار المترتبة على رفع الدعم.. والآثار الناجمة عن ارتفاع الأسعار.. وكلاهما تأثيره مباشر على أغلبية الشعب!. معاناة سوف يعيشها الناس.. لكنها الدواء شديد المرارة الذى يضمن الشفاء!. لم يتردد قائد مصر ورئيس مصر فى اتخاذ القرار.. ولو كان ينظر للشعبية ما اقترب من قرار مثل هذا.. لم يحاول رئيس قبله أن يتخذه.. رغم أنه الحل الأوحد لإنقاذ مصر!. حرب إرهاب دائرة.. وحرب بناء قائمة.. لأن الإصلاح الاقتصادى ليس فقط إلغاء الدعم.. إنما جذب مستثمرى العالم إلى مصر التى تتوسط العالم وهى ميزة.. لكنها بلا قيمة لأننا لا نملك أغلب متطلبات جذب الاستثمار!. لابد من مصادر طاقة تغطى الاستهلاك المحلى وما هو مطلوب للاستثمار وتغطية حاجة المصانع!. لابد من شبكة طرق حديثة!. لابد من قانون للاستثمار يطمئن المستثمر!. لابد من طمأنة المستثمر إلى الأمن والأمان فى مصر.. وإلى أن الإرهاب يتراجع أمام جيش مصر وشرطة مصر!. فى ثلاث سنوات وشهور.. ما تم إنجازه من مشروعات إعجاز!. مشروعات هى الأكبر فى تاريخ مصر.. تم إنجازها.. ومصر فى السنوات السبع العجاف.. وأيضًا مصر تحارب!. رحلت 2017 وأخذت معها السنوات السبع العجاف.. وكانت شاهدًا على عظمة وقدرات المصريين!. شاهدًا على أن المصريين لا يعرفون شيئًا اسمه المستحيل!. شاهدًا على أن الإرهاب فى أمتاره الأخيرة!. شاهدًا على عبقرية رئيس وعظمة شعب وشجاعة جيش مصر وشرطة مصر!. .............................................................. الحقيقة الموجودة فى الدنيا التى اتفق عليها كل البشر من بدء الخليقة هى الموت.. وفيما عداه اختلفوا فى كل شىء وعلى كل شىء.. ومن آلاف الأشياء التى نعرفها جيدًا.. وأيضًا ننكرها تماماً.. هى أن كل إنسان فى حياته بالدنيا.. له وعليه.. لأنه لا يوجد بشر معصوم من الخطأ.. إلا أننا فى الغالب نحب أن ننسى أو نتناسى.. فى أحكامنا على إنسان موجود بيننا أو فى رحاب الله.. ننسى كل ما هو له.. ونذكر فقط ما عليه.. وحتى فى تذكرنا ما هو عليه.. نترك الأمور لأهوائنا.. ونبعد تمامًا عقولنا.. وضمائرنا!. تلك الحقيقة تذكرتها وشعرت بمرارتها.. لحظة سماع خبر وفاة الأستاذ إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس التحرير الأسبق لسنوات ونقيب الصحفيين المصريين الأسبق 6 دورات ورئيس اتحاد الصحفيين العرب لأكثر من دورة... جاءت وفاة الأستاذ إبراهيم نافع بعد رحلة مع المرض ومع الغُرْبَّة... المرض ابتلاء وامتحان من الله.. لا راد له ولا اعتراض عليه.. أما الغُرْبَة فهى اضطرار إلى أن يفصل القضاء فى قضايا متداولة منذ سنوات.. فصل فيها القضاء فعلاً بالبراءة من قبل.. وعادت إلى القضاء مرة أخرى من سنوات.. هى نفسها سنوات الغُرْبَة التى ظل خلالها ينتظر حكم القضاء.. إلا أن الموت كان الأسبق!. الأستاذ إبراهيم نافع الآن فى ذمة الله الحكم العدل.. وما هو أمام القضاء ومحسوب عليه.. القضاء وحده صاحب الكلمة الفصل فيه.. وإلى أن يحدث يبقى ما هو عليه.. مجرد ادعاءات لا إدانات.. مثلما تبقى الحقيقة التى لا خلاف عليها.. وهى أن... الأستاذ إبراهيم نافع فى حياته الصحفية والإدارية والنقابية له الكثير الكثير الكثير ... الذى يحسب له ولا يستطيع مخلوق أن ينكره! تسلم الأهرام مبنى واحدًا.. وصل إلى ثلاثة مبانٍ.. إضافة إلى عشرات المكاتب الصحفية فى محافظات مصر. الأستاذ إبراهيم نافع.. افتتح للأهرام.. مكاتب فى دول العالم الكبيرة واشترى الأهرام مقار هذه المكاتب.. لنظرة اقتصادية على يقين منها!. الأستاذ إبراهيم نافع فى عهده ظهرت إصدارات الأهرام المختلفة.. وصدرت الطبعة الدولية للأهرام.. والمطبعة الوحيدة أصبحت ثلاث مطابع.. يصدر منها «الأهرام» الجريدة وجميع الصحف الخاصة والحزبية فى مصر.. إضافة إلى طباعة المجلات الأسبوعية والشهرية التى تصدر عن مؤسسة الأهرام ومؤسسات أخرى... الأستاذ إبراهيم نافع لم ينس للحظة.. أنه خبير اقتصادى ورئيس للقسم الاقتصادى بالأهرام.. وهذا ما ظهر واضحًا جليًا على قراراته.. التى نقلت الأهرام من كيان صحفى يصدر صحيفة واحدة.. إلى مؤسسة عملاقة صحفيًا واقتصاديًا!. صحفيًا أكثر من عشرين إصدارًا.. واقتصاديًا.. مشروعات متنوعة منها على سبيل المثال.. مصنع أقلام ومصنع C.D.. وشركة سياحة.. ومشروع رائع لفكر سابق لوقته.. مشروع جامعة الأهرام الكندية!. نفس الفكر الاقتصادى فى محور آخر.. أى فائض فى المؤسسة توجيهه لشراء أصول تملكها الأهرام!. إصراره على شراء مقرات مكاتب للأهرام فى الخارج وعدم اللجوء للإيجار.. رؤية مستقبلية ثاقبة ثبتت صحتها وعظمتها فيما بعد.. وقيمة هذه الأصول تتضاعف سنة بعد أخرى.. تخطت ال 100 مليون جنيه!. الأهرام المؤسسة الصحفية العملاقة ميزانيتها السنوية.. قاربت ميزانيات مؤسسات اقتصادية كبيرة ناجحة فى مصر!. الأستاذ إبراهيم نافع.. نجاحه المبهر.. لم يكن مصادفة.. إنما لتمتعه بشخصية فريدة متميزة.. هى هبة من الله لمن يحب من عباده!. الأستاذ إبراهيم نافع.. إنسان فى حالة صلح دائم مع نفسه.. جعلته متصالحًا على طول الخط مع الآخرين!. حالة نادرة من الإنسانية والتراحم وحب الخير تسير على قدمين!. الهدوء لم يكن فقط عنوانًا لمقاله الشهير «بهدوء».. إنما سمة مميزة له مع سمات كثيرة أخرى أنعم الله بها عليه.. التسامح والحب والصبر.. وجميعها ضمانة مؤكدة للنجاح ولا شىء إلا النجاح!. الأستاذ إبراهيم نافع.. حقق نفس النجاح بالعمل النقابى.. نقيبًا للصحفيين 6 دورات.. ورئيسًا لاتحاد الصحفيين العرب 17 سنة.. وخلال عمله النقابى.. كل قراراته.. دفاعًا عن حقوق الصحفيين وحرية الصحافة.. وسيبقى مبنى النقابة فى شارع عبدالخالق ثروت.. حلمه الذى تحقق وأن يكون للجماعة الصحفية مقر يليق بالصحفيين ونقابتهم التى هى أعرق النقابات الصحفية فى الشرق!. الأستاذ إبراهيم نافع.. الأستاذ العظيم والفارس النبيل .. غادر الدنيا ورحل للآخرة.. تاركًا خلفه مواقف عظيمة لا تنسى.. وإنجازات هائلة لا تُنْكَر.. جميعها إنجازات عظيمة تفخر به وتتحدث عنه.. وشهادة له لا عليه! الأستاذ إبراهيم.. وداعًا!.
وللحديث بقية مادام فى العمر بقية لمزيد من مقالات إبراهيم حجازى